السلطة في لبنان تتحضر للانتخابات.. تغييب المغتربين وسحق الثورة

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/30 الساعة 10:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/30 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش
مؤيدون لحزب الله في شرفة منزلهم، مع صورة كبيرة لحسن نصر الله / رويترز

تعيش المنظومة السياسية الحاكمة والممسكة بالبلاد عودة للحياة، حيث أعلنت على لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن انتخابات البرلمان والتي من المقرر أن تكون في شهر مايو/أيار 2022 لن تعتمد خطة التأجيل التي كانت جاهزة من باب الاحتياط. على العكس، ستُجري الانتخابات باكراً، في 27 مارس/آذار، أي بعد 6 أشهر فقط من الآن. وهذا يعني أن المنظومة تملك معطيات تسمح لها بتكريس غلبتها داخل السلطة التشريعية، وسيطرتها على المؤسسات كلها، لسنوات أخرى.

فيما لم يعد أمام اللبنانيين غير خيار الذهاب إلى الانتخابات حيث تعتبر المتنفس الأخير الذي ينتظرونه للتعبير عن غضبهم، وتوجهاتهم في رفض الممارسات السياسية لمختلف القوى الحزبية الحاكمة، وتسعى لصوغ التسويات بين بعضها البعض، لإعادة إنتاج نفسها على حسابهم ومن أموالهم ودمائهم، وبالمقابل فالانتخابات النيابية المقبلة ستجد القوى السياسية نفسها في مواجهة امتحانٍ تاريخي لحقيقة أحجامها وأوزانها بعد 4 سنوات من الأحداث التي عصفت بالبلاد من ثورة شعبية مروراً بانفجارات وكوارث وانهيارات مالية وسياسية وانقطاع السبل الحياتية أمام اللبنانيين، فيما سيكون الطرف الأقوى -أي حزب الله- في طليعة الأحزاب التي ستوضع تحت مجهر المراقبة السياسية للأداء والتمثيل داخلياً وخارجياً.

مقاعد المغتربين

وقبل أيام، فتح نقاش حول تطبيق القانون الانتخابي الذي أقر في عام 2018، والذي يتضمن مادة واضحة حول تخصيص ستة مقاعد لنواب يمثلون المغتربين اللبنانيين، لذا فإن القوى السياسية المتراجعة وعلى رأسها التيار الوطني الحر وتيار المستقبل بدأت بالحديث حول تعديل القانون للإطاحة بهذا البند؛ لأن تلك القوى تعتبر أن القوة الاغترابية كلها تعارضها، ونتائج الانتخابات في الخارج لن تصب في مصلحتها.

والنتائج ستكون انعكاساً لحقيقة الموقف اللبناني الذي لا تتمكن القوى السياسية من التأثير على الناخبين من خلاله كما يجري في لبنان، كذلك سيتم استخدام نتائج انتخاب المغتربين كمؤشر حقيقي وأكثر دقة من الانتخابات الداخلية، التي تتمكن الأحزاب فيها من التأثير على رأي الناخبين، والضغط عليهم أو إغرائهم بخدمات مالية أو إدارية.

وإلغاء هذا البند -وفقاً للزميل منير الربيع- يحتاج إلى تعديل القانون. وبمجرد فتح هذا الباب ستخرج قوى أخرى تطالب بإجراء تعديلات مختلفة على القانون، مثل اعتماد صوتين تفضيليين بدلاً من صوت واحد. ولكن ذلك موقف يرفضه بشكل كامل الطرف المسيحي، الذي يعتبر أن الصوت الثاني سيمنح المسلمين تأثيراً أكبر في الدوائر، ويكون قادراً على التأثير بشكل جذري على نتائج الانتخابات. فيما قوى أخرى تعتبر أن حزب الله سيكون الطرف الأكثر استفادة من هذا الطرح؛ لأنه سيتمكن من تجيير كمية أصوات كبيرة في كل الدوائر إلى مرشح ثانٍ.

حجة الانقسام الطائفي

سيشكل عنوان إلغاء انتخاب المغتربين لستة ممثلين عنهم، وتعديل الصوت التفضيلي عنواناً لانقسام إسلامي مسيحي في لبنان. هنا تكون الحجة والذريعة كاملة ربما لتأجيل الانتخابات، بذريعة الحفاظ على الوحدة الوطنية، ومنع الانقسام المذهبي والطائفي، على أن يقرن ذلك بتعهد جديد يرتبط بإقرار قانون انتخابي جديد.

وعليه تتعاطى القوى السياسية وكأن الانتخابات واقعة في مواعيدها. وكل المواقف الدولية والدبلوماسية تركّز وتشدد على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. وعلى هذا الأساس تقوم الأحزاب بتنشيط ماكيناتها الانتخابية، لأنها تعتبر نفسها أمام فرصة أساسية لإعادة إثبات حضورها، وكسر الصورة التي تكرست منذ ثورة 17 تشرين، بأن القوى السياسية تراجعت إلى حدود الانتهاء، وستصاب بهزائم كبيرة لصالح مجموعات الاعتراض الناشئة من رحم الانتفاضة اللبنانية.

حزب الله يستعد

وعليه فإن حزب الله (ووفقاً لمقربين من أوساطه) قد أنجز خلال تلك الفترة كل الترتيبات اللوجستية والتنظيمية الضرورية لإدارة العملية الانتخابية في الدوائر التي يتواجد فيها، ما يعني أنه يتعاطى بجدية عالية مع الاستحقاق الانتخابي وظروفه ومتطلباته، وبالتالي لا يناور في موقفه الداعم لحصوله، بل هو بدأ قبل الآخرين الاستعداد له من دون أن تمنعه انشغالاته بقضايا أساسية كالنفط الإيراني والتحديات السياسية المتعلقة بالحكومة والأمن والحدود لأنه يعتمد وفقاً للمتابعين على تفريغ اختصاصيين في ملفاتهم المهمة والثانوية.

وحزب الله ومعه حلفاؤه المسيحيون والسُّنة والدروز سيسعون إلى اعتبار المعركة الانتخابية لا تختلف عن أي معركة يخوضها في الميدان العسكري والأمني لأنه بات يدرك أن التحدي هذه المرة هو أصعب مما كان عليه في انتخابات 2018، وأن مواجهة صعبة تنتظره وحلفاءه في الانتخابات، خصوصاً أن هناك مؤشرات تؤكد بأن قوى التغيير والمجتمع المدني يتحضرون بشراسة إلى خلق خرق انتخابي كبير لتغيير الخريطة السياسية في المجلس النيابي تحت شعار معاقبة الطبقة السياسية الراهنة وإدخال تعديلات جوهرية على تركيبتها، الأمر الذي يدفع الحزب نحو ما يعتبره أن تهديد التركيبة والتوازنات بداية لاستهداف الحزب ودوره المحلي.

السلطة vs المعارضة

وعليه يمكن اعتبار الاستشراس لقوى السلطة وأدواتها السياسية والأمنية، في هذه المرحلة، على قوى المعارضة وهيئات المجتمع المدني هو تحضير لسحقها في حال سمحت الظروف في ظل تراجع فرنسي عن معايير الإصلاح ودعم القوى البديلة والانسحاب الأمريكي من المنطقة، الأمر الذي أدى لضرب القوى التأثيرية للمجموعات السياسية الجديدة لأن الأحزاب التقليدية أعادت تكوين صورتها من دون الخوف من الاعتراضات الدولية التي باتت تتأقلم مع وقاحة السلطة وتمسكها بالدولة، فيما الواضح أنه لن يكون الحظ مواتياً لقوى الاعتراض المنعزلة أو المشتتة.

ومنذ مدة جرت محاولات لضم مجموعات 17 تشرين في تحالف انتخابي موحد. وأُنشئت منصة هدفها خوض الانتخابات النيابية تحت اسم "نحو الوطن". وهناك جهات أخرى تعمل على إنشاء منصات لدعم المرشحين واللوائح المعارضة لوجستياً لخوض غمار هذا الاستحقاق. وبمعزل عن احتمال تأجيل الانتخابات بشتى الذرائع، التي يُمكن أن تلجأ إليها القوى السياسية كما حدث سابقاً، يأتي هذا الاستحقاق في ظل انهيار اقتصادي ومالي كبيرين.

لذا فالسلطة تعيش إعادة إحياء نفسها بحزب الله مباشرة أو بدعم غير مباشرة والمعارضة أمام امتحانها الصعب وغير المتكافئ والأيام كفيلة بإثبات الحقيقة.

فلننتظر!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد