نحاول كثيراً اليوم أن نعمل على تغيير فكرة الزواج، من فكرة سطحية باهتة إلى فكرة أعمق وأسمى، وبين التطرف في الآراء، وتجريد المقاييس بشكل كامل تظل هناك مساحة وآراء خاصة حسب الفرد، وتوجد منطقة رمادية بحاجة لأن ننظر إليها بموضوعية.
الكثير من الناس ينظر حين الزواج إلى الشكل أولاً، وهذا في عمومه نظرة قاصرة، فالشكل خاضع للتغير تحت وطأة العمر والمرض، لكن يجب أن نفرق بين المفاهيم حتى نستطيع أن نخضع الأمور للموضوعية.
فعبادة الشكل وكأنه المفصل الأهم في الزواج هو نوع من السطحية المؤكدة، لكن هناك ما يدعى "بالقبول" وهذا يختلف تماماً عن عبادة الشكل الخارجي وجعله ميزان التعرف على شريك الحياة، إنما معناه بشكلٍ أدق هو وجود قبول إيجابي للمقابل، خاصة أننا في الزواج التقليدي الذي غالباً يتم دون معرفة أفكار وعقلية وشخصية الشخص المقابل، وكل الذي نعرفه عنه هو ما قاله الناس عن الشخص وعائلته -في المجمل أقصد "سمعته في الحي أو البلد"- يجعل الشكل هو ما يبقى للشابين كمعيار أوّلي، وهذا ما تسميه الأمهات "شوفها إذا ارتحت لها".. "أو شوفي ممكن ترتاحي له".
علماً أنه من غير المنطقي إسقاط كلمة "الراحة" على ربع ساعة يقابل فيها أحدهما الآخر، والأصل كما وضحت سابقاً في مقال "الخطوبة" أن يتم التعرف على بعضيهما بأكثر من جلسة بما يعرف بالخطبة الشرعية دون كتب الكتاب، التي تتيح التعرف بينهما وتحفظ الحق والاحترام وأيضاً تقلل حالات الطلاق.
لكن، هل رفض الفتاة لشاب بسبب شكله يعد عنصرية وسطحية؟
وهل رفض الشاب لفتاة بمواصفات معينة يدخل بالعنصرية؟
هل الرفض في الزواج لأجل شكل معين أو لون معين يعد سطحية؟ عنصرية؟
لفترة من الفترات كنت أقول نعم، هذا يعد نوعاً من الرفض والعنصرية والتفكير الهش، لكن هناك ما يدعى (قبول)، وهو شرط أساسي في إتمام الزواج والوفاق، لم تعجبه لأنها سمراء أو بيضاء، حسب تفضيله، أظن أن هذا حقه الخاص، ولم يعجبها لأنه قصير أو طويل، أيضاً هذا حقها الخالص.
الأمر يتعدى القبول أو الرفض من باب المبدأ والزوايا الاجتماعية، ويدخل في صيغة أدق إلى القبول الخاص والذوق الخاص، وهو ما سينعكس على العلاقة الحميمية، ولأنها ثقافة تكاد تكون معدومة لدينا (معدومة من الناحية الصحية والعلمية)، فإن القبول الشكلي للآخر هو أهم عنصر في العلاقة الجسدية، شئنا أم أبينا، وبعيداً عن المدينة السماوية، هذا أمر مفروغ منه واقعياً وعلمياً، ولا يمكنك أن تعاتب شخصاً لرفضه فتاة سمينة أو نحيفة مثلاً، فهو في النهاية مَن سيخلد بجانبها ليلاً، ولا يمكنك أن تصف فتاة بأنها سطحية لرفضها شاباً قصيراً أو طويلاً، فهي من ستنام بجانبه، عالم الجنسانية كبير فيه أذواق كثيرة، ولأن النفس البشرية هي بشرية فلا يمكن تسييرها على قاعدة واحدة، وإجبارها على نمط معين، فلكل إنسان ما يهوى ويحب.
نعم، أنا معكم لآخر ذرة أن الحب والتفاهم يتخطى الشكل، لكن إذا كانت هناك معرفة أو حب أو إعجاب من قبل، فقد تخطوا مرحلة الشكل، وتعرفوا على الذكاء، الشخصية، الفكر… إلخ، فالوقوع في إعجاب شخص لا يقتصر على الشكل فقط، وإنما كانت هناك مؤشرات ومزايا وقع الطرفان في الإعجاب بها. لكن إن كان زواجاً لم يخضع لأي تعارف من قبل، فبعد السؤال عن الحال، والكيف والأخلاق والأموال، يأتي السؤال المنطقي: هل كان هناك "قبول" أو "نفور"؟ وبما أنه لا يوجد أي مقياس حسي أمامنا غيره، فالرفض متعلق بهذا المقياس -للأسف-.
فالفتاة بعد نصيحة الأهل بأخلاقه وسمعته يبقى لها مقياس فردي، هل شعرتِ بالقبول؟!
والشاب كذلك الذي تقدم لها بعد السؤال عن عائلته، هل أعجبَتْه؟!
أقول إن الرفض والقبول اليوم لا يقتصران على الأهل فقط، قبول ورفض الشاب/الفتاة هو الأمر المهم، نعم الأخلاق أهم، نعم الدين أهم، نعم المال أهم، لكن هناك زيجات كثيرة ذهبت للفشل وما زالت في ساحات المحاكم بسبب أول خط مهم في الزواج وهو العلاقة الجنسية التي تترك كل الماديات خارجاً على باب غرفة النوم، وتدخل تحت عنوان "الرغبة في الآخر" وتحديداً الرغبة في ممارسة العلاقة الزوجية معه.
وأيضاً أكيد أن فكرة الزواج لا تقتصر على غرفة نوم فقط، لكن لا أحد ينكر أنها محور أساسي لإتمام معنى الزواج، فهو بنفس اللحظة مهم من أجل حياة أسرية صحية في عصر لم يعد أحدٌ فيه ليس له علم بهذه الأمور، وفي هذا الموضوع هناك مفهوم ما يدعى النفور، وهذا تحته عشرة خطوط، ربما الأجيال السابقة لا تعرف المفهوم، أو أنكرته وغطت عليها بخصال أخرى فلم يكن معهوداً أن تترك الزوجة زوجها لأنها "تنفر" منه، أو العكس، علماً أن هذا الحق كفله الدين لهما.
وحتى لا تختلط المفاهيم، فإن رفضك تشغيل فتاة "ليست جميلة حسب معاييرك" في الشركة هو عنصرية، رفضك لصداقة شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة هو عنصرية، رفضك لعدم السلام والترحيب بشخص فيه صفات معينة هو العنصرية، رفضك للعب مع شاب مسيحي/مسلم (مخالف لدينك) هو عنصرية، لكن قبولك ورفضك لأمر خاص بك وهو الزواج فهنا ندخل في مفهوم "القبول"، فأنا أحب التفاح الأخضر، وهذا لا يعني أنني أكره التفاح الأحمر وأتمنى له أن ينقرض، إنما لأن هذا ذوقي الخاص وما أستطيبُه.
كل ما كتب بالأعلى قد يكون حساساً جداً، ولكنه حقيقي وواقعي، لأنه يتخطى الجمادات ويدخل بالذوق الشخصي الخاص وفي "القبول" و"النفور" وفي العلاقة الجسدية.
هذا النقاش محاط بالحساسية العالية، لكن لا مفر منه، كل إنسان له مقياسه وذوقه الخاص، والأهم له وعيه الخاص وله نظرته الخاصة منهم حقاً لا يهمه الشكل ومنهم حقاً مَن يرغبون في شكل معين.
ما أجمل العلاقة حين تكون مبنية على وفاق وذكاء وعقلية وحب لا لون البشرة أو حجم الجسد، نعم هذا شيء جميل جداً ويصفق له، لكن الجميع يستطيع قوله في المنصات والمنشورات والجلسات، لكن ليس الجميع يستطيع تنفيذه أو تخطيه أو قبوله في العلاقات الخاصة، التابعة لذوق الإنسان الجنسي.
وكما أتى في السيرة..
قول النبي لمغيرة "انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"
قوله "انظر إليها"، أي هل أعجبت بها؟
هل أرواحكما المجندة ترى نفسها في ذات الخندق.
هذا قبول ونفور في القلب وليس باليد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.