ما وجه التشابه بين نفسك وماكينة الصرّاف الآلي؟ معرفة الأمر ستسهّل عليك فهم علاقاتك

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/25 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/25 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش
ما وجه التشابه بين "نفسك" وماكينة الـ"ATM"؟ هل فكرت في ذلك من قبل؟/ Istock

العلاقات، تلك الأزمة التي ما زلنا نحتاج إلى مجهود مستمر لفك شفرتها، ونحتاج إلى بذل الجهد الدائم للحفاظ عليها، نحن نعرف ونبذل مجهود كبيراً في العلاقات مع الآخرين، ولكننا نغفل عن العلاقة الأهم والأقوى، والتي سيتم ذكرها لاحقاً.

في هذا السياق يذكر الكاتب ستيفن أر كوفي في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فاعلية عن العلاقات: "تذكر أن الحلول السريعة سراب، فبناء العلاقات وإصلاحها يحتاج إلى الوقت، وإذا لم تكن صبوراً تجاه عدم الاستجابة، أو عدم الامتنان الظاهري ستقوم بعمليات انسحاب هائلة، وإلغاء كل الأشياء الجيدة التي قمت بها من قبل".

ويشبّه الكاتب العلاقة بأنها حساب بنكي يجب الحرص على التأكد من العمليات المتعلقة به، هل هي عمليات سحب من العلاقة على الدوام؟ هل يحرص شخص واحد في العلاقة على الإيداع باستمرار في رصيد العلاقة ولا يعبأ الآخر بها؟ أم هي عمليات سحب وإيداع من الطرفين؟

ويؤكد أن رصيد حسابنا في العلاقات المستمرة والتي يحدث فيها تفاعل يومي مستمر ومحادثات يومية ونقاط اختلاف ونقاط مشتركة، تحدث فيها عمليات سحب مستمرة وتلقائية في تفاعلاتنا اليومية، لذلك يجب الحرص على الإيداع باستمرار في حساب تلك العلاقات من أطراف العلاقة.

ولكن نطرح سؤالاً هاماً هنا قبل الحديث عن كيفية القيام بعمليات الإيداع، كيف سيحدث إيداع مستمر في علاقاتنا مع الآخر إذا كان حسابنا البنكي الشخصي الذي ستجرى من خلاله التعاملات اليومية لا نعلم عنه شيئاً؟ وهو الحساب الأهم على الإطلاق، حساب بنكي مستمر لا ينتهي، بدأ منذ الولادة وحتى الممات.

وبغض النظر عن العلاقة التي ندخلها، سواء علاقة زواج أو علاقة عمل أو علاقة صداقة، فالحساب الشخصي يحتاج منا أيضاً الكثير من الجهد وعمليات إيداع مستمرة نتيجة لعمليات السحب اليومية.

وأتفق مع الكاتب على أن المكان الذي نبدأ منه بناءً على أي علاقة سليمة ومستمرة هو بداخلنا نحن، نعم من داخلنا من خلال الوعي الذاتي بأنفسنا، نبدأ من خلال فهم أنفسنا فهماً عميقاً، أن نتعامل مع الآخر من دائرة تأثيرنا، من شخصيتنا الحقيقية، من منطقة عطائنا لا من منطقة احتياجاتنا، ونبدأ بعدها في بناء علاقات متبادلة مع الآخرين وليست علاقات اعتمادية.

أحياناً كثيرة حين نفقد بوصلتنا الخاصة ونفقد العلاقة مع ذواتنا الحقيقية ونتعايش مع الألم المزمن الناتج عن وحدتنا وانفصالنا عن أنفسنا واحتياجاتها الحقيقية، ونتعايش مع الغربة الداخلية وينتابنا ذلك الشعور الغامض بعدم الارتياح، نحاول اتخاذ بعض الخطوات في محاولة بناء علاقات جديدة مع أشخاص تخفف عنا ذلك الألم المزمن الذي تعايشنا معه واعتدنا الحياة به.

وعندما نعاني من مشكلات في علاقاتنا بالآخرين، ونتفاجأ أن ذلك الألم تحول إلى ألم مزمن وحاد يتصاعد مع كل إخفاق فى إحدى العلاقات أو أي من ملامح التوتر في العلاقة، غالباً تزداد شدته ونبدأ في محاولة الهروب منه من جديد في علاقة جديدة، وهكذا، ولكن بعد أن تصاعدت حدتة وأصبح أكثر إيلاماً.

ولا نفهم أن هذا الألم الحاد ينمو من مشكلة مزمنة وأكثر عمقاً من مجرد الفشل في علاقة أو وجود توتر في مسارها، وهو ذلك الألم المزمن القديم "ألم الانفصال عن الذات"، ألم وجود حساب بنكي مكشوف لا نعلم عنه أي شيء من رصيد أو معاملات، بل أحياناً هو حساب مهمل أوشك على النفاد، أو صندوق كنوز مغلق منذ سنوات تعلوه طبقات من التراب والصدأ.

ولذلك حينئذ يجب علينا التوقف عن معالجة الأعراض والبدء في معالجة المشكلة، بداية رحلة الوعي الذاتي ليس فقط حب الذات وتقبلها.

فإن الدعوة إلى حب الذات حباً غير مشروط  قبل حب الآخرين، هي دعوة مشروعة وحق لذواتنا الحقيقية أن نحبها ونتقبلها بكل احترام، ولكن من الهام أيضاً، والذي يغفله الكثيرون ليس فقط أن تعرف نفسك وتقبلها وتحبها، بل الأهم أن تتمكن من التحكم في نفسك بعدها وضبطها، وأن تكون حازماً مع ذاتك بكل رحمة وحب، وإلا سيكون من الصعب عليك أن تحبها حباً حقيقياً، بل سيكون حباً على المدى القصير، ومجرد حب سطحي سيظهر أثره في كل علاقة جديدة وكل موقف في الحياة الحقيقية على أرض الواقع، ومع كل موقف تحدث فيه مشاعر إحباط أو خذلان أو هزيمة، وستكون حينئذ هزيمة ذاتية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رانيا ضياء
كاتبة مصرية مهتمة بالعلاقات الأسرية
حاصلة على دبلوم العلاج المعرفي السلوكي من المؤسسة المصرية للعلاجات المعرفية، أعمل في مركز أبسال لتنمية المهارات الحياتية والتربوية بالإسكندرية
تحميل المزيد