تضمّن اتفاق الإطار الموقع في شهر تموز/يوليو المنصرم، بين الولايات المتحدة ووكالة الأونروا لاستعادة الدعم الأمريكي لأنشطة الوكالة، شروطاً خطيرة لجهة تغييب وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، كونها قضية جوهرية ناشئة بعد طرد 850 ألف فلسطيني من وطنهم وإقامة "إسرائيل" في أيار/مايو من عام 1948 على 78% من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009) كيلومترات مربعة.
الانقضاض على الأونروا
في وقت يعاني فيه اللاجئون الفلسطينيون داخل مناطق عمليات الأونروا الخمس، كنتيجة مباشرة لعجز موازنة الأونروا البالغ 150 مليون دولار؛ تمّ عقد اتفاق الإطار أخيراً بين أمريكا والأونروا، التي ستحصل على دعم مالي بمبلغ 135 مليون دولار ويشكل نحو 30% من ميزانية الوكالة السنوية، وذلك مقابل شروط أمريكية جازمة.
ويستهدف الابتزاز السياسي للوكالة، استكمال إدارة بايدن لخطوات إدارة ترامب السابقة في تغييب الوكالة الدولية، الشاهد الدولي الوحيد على نكبة 48 وبروز قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين وصل عددهم إلى ستة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني حتى العام الحالي 2021.
ويتضمن الاتفاق اشتراطات سياسية تفتح مجالاً لتدخل أمريكا بكل تفاصيل عمل الأونروا؛ حيث يشترط الاتفاق تقديم تقارير مالية وأمنية كل ربع سنة، للاطلاع على كل تفاصيل عمل الوكالة، من أين تأتيها الأموال وأين تذهب؛ أي معرفة قنوات الإنفاق والتمويل بحجة الاستقرار المالي المستدام، وصولاً إلى تجفيف خدمات الأونروا المختلفة على كل لاجئ فلسطيني ينتمي إلى الفصائل الفلسطينية، أو أي لاجئ فلسطيني تلقى أي تدريب عسكري أو شارك في أحد الفصائل أو اعتُقل سابقاً، أو تلقى تدريبات في جيش التحرير الفلسطيني المتواجد على الأراضي السورية.
ولهذا يمكن الجزم بأن اتفاق الإطار بين أمريكا والأونروا يتناقض مع التفويض الممنوح من الأمم المتحدة لوكالة أونروا، وكذلك مع القانون الدولي، ويحول في ذات الوقت الوكالة إلى أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الشعب الفلسطيني، ودعم التوجهات الإسرائيلية، وفي المقدمة منها تصفية قضية اللاجئين الفلسطينية.
خدمات الأونروا
تتنوع الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين المسجلين لديها ما بين التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية وتغطي كل المخيمات الفلسطينية البالغ عددها 58 مخيماً. وتتوزع مخيمات اللاجئين بواقع 12 مخيماً في لبنان و10 في الأردن و9 في سوريا و27 في الأراضي الفلسطينية، بواقع 19 مخيماً في الضفة الغربية و8 في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 364 كيلومتراً مربعاً.
كما تدير الأونروا نحو 900 منشأة بين مدرسة وعيادة صحية ومركز تدريب مهني، يعمل فيها حوالي 30 ألف موظف وموظفة في مناطق عمليات الوكالة في كل من الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. وبين هذه المنشآت 703 مدارس، ما يعني أن البرنامج التعليمي الذي تديره الأونروا يعتبر من أكبر برامج الوكالة، ويستحوذ على أكثر من نصف ميزانيتها المقدرة بنحو مليار ومائتي مليون دولار سنوياً. ويعتبر قرار إنشاء الأونروا من قبل الأمم المتحدة في عام 1949، وانتشار خدماتها في عام 1950، اعترافاً أممياً بقضية اللاجئين الفلسطينيين؛ ولهذا تساهم بعض دول العالم في تقديم هبات ومساعدات سنوية للأونروا بغية الاستمرار في عملها في مناطق عملياتها الخمس، وفق موازنة سنوية مقدرة لكل منطقة حسب عدد اللاجئين والخدمات المقدمة.
ولهذا فإن استمرار عمل الأونروا أمر ضروري، ناهيك عن كونها الشاهد الدولي الوحيد على نكبة 48 ومسؤولية دولة الاحتلال الإسرائيلي والغرب عن ظهور قضية اللاجئين الفلسطينيين.
حجم القضية
تمّ تفويض الأونروا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لخدمة "لاجئي فلسطين"؛ وتم تعريف هذا المصطلح في عام 1952 على أنه "أي شخص كان مكان إقامته الطبيعي هو فلسطين خلال الفترة من 1 حزيران 1946 إلى 15 أيار 1948 وفقد منزله وسبل معيشته نتيجة النزاع عام 1948″؛ ولهذا فإن اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي يستوفي التعريف أعلاه ومنحدر من صلب آباء مستوفين لهذا التعريف.
وتعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين القضية الدولية الأطول عمراً بين قضايا اللاجئين، رغم أن المجتمع الدولي أقر عام 1948 ضرورة وجوب عودتهم إلى ديارهم، كحق ثابت من حقوقهم في تقرير مصيرهم.
وفي 8/12/1949 وُلدت الأونروا، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، وبدأت مزاولة أعمالها في الأول من أيار/مايو 1950، بغية توفير الخدمات الإغاثية والصحية والتعليمية للاجئين الفلسطينيين في 58 مخيماً أنشئ لأجلهم في الأردن وسوريا ولبنان بالإضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
ورغم مرور أكثر من اثنين وسبعين عاماً على تأسيسها، ما زالت "الأونروا" تقدم خدماتها لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين في قوائمها. وتشير سجلات الأونروا إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها يقدر بأكثر من ستة ملايين لاجئ، وهذه الأرقام تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيش نحو ثلثهم في المخيمات.
ويشكل اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية والمسجلون لدى الأونروا ما نسبته 17% من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى الوكالة، ويشكلون نحو 26% من سكان الضفة. أما في قطاع غزة، فبلغت نسبتهم 25% من إجمالي اللاجئين، ويشكلون أيضاً 66% من سكان القطاع، ومن الأهمية الإشارة إلى أن حوالي 42% من مجمل السكان في الضفة والقطاع؛ لاجئون.
أما على مستوى الدول العربية، فقد بلغت نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الوكالة في الأردن 39%، في مقابل 9% في لبنان، في حين بلغت النسبة في سوريا، قبل اندلاع الثورة السورية، 10%، ثلثهم كان يتركز في مخيم اليرموك الذي تم تدمير القسم الأكبر منه في نيسان/أبريل من العام 2018 المنصرم.
ويبقى القول إن اتفاق الإطار بين أمريكا والأونروا المشروط بتقديم المساعدات الأمريكية في مقابل تنفيذ الوكالة لتوجهات أمريكية وإسرائيلية إنما ينطوي على مخاطر حقيقية لطمس وتغييب قضية اللاجئين الفلسطينيين وتالياً حق العودة إلى وطنهم الوحيد فلسطين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.