الأبطال العرب في الألعاب البارالمبية: أرقام مشرِّفة وتعامُل مخجل

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/21 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/21 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش
العداء المغربي أمين شنتوف من الألعاب البارلمبية/ رويترز

من المجحف أن يتعامل السواد الأعظم منا مع ملف الألعاب الأولمبية ويستل خنجر النقد ويرفع حنجرة الصياح والصراخ تجاه الحصيلة العربية التي ظلت وفية كالعادة "للتواضع" دون جديد يذكر، ومجدداً يطرح السؤال نفسه: ماذا ينقصنا كي ننافس الآخرين ونتوج ونحصد الميداليات مثلهم؟

هذا سؤال محق تماماً ولا أحد يمكنه أن ينفي ذلك أو يطعن في صحته؛ لكن الأمر المثير للاستفزاز حقاً أن نغض الطرف عن منافسة أخرى لا تقل أهمية، تنظم بعد إسدال الستار على منافسات "الأصحاء" (رغم تحفظي الشديد على المصطلح). تتجه أنظار العالم نحو الألعاب التي تهم ذوي الاحتياجات الخاصة وتسمى "الألعاب البارالمبية"، والمفارقة العجيبة التي آن الأوان صدقاً لأن نتصدى لها ونضع لها حداً، تكمن في تجاهل العرب للإنجازات والأرقام القياسية التي لا تبدأ إلا حين يدخل هؤلاء الأبطال المعترك ويبذلون الغالي والنفيس لرفع رايات أوطانهم ليعوضوا سلسلة الفشل الذريع التي تتكرر كل أربع سنوات دون حسيب ولا رقيب ولا تخطيط ولا استراتيجية بعيدة المدى لإعداد أجيال قادرة على رفع المشعل وكسب التحديات والرهانات أسوة بباقي زملائهم في أنحاء العالم.

وما قد لا يعرفه الكثيرون هو أن نجاحات أبطالنا في الألعاب البارالمبية ليست وليدة السنوات الأخيرة فقط؛ بل جاءت منذ سنة 1976 وتحديداً في تورنتو بكندا حين أحرزت مصر ثماني ميداليات منوعة بينها خمس ذهبيات! وفي دورة أرنم الهولندية عام 1980 ارتقى أبناء المحروسة برصيدهم ليبلغ 14 ميدالية وأضيفت إليهم الكويت والسودان؛ ليتواصل النجاح العربي في سيول 1988 وبرشلونة 1992 وأتلاتنا 1996؛ وسيدني الأسترالية عام 2000 حيث بلغ حصاد الميداليات 56 وفي ريو دي جانيرو جاء العدد الإجمالي 74 ميدالية.

وفي العام الحالي بطوكيو شهدنا سلسلة مختلفة من النجاحات بين أبطالنا، واحتلت الجزائر المركز الأول عربياً في عدد الميداليات، وتلتها تونس ثم المغرب والأردن وباقي الدول الأخرى التي قهر أبناؤها كل الصعاب والعراقيل ورفعوا أعلامها خفاقةً في محفل دولي لا يقل أهمية عن الألعاب الأولمبية؛ لكن السؤال المطروح هنا وبقوة: إلى متى سيظل أبطالنا من ذوي الاحتياجات الخاصة يكابدون ويعانون الأمرَّين وهم الأجدر والأحق بالدعم والرعاية ولطالما أثبتوا ذلك مراراً وتكراراً؟ أليس من المخجل أن نسمع أنينهم بعد كل نجاح رغم أن الطبيعي هو أن نحتفل بهم ونرعاهم طوال السنوات التي تسبق أي تظاهرة رياضية تخصهم؟

النجاح الكاسح لهؤلاء لا ينبغي أن يغطي الشمس بالغربال ويجعلنا نكتفي بتلك الصور المنمقة، وهم يلتحفون أعلام بلدانهم وبعد ذلك نقرأ في الصحف أنهم في بعض الدول لم يتحصلوا على رواتبهم أو مكافآت ميدالياتهم التي تهم الدورات الماضية كما صرح بعض الأبطال المغاربة؛ ونذكر منهم على سبيل المثال البطل أمين الشنتوف الذي حصد الذهب في ثلاث دورات متتالية من لندن 2012 حتى ريو دي جانيرو 2016 وحالياً بطوكيو حيث ما زال وفياً لعادته في كسر الأرقام القياسية والتحليق بعيداً في مقدمة سباق الماراثون، مع العلم أن قصة حياته مليئة بالدروس والعبر؛ حيث تعرض لحادث سير قلب حياته رأساً على عقب، وظنَّ أن حلمه بالسير على طريق العديد من الأبطال الذين سبقوه في رياضة ألعاب القوى قد تبخَّر بعد إصابة على مستوى الرأس جعلته يفقد نسبة كبيرة من بصره، لكن بالعزيمة والإرادة وصل لمبتغاه وأضحى رقماً صعباً في عالم الرياضة. وكذلك لا ننسى الضجة التي أثارتها مشاهد مؤثرة للبطلة المغربية مريم النوغي في سباق الماراثون حيث ظلت بلا مرافق وعملت على تتبع خطوات المنافسات حتى تتفادى السقوط في صورة أغضبت الكثيرين، ومن هنا كانت بداية انطلاق هاشتاغ اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "عطيهم رزقهم" (أعطوهم مستحقاتهم).

كل هذه الضجة التي أثيرت في المغرب ودول أخرى عربية تبدو خطوة مهمة للغاية في طريق طويل لقطع دابر الإهمال والتهميش الذي يطال هذه الفئة وإصرار البعض عن قصد أو غيره على تجاهلها أو التقليل منها رغم المواهب التي حباها بها الله سبحانه وتعالى، والدليل أنهم من يكافحون في سبيل تعويض مسلسل الفشل الذريع الذي يرافق كل دورة أولمبية لدى "الأصحاء".

فهل يمكن أن نتفاءل بالحراك الإيجابي الذي حملته دورة طوكيو وتفاعل الجمهور العربي والمطالبة بإنصاف أبطال الألعاب البارالمبية الاوفياء والمخلصين؟ نرجو ذلك حقاً.

يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عادل العوفي
كاتب وصحفي مغربي
درستُ الإعلام والصحافة، وعملتُ بالعديد من المنابر العربية مثل: القدس العربي ورأي اليوم اللندنيتين، وصحيفة المسار بسلطنة عمان، وغيرها، بالإضافة إلى كتابة مقالات رأي في منابر أخرى. عملت مُعدّاً، ومقدم برامج تلفزيونية، وكاتب سيناريو، وآخر أعمالي في هذا المجال مسلسل "عائلة بوخالد" في قطر
تحميل المزيد