على هامش هزيمته الساحقة في الانتخابات.. أين اختفت قواعد “العدالة والتنمية” الشعبية؟

عدد القراءات
843
عربي بوست
تم النشر: 2021/09/20 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/20 الساعة 14:28 بتوقيت غرينتش
قيادات حزب العدالة والتنمية المغربي/رويترز

ثمة مسلّمة يعتقد بها الكثيرون داخل الحركة الإسلامية وخارجها مفادها أن قوة الإسلاميين تكمن في قدرتهم على التنظيم، الأمر الذي يجعل منهم قوة ضاربة تعينهم على الاستعراض الجماهيري وتوفر لهم خزاناً انتخابياً ثميناً متى قرروا المشاركة في الانتخابات خلافاً لخصومهم المشتتين الذين يُهزَمون أمامهم مع كل استحقاق شعبي. 

كما يمتد التصور لاعتقاد أن قاعدتهم الجماهيرية -أي الإسلاميين- ثابتة لا تتأثر بأية ظروف وأحوال طارئة؛ وتلك القناعة تأتي إما في سياق مدح التجربة الحركية الإسلامية وانضباط المنتسبين إليها، أو الانتقاص منهم على يد خصومهم الأيديولوجيين ومنافسيهم في الساحة الجامعية والنقابية والسياسية ورمي أعضائه بتهم عديدة، أبرزها وصفهم بالقطيع الذي يقلبه قادته ذات اليمين وذات الشمال دون حول منه ولا قوة. 

مناسبة هذا الحديث هو ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات المغربية التي هوت بالحزب المحسوب على المرجعية الإسلامية إلى قاع ترتيب الأحزاب المشاركة فيها، حزب العدالة والتنمية. الأمر الذي طرح لغز تلاشِي كتلته الانتخابية وهو الذي كان يجزم خصومه بأن أصوات قاعدته مضمونة لصالحه مهما صنع. 

ولئن تحفظ البعض على التعامل العلمي مع نتائج الانتخابات مقدماً أسئلة مشروعة عن صحتها مع التجاوزات الهائلة التي طبعتها، إلا أن هذا لا ينفي حدوث تراجع كبير في قدرات الحزب عبّر عنه تفاعله المحتشم مع احتمال التلاعب في نتائجه وعبّر عنه السجال الداخلي بين أعضائه الذين أقروا ولو جزئياً بفشل الحزب، حيث يمارسون حالياً نقداً ذاتياً يتسم بالانفعال والتشنج لأداء حزبهم في العشرية الأخيرة، كما أكدته سابقاً بصورة واضحة نتائج انتخابات اللجان الثنائية التي تم إجراؤها قبل أشهر قليلة والتي أظهرت تراجعاً واسعاً في شعبيته داخل أوساط المهنيين الذين يعتبرون العمود الفقري لقاعدته الجماهيرية. 

مقامرة بن كيران

الحقيقة أن قواعد العدالة والتنمية ليست مستقرة كما يعتقد كثير من المراقبين السياسيين، فقد شهد الحزب مع المنعطفات التي عاشها تغيرات كبيرة خصوصاً بعد 2011. مع كل موقف جديد يتبناه الحزب رغم تعارضه مع مبادئه كان يفقد جزءاً من قاعدته التقليدية  سواء ممن صدموا من توجهاته أو الذين تضرروا من السياسات التي مررتها حكومته، لكن هذا لم يكن ظاهراً للعيان؛ لأن الحزب في المقابل كان يربح أنصاراً جدداً ممن وفر لهم خدمات نقابية أو إدارية أو ممن يمنّون أنفسهم بتغيير غير مكلف. 

لقد تطوع حزب بن كيران لسد ثغرات الحياة السياسية المغربية مقامراً برصيده الشعبي. والنتيجة أن العدالة والتنمية استبدلت جزءاً كبيراً من قاعدتها الصلبة بأخرى رخوة يسهل أن تنفلت منها في الأوقات الصعبة التي تعول فيها عليها؛ طبعاً احتفظ الحزب ببقية من قاعدته التاريخية ممن ظلت تلتمس الأعذار له حتى قضى عليها دعمه للتطبيع مع إسرائيل وإتاحة القنب الهندي تجارياً واستهداف اللغة العربية في المنهاج الدراسي.

عبدالإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق (مواقع التواصل الاجتماعي)

قوانين السمع والطاعة

قوة الحركات الإسلامية ليست قدراً مقدراً وضعف غيرها كذلك، فمثلما استطاع الإسلاميون تنظيم أنفسهم في مصر وفلسطين والمغرب ولبنان شهدت ساحات أخرى تعثراً في عملها كما في الجزائر وسوريا ولبنان السني، حيث لم تنقطع الخلافات داخلها التي تطورت إلى انشقاقات ومنها ما أسهم في تحول تنظيمه الإسلامي إلى أقلية معزولة، كما يمكن أن تعرف نفس الساحة مداً وجزراً في وضع الحركات الإسلامية من القوة إلى الضعف كما يقع حالياً للعدالة والتنمية أو العكس مثل التأسيس الأول للتيار الإسلامي في المغرب مع جسم الشبيبة الإسلامية المتشظية الذي تمخض بعد ذلك عن بروز حركات إسلامية قوية. 

كذلك في المقابل فإن التجارب العلمانية لم تكن كلها فاشلة، وحسبنا أن نذكر بتجارب تاريخية مشهودة مثل حزب الوفد في مصر والاتحاد الاشتراكي في المغرب وحركة فتح في فلسطين.

الغالب أن قضية السمع والطاعة والقوانين الصارمة التي تعظم المسؤولين داخل الحركات الإسلامية هي التفسير الذي يقدمه البعض لانضباط الإسلاميين، لكن ما يتم إغفاله أن الصرامة التنظيمية لا يختص بها التيار الإسلامي وحده، فالتيارات الأخرى لم تكن أقل سطوة على أعضائها، ثم إن مسألة الانتساب إلى أي تنظيم إسلامي هي مسألة اختيارية، فحتى إن لجأ التنظيم إلى تخويف أعضائه من مغبة الخروج من الصف، فبإمكان العضو أن يصنع كما يصنع غريمه اليساري والقومي مع تنظيمه حين يتهمه بالخروج عن الخط، فيزايد بدوره على حزبه أو حركته ولن يعدم التخريجات لفعله من اتهام التنظيم بالتساقط أو الميوعة أو التفريط بالثوابت أو غير ذلك، وتاريخ الحركات الإسلامية لا يخلو من تجارب انشقاقية عديدة اتخذت هذه الأساليب، وما يشجع على ذلك تعدد التنظيمات الإسلامية فكثيراً ما يكون في جعبة المنتسب للتنظيم الإسلامي تجارب متعددة قبل أن يستقر في إحداها غير آبه بما يتهمه به إخوان الأمس؛ وحتى من يغادرها نهائياً يجد هو الآخر ما يبرر به موقفه بالفتاوى والآراء المتوفرة على نطاق واسع التي تدعم انعزاله عن العمل الحركي.

الأمن الروحي

إن ما يشد الإسلامي لتنظيمه القوي هو ما يجده داخله من جو إيماني يشبع "أمنه الروحي" وأيضاً ما يعيشه من علاقات أخوية مع أشخاص لا تربطه بهم صلة نسب أو رابطة دم، كذلك ثبات التنظيم ومواقفه الشجاعة وقدرته على تحمل ضربات السلطة توثق ارتباطه به، أضف إلى ذلك طبيعة المعارك التي يخوضها والتي تعد امتداداً لمواجهة المشاريع الاستعمارية والتي قد تكون ذات طبيعة عسكرية كما في حالة فصائل المقاومة الإسلامية في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها أو سياسية أو ثقافية كما في باقي الساحات ما يخلق حالة من الاستفزاز والحافزية تدفع لتكوين عصبية تنظيمية يسعى بها التنظيم الإسلامي إلى الدفاع عن هوية البلاد المستهدفة من قوى التدخل الخارجي.

لذلك فإن الحركات التي تجمع كل هذه العناصر تكون قدرتها التنظيمية أقوى وجاذبيتها عند أعضائها والمتعاطفين معها أكبر من غيرها، أما الزجر التنظيمي فتأثيره في العضو ضعيف وهو يتحمله حتى لو تعرض للظلم ليس لأن إحساسه بالكرامة الذاتية منعدم بل مخافة أن يحرم من الجو الرسالي الذي يعيش في ظله إخوان التنظيم، لكن كرامته تنتفض حين يلحظ أن تنظيمه يتعرض لعملية تغيير قسرية ضداً في مبادئه وأدبياته، فما من مبرر ساعتها يجعله يتقبل الفرمانات الفوقية.

ناقوس خطر

المعضلة أن هناك من القياديين الإسلاميين من يعتقدون أنهم قد حازوا شيكاً على بياض من أعضاء التنظيم يسمح لهم بالعبث بمواقفه، الشيء الذي يخلخله ويفقده توازنه فيصبح عاجزاً على أداء وظيفته الدعوية والتربوية ناهيك عن الفتور الذي يلحق العلاقات بين أفراده، والطريف أن مسؤولي بعض الحركات الإسلامية باتوا يخضعون كل قناعات التيار الإسلامي للمراجعة إلا موضوعاً واحداً هو موضوع السمع والطاعة حيث يستغربون من جرأة بعض القواعد على التمرد على قراراتهم وانتقادها في فضاءات عامة مثل مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا أمر متوقع بعد أن تسببوا في انهيار نموذج القائد القدوة، ففي الوقت الذي كانوا يتخففون فيه من بعض مبادئهم كانوا يخصمون أيضاً من جاذبيتهم لدى أنصارهم الذين تعلقوا بمواقف القادة وبسلوكهم وليس بشخوصهم.

لا يختلف الإسلاميون عن باقي التيارات، حيث يجري عليهم ما يجري على غيرهم، ويجب ألا يغريهم تعصب بعض الأنصار للتنظيم على حساب المبادئ لأنه تعصب طارئ سرعان ما يزول، ذلك أن عملية سحب الثقة تستغرق وقتاً في حالة المتعصبين الذين لا يدركون فداحة الوضع إلا بعد فوات الأوان بعد أن ينفض الجميع عنهم، وتجربة العدالة والتنمية في المغرب هي بمثابة ناقوس خطر تحتم على من ينسجون على منوالها العودة إلى نبض الناس والتفاعل الإيجابي مع احتياجاتهم المتعددة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أنس السبطي
كاتب رأي مغربي
كاتب رأي مغربي
تحميل المزيد