“أهالي الناصرة أبلغوا عن الأسرى المحرَّرين”.. كيف يستخدم الموساد الشائعات لتمزيق النسيج الفلسطيني؟

عدد القراءات
3,218
عربي بوست
تم النشر: 2021/09/16 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/16 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
يقيم العرب بإسرائيل في 5 مناطق رئيسية هي الجليل والمثلث والجولان والقدس وشمالي النقب/ رويترز

تابعنا بمشاعر جياشة اختلط فيها الفخر مع الدعاء تفاصيل عملية تحرر ستة من الأسرى الفلسطينيين من خلال "نفق الحرية" الذي كسر أسطورة سجن جلبوع الصهيوني والخروج منه باستخدام أدوات الطبخ البسيطة كالملعقة، واستنشق جميع الأحرار في العالم أنفاس الحرية وكأننا جميعاً كنا أسرى، وهو نفس الإحساس الذي رافق عملية إعادة الاعتقال، ورغم أن الحكاية لم تنته بعد فإن الدروس المستفادة منها كثيرة وأبرزها أهمية مواجهة سلاح الشائعات الذي يستخدمه الكيان الصهيوني بطرق بشعة. 

لقد أعادت هذه البطولة تسليط الضوء على قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني وظروف اعتقالهم والانتهاكات التي يقوم بها المحتل، من خلال الإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى، وإهمال توصيات الإفراج عنهم لتجنب تفشي وباء الكورونا، والاعتقالات الإدارية بدون لائحة اتهام، وتجاهل اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة والقانون الدولي والحس الإنساني فيما يتعلق بحقوق الأسرى، وكذلك منع المحامين مع اللقاء مع موكليهم في الكثير من الأحيان.

لكن أكثر ما لفت الأنظار خلال المتابعة الشعبية لعملية "نفق الحرية" التي نفذها الأسرى الفلسطينيون هو حجم ونوعية الشائعات التي رافقت الحدث الكبير والتي تركزت على تشويه صورة فلسطينيي الداخل، خصوصاً أهالي مدينة الناصرة الكرام وذلك من خلال نشر صور أحد الشباب تحت عنوان هذا من أبلغ الاحتلال عن موقع الأسرى، وصورة أخرى لشاب آخر وكأنه عميل قد اتصل بشرطة الاحتلال للتبليغ عن الأسرى، وأن هنالك أسرة قد وشت بهم وهكذا مع سيل من الشائعات التي تقتل الروح المعنوية العالية للشعب الفلسطيني.

والحقيقة أنها كانت شائعات لشق الصف الفلسطيني من ناحية، ومن ناحية أخرى التقليل من حجم الإنجاز الذي سطرته إرادة الأسرى المحررين، والشائعات بحد ذاتها هي إحدى أدوات الاحتلال، ويتم بثها من خلال شبكات عنكبوتية لها مسؤولون عنها في مكاتب جهاز الموساد، والمؤسف أن من يساعدهم هم عامة الناس من خلال سهولة وسرعة تناقلهم وترويجهم لتلك الشائعات.

جلبوع الأسرى الفلسطينيون محمود العارضة
محيط سجن جلبوع الإسرائيلي شديد الحراسة/ رويترز

معركة "سيف القدس" الأخيرة التي جاءت نصرة لصمود أهالي حي الشيخ جراح ونصرة للمرابطين في المسجد الأقصى جسدت ترابط الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، وتجلى ذلك بهبة أهل الداخل الفلسطيني نصرة لأهل القدس في مشهد أكد فشل الاحتلال الصهيوني في نزع قوميتهم الفلسطينية وطمس هويتهم القومية رغم احتلال أراضيهم ما يزيد عن سبعين عاماً.

ولم تكن تلك الأحداث المرافقة لمعركة "سيف القدس" لتمر مرور الكرام على جهاز الموساد والذي يعمل بكل الطرق لتمزيق الصف الفلسطيني، ولذلك فإن محاولته تشويه صورة أهالي الناصرة الكرام أمام الشعب الفلسطيني من خلال ترويج شائعات عن عمالة البعض والادعاء أن لهم دوراً في تسليم الأسرى المحررين لسلطات الاحتلال هي جزء من محاولات عديدة ستكون القادمة منها أشد قسوة، وذلك بعد الدور الكبير الذي لعبه أهل الناصرة وغيرهم من فلسطينيي الداخل في معركة "سيف القدس" وكذلك نصرة أهل حي الشيخ جراح.

ولذلك يجب أن يتم العمل المنظم لرفع درجة الوعي الشعبي في التعامل مع الشائعات التي يبثها الاحتلال باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وألا نساهم في تنفيذ خطط الموساد من حيث لا نعلم، لأن في ذلك خدمات مجانية للمحتل حيث تساهم تلك الشائعات في قتل الروح المعنوية وتقليل الثقة بين أبناء الشعب الواحد، وبالتالي تمزيق النسيج الوطني من خلال تقسيم الشعب الواحد.

أجهزة الاحتلال تعمل وفق خطط، ولذلك فإن مواجهتها يجب أن تكون من خلال خطط وليس فقط بشكل ارتجالي، وبعيداً عن الدور الرسمي الغائب، فإن مؤسسات المجتمع المدني عليها واجبات كبيرة وخصوصاً الشباب والشابات المختصين في نشر الأخبار عبر المواقع الإلكترونية والتي يفترض أن تعمل على زيادة الوعي الاجتماعي وسرعة تفنيد الشائعة من خلال بث منشورات لمواجهة زيف إشاعات الاحتلال.

بالأمس نقل المحامون المدافعون عن الأسرى الأبطال ممن استطاع الاحتلال إعادة اعتقالهم تصريحات تؤكد أن الاحتلال اعتقلهم بالصدفة، وليس من خلال عميل أو وشاية من أهالي الناصرة، كما كذبت الماكينة الإعلامية للمحتل الصهيوني، وقد أثنى الأسرى على أهل الناصرة الكرام ودورهم البطولي في الصراع مع الكيان الصهيوني، وهذه التصريحات بحد ذاتها يجب أن تكون مرجعية للمستقبل في مواجهة إشاعات جديدة في أحداث جديدة لابد أن تحصل.

إن معركة "سيف القدس" والتضامن الكبير مع حقوق أهالي حي الشيخ جراح قد أعادت البريق إلى القضية الفلسطينية ووحدة الصف الفلسطيني بمختلف أيديولوجياته، ولذلك يجب أن تكون هنالك استراتيجيات إعلامية تعزز هذه الترابط  الذي يشكل النسيج الوطني الفلسطيني، وهذه الاستراتيجيات يجب أن تكون منظمة بشكل يتناسب مع أسلوب الموساد في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الوسائل قد كانت إحدى الأسلحة الإيجابية التي استخدمها الشباب والشابات الفلسطينيون وأحرار العالم في الدفاع عن مدينة غزة وحي الشيخ جراح في صمودهم البطولي أمام عجرفة الاحتلال. 

في الختام، فإن أنفاس الحرية التي استنشقها أولئك الأسرى لعدة أيام رغماً عن أنف المحتل مسحت سنوات من الظلم داخل السجن، وأكدت الحقيقة التي ستكون ولو بعد حين بزوال الاحتلال الصهيوني، وذلك لأن الفلسطيني مؤمن بعدالة قضيته وحقه في استعادة وطنه بالكامل، وأن أكثر من سبعين عاماً من الاحتلال لم تمحُ هوية فلسطينيي الداخل.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي أبو صعيليك
كاتب أردني
كاتب أردني
تحميل المزيد