أستاذ مورينيو وعدو رونالدو المتخصص في التأهل للمونديال.. عن كيروش مدرب مصر الجديد

عدد القراءات
934
عربي بوست
تم النشر: 2021/09/15 الساعة 08:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/15 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
كارلوس كيروش المدير الفني الجديد لمنتخب مصر

شكّل تعيين البرتغالي كارلوس كيروش مديراً فنياً جديداً لمنتخب مصر لكرة القدم، الأسبوع الماضي، خلفاً للمحلي حسام البدري مفاجأةً كبيرةً لمحبي ومتابعي منتخب "الفراعنة"، ولم يكن التفاجؤ بسبب "تنحية" البدري، بحكم أنّ إقالة الأخير كانت منتظرة في ظل تراجع نتائج وأداء محمد صلاح وزملائه في الفترة الأخيرة، ولكن التفاجؤ حدث بسبب أنّ القائمين على شؤون الكرة المصرية قد اتخذوا قراراً بعدم الاستعانة مجدّداً ومستقبلاً بأي مدرب أجنبي منذ فشل تجربة المكسيكي خافيير أغيري وإقالته في يوليو/تموز 2019.

المهم، وفي انتظار تجسيد التوقعات على أرض الميدان، فإنّه يمكن اعتبار تلك المفاجأة بـ"السارة"، وأنّ كارلوس كيروش هو الاختيار الأنسب في الظرف الحالي، وأنه المدرب القادر على تحقيق الهدف الأبرز لمنتخب مصر وهو التأهل إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم القادمة، المقررة في قطر في خريف 2022. كيف لا وهو المدرب المتخصص في مثل هذه المهمات، حيث سبق له النجاح في تأهيل منتخبات جنوب إفريقيا إلى مونديال اليابان، وكوريا الجنوبية 2002، والبرتغال إلى مونديال جنوب إفريقيا 2010، وإيران إلى مونديال روسيا 2018.

هاجر من موزمبيق إلى البرتغال هرباً من الحرب

وإضافة لهذا التخصص فإن كيروش يملك ميزة مهمة قد تساعده على تجاوز مختلف العقبات التي قد يجدها رفقة منتخب مصر خلال التصفيات الإفريقية لمونديال قطر، وهي أنه "رجل إفريقي"، نعم فلقد وُلد كارلوس كيروش وعاش طفولته وجزءاً من شبابه بإفريقيا.

رأى كيروش النور لأول مرة يوم الفاتح من مارس/آذار 1953، حيث وُلد بمدينة "نامبولا" الموزمبيقية بشرق إفريقيا، لما كانت موزمبيق مستعمرة برتغالية، وقبل أن تنال استقلالها في عام 1975.

ونشأ الفتى كارلوس بمدينة "نامبولا"، كما مارس رياضته المفضلة كرة القدم كحارس مرمى ضمن نادي "فيرافيارو دي نامبولا" حتى عام 1974، حيث غادر مسقط رأسه نحو بلد أجداده البرتغال، هرباً من الحرب التي كانت دائرة بين الثوار الموزمبيقيين والقوات الاستعمارية، وأفضت إلى استقلال موزمبيق رسمياً يوم 25 يونيو/حزيران 1975.

كان أستاذاً لجوزيه مورينيو 

بدأ كارلوس كيروش حياةً جديدة بالبرتغال، فتفرّغ لدراسته الجامعية، دون الابتعاد عن شغفه بكرة القدم، حيث فضّل أن يكون تكوينه الجامعي ضمن "المعهد العالي للتربية البدنية" بالعاصمة لشبونة، ثم كان أستاذاً بنفس المعهد، حيث كان من ضمن تلامذته المدرب الشهير جوزيه مورينيو. بالموازاة مع تدريسه في المعهد الرياضي، باشر كيروش مهنة التدريب في عام 1984، كمدرب مساعد في نادي إيستوريل برايا، في ضواحي لشبونة، قبل أن يلتحق بالاتحاد البرتغالي لكرة القدم لشغل منصب مكلف بمنتخبات الفئات الشابة، حيث سخّر كل طاقاته الذهنية في تطوير طرق تكوين اللاعبين الشباب، معتمداً على أبحاث علمية حديثة مُنتهجة في دول أخرى، فبرزت وتألقت في عهده مواهب كروية عدة على غرار لويس فيغو وروي كوستا وباولو سوزا وفيرناندو كوتو وبينتو. 

جوزيه مورينيو مدرب روما (رويترز)
جوزيه مورينيو مدرب روما (رويترز)

نجاح باهر مع شبّان البرتغال 

يمكن القول إنّ كارلوس كيروش قد قام بثورة حقيقية في الكرة البرتغالية خلال فترة عمله في اتحاد بلده، وتجسَّد ذلك عند تسلمه رئاسة الجهاز الفني لمختلف منتخبات الفئات الشابة، بتحقيقه عدة إنجازات قارّية وعالمية، كلقب بطولة أوروبا لأقل من 17 عاماً في سنة 1989، وتنشيط نهائي بطولة أوروبا لنفس الفئة في سنة 1988، ونهائي بطولة أوروبا لأقل من 19 عاماً في سنتي 1988 و1990، ولقبي كأس العالم لأقل من 20 عاماً في سنتي 1989 و1991.

وبعد هذا النجاح الباهر لكيروش مع ناشئي وشباب بلاده، كلفه اتحاد الكرة البرتغالي بمهمة الإشراف على المنتخب الأول في سنة 1991، ومهمة التأهل إلى نهائيات مونديال الولايات المتحدة لعام 1994، فاعتمد كارلوس على نفس الجيل الشاب، ولكنه أخفق بقليل في تحقيق هدفه، بعدما أنهت البرتغال التصفيات الأوروبية في المرتبة الثالثة لمجموعته، بفارق نقطتين عن إيطاليا، صاحبة المركز الأول، ونقطة واحدة فقط عن سويسرا، التي احتلت المركز الثاني المؤهل لنهائيات كأس العالم.

وبعد هذه الخيبة غادر كيروش الاتحاد البرتغالي لكرة القدم، ليُشرف على تدريب نادي سبورتينغ لشبونة، الذي نال معه كأس البرتغال، ووصافة الدوري البرتغالي في موسم 1994-1995.

لن أطيل في عرض المشوار التدريبي الطويل لكيروش مع الأندية، وأُفضل التطرُّق أكثر لمساره مع المنتخبات الوطنية، ولكني مطالب بالإشارة إلى أن المدير الفني البرتغالي عمل مدرباً مساعداً للسير ألكس فيرغسون، في نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، في فترتين، في موسم 2002-2003، ومن 2004 إلى 2008، ومدرباً رئيسياً لنادي ريال مدريد الإسباني في موسم 2003-2004.

وأنا مطالب أيضاً بالإشارة إلى أنّ كيروش أقيل من منصبه في ريال مدريد، بعد إخفاقه في نيل أي لقب كبير، باستثناء كأس السوبر المحلي، وذلك بخلاف رحيله عن مانشستر يونايتد، الذي كان بطلب منه للالتحاق بالريال في المرة الأولى، ولتدريب منتخب البرتغال في المرة الثانية.

نعم، فلقد عاد كارلوس كيروش للإشراف على منتخب بلاده في عام 2008، ولكني سأتحدث عن تلك الفترة، بعد عرض مشواره مع المنتخبات الأخرى، فقد درّب منتخب الإمارات العربية المتحدة في موسم 1998-1999، وفاز معه بـ8 مباريات وانهزم في 6 وتعادل في مباراتين.

ثم درَّب منتخب جنوب إفريقيا من 2000 إلى 2002، حيث قاده للتأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا 2000، ونهائيات مونديال اليابان وكوريا الجنوبية 2002، لكنه استقال من منصبه في بداية عام 2002، بعد اكتفاء "بافانا بافانا" ببلوغ الدور ربع النهائي للبطولة الإفريقية التي جرت بمالي، وبعد تعيين الجنوب إفريقي جومو سومو في منصب مستشار للمنتخب، ما اعتبره المدرب البرتغالي بمثابة تدخل في صلاحياته الفنية، ليغيب بذلك كيروش عن نهائيات مونديال 2002، ويترك المجال لسومو لمهمة الإشراف على منتخب بلده في البطولة العالمية.

قاد منتخب البرتغال لنهائيات مونديال 2010 وغادره من الباب الضيق

عاد كيروش إذن لرئاسة الإدارة الفنية لمنتخب البرتغال الأول في عام 2009، لإنجاز نفس المهمة التي فشل في تحقيقها خلال تجربته الأولى، وهي التأهل إلى نهائيات كأس العالم، والتي كانت ستُقام هذه المرة في صيف 2010 بدولة جنوب إفريقيا، أي في نفس البلد الذي اضطر لمغادرته قبل أشهر قليلة فقط، ما جعل المهمة الجديدة بمثابة تحدٍّ مزدوج للكوتش كارلوس.

كارلوس كيروش
كارلوس كيروش مدرباً لإيران في كأس العالم 2018

وفعلاً، فقد نجح في تأهيل منتخب البرتغال إلى نهائيات مونديال جنوب إفريقيا 2010، بعد بداية صعبة في التصفيات الأوروبية، ثم فوزه في المواجهة الفاصلة أمام منتخب البوسنة والهرسك ذهاباً وإياباً بنفس النتيجة (1-0)، وصرّح عقبها كيروش: "لقد حقَّقت حلم حياتي"، ما يؤكد إرادته ورغبته الكبيرتين في تحقيق هذا الإنجاز الكبير، الذي فشل في بلوغه قبل 6 سنوات.

وبالمقابل لم تكن مشاركة المنتخب البرتغالي مميزة في نهائيات مونديال 2010، بحيث، وبعد تأهله إلى الدور ثمن النهائي، خرج من السباق على يد غريمه التقليدي والبطل المستقبلي للمسابقة، منتخب إسبانيا، إثر هزيمته بهدف نظيف، ما شكل أزمة داخل المنتخب، انتهت بإقالة كيروش من منصبه في شهر سبتمبر/أيلول من العام نفسه، خاصة بعد معاقبته لمدة 6 أشهر من قِبل الوكالة البرتغالية لمكافحة تناول المنشطات، بحجة عرقلة اللجنة في مراقبة لاعبه "ناني".

عداوة علنية مع كريستيانو رونالدو 

وقد تصادف أن واجه كيروش خلال مشواره المهني منتخب البرتغال، عندما كان على رأس الجهاز الفني لمنتخب إيران، ما جعله أمام موقف صعب تجاه الرأي العام لبلده، خاصة أنّ تلك المواجهة كانت حاسمة لكلا المنتخبين، بحيث جرت لحساب الجولة الثالثة والأخيرة لدور المجموعات لنهائيات كأس العالم، التي أقيمت بروسا في صيف 2018.

وكانت البرتغال في تلك المباراة بحاجة لنقطة التعادل لكسب بطاقة التأهل إلى الدور ثمن النهائي، في حين كانت إيران مطالبة بالانتصار لتحقيق نفس المبتغى، وانتهى اللقاء بتعادل المنتخبين بنتيجة هدف لمثله، وبأجواء متشنجة بين كيروش وأعضاء منتخب بلاده، حيث لم يقُم سوى 3 لاعبين فقط من فريق البرتغال بمصافحة مدرب إيران، وهم أدريان وبرونو ألفيس وبيتو، في حين تفادى الآخرون ملاقاته، وعلى رأسهم النجم العالمي كريستيانو رونالدو.

وقد أكدت تلك الحادثة "العداوة" بين كيروش ورونالدو، التي بدأت منذ نهائيات كأس العالم 2010، التي جرت بدولة جنوب إفريقيا، عندما أُقصي منتخب البرتغال على يد نظيره الإسباني، وحمّل خلالها كريستيانو مدربه كيروش مسؤولية ذلك الإقصاء، بسبب خياراته التكتيكية.

كريستيانو رونالدو كان أفضل لاعبي البرتغال في يورو 2020 (رويترز)
كريستيانو رونالدو كان أفضل لاعبي البرتغال في يورو 2020 (رويترز)

ولم يهضم كيروش التجاهل الذي لقيه من قبل رونالدو ومعظم زملائه خلال مباراة مونديال روسيا 2018، واعتبر الأمر بمثابة قلة احترام لشخصه ولما قدمه للكرة البرتغالية، وقد عبّر عن ذلك بكل صراحة في حوار أدلى به لجريدة "بوبليكو" البرتغالية، في شهر يونيو/حزيران من السنة نفسها.

وقال كيروش في ذلك الحوار: "شخصياً لا أجد نفسي مع بعض الأمور التي تحدث في المنتخب البرتغالي، فليس من الجيد عدم مصافحة مدرب عمل 12 سنة كاملة مع المنتخب الوطني البرتغالي، لقد فزت بألقاب أوروبية بإصلاحات وأفكار جديدة".

وتابع موجهاً سهامه مباشرة للاعبه السابق رونالدو: "تاريخ الاتحاد البرتغالي لكرة القدم لم يبدأ بجزيرة ماديرا مع كريستيانو رونالدو، فلقد بدأ قبل ذلك بكثير، كما أنّ القيم التي تلقيتها من جوزي أغوستو، وسيمووس، وإيزيبيو، وتوريس، وجايم غراسا، وهيمبورتو كويلهو، وتوني، ليست التي هي عليه الآن، لا أقول إنّ قيم اللاعبين الحاليين سيئة، ولكني أرى أنها ليست هي نفس القيم التي أملكها، ولا تلك التي يملكها الكثير من الأشخاص الآخرين".

يبلغ كارلوس كيروش حالياً 68 سنة من عمره، وقد تكون مهمته مع منتخب مصر هي الأخيرة في مشواره التدريبي الحافل، ولذلك سيعمل "المستحيل" لتأهيل "الفراعنة" إلى نهائيات مونديال 2022، وبالتالي إنهاء مساره المهني بأفضل طريقة ممكنة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مراد حاج
صحفي وكاتب جزائري
صحفي وكاتب جزائري
تحميل المزيد