بعد مراجعتها لسياسة “الحرب الصليبية”.. هل تكمل أمريكا مسارها الجديد وتنسحب من سوريا؟

عدد القراءات
791
عربي بوست
تم النشر: 2021/09/15 الساعة 10:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/15 الساعة 13:44 بتوقيت غرينتش
القوات الأمريكية في مطار كابول - رويترز

منذ فورة الغضب التي سيطرت على الولايات المتحدة، عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، تحت عنوان مكافحة الإرهاب، بدأ عهد عدائية مكثف قائم على الإسلاموفوبيا. ومع إعلان تلك السياسة استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن مصطلح "الحرب الصليبية"، رغم أنه وصف ذلك فيما بعد بأنه زلة لسان، وسرعان ما تم تذكيره بأن هناك دولاً إسلامية بين الدول التي حاول جذبها لتحالفه، ليدرك على الفور أنه استخدم مصطلحاً خاطئاً، لكن مع ذلك لم تكن الحملة التي بدأتها قواته في أفغانستان، ثم في العراق، بعيدة عن الحملات الصليبية التي تميزت بها حقبة العصور الوسطى.

في خضم تلك الحملة التي اتخذت نوعاً من وعود "اللاهوت السياسي" من قبيل "جلب الديمقراطية" و"حماية القيم الحداثية"، خضع الناس لتصنيف رقمي مثير، تجسد تحت لافتة "من ليس معنا فهو ضدنا".

في الواقع لدينا تجربة في تركيا شبيهة للغاية بتلك الحملة الصليبية التي أعلنها بوش، لدرجة أن المقارنة ممكنة بين الحالتين، وبالفعل لم يمتنع البعض من عقدها، الصحفي روشان تشاكير مثلاً، سرعان ما وصف تلك الحملة بأنها "28 فبراير/شباط العالمية" نسبة إلى انقلاب 28 فبراير/شباط في تركيا ضد حكومة الراحل نجم الدين أربكان. لكن يبدو أنه لم يكن مدركاً أن هذا التوصيف إنما هو إقرار بأن ما حدث في 28 فبراير/شباط كان انقلاباً، وأن الحملة التي رافقته كانت حملة صليبية أيضاً.

في الحقيقة لم يكن هذا الشبه الوحيد بينهما فحسب، بل إن يوم 28 فبراير/شباط يشترك مع حملة بوش بقاسم مهم للغاية، وهو "الحرب الوقائية" في الحالتين. كانت تلك الحرب الوقائية قائمة على معيار وضع الشعب كعدو، وتصنيف مدارس "الإمام الخطيب" تحت خانة "العدو السياسي"، الذي كان حزب الرفاه في ذلك الوقت.

كان من الواضح أن تلك العقلية كانت تضع في حسبانها أن "الأجيال المعادية" من الممكن أن تصل للسلطة بمفردها مطلع الألفية الثالثة، ما لم يتم اتخاذ تدابير، لكن المفارقة التي تتكرر على مر التاريخ هي أنه على الرغم من إغلاق مدارس "الإمام الخطيب" في ظل تلك "التدابير" كي لا يصل أجيالها إلى السلطة لاحقاً، فإن ذلك لم يقف عائقاً أمام حزب العدالة والتنمية عن الوصول بالفعل للسلطة عام 2002. وبينما كانت تلك العقلية تأمل من حرب 28 فبراير/شباط الوقائية، تحقيق نتائج مرجوة بالنسبة لها، إلا أنها أنتجت وقائع مغايرة تماماً.

في نهاية المطاف خرجت قوى 28 فبراير/شباط وهي خاسرة بشكل كامل.

28 شباط العالمية

وإذا ما كانت الحملة التي بدأتها الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر يمكن وصفها بـ"28 شباط العالمية"، فإن المصير المشابه والواحد لكلتا الحالتين كان أمراً محتوماً. ولم تستطع تلك الحرب التي انطلقت ضد ما سمته "الإرهاب الإسلامي" إلى جانب الحملات التي حاولت جرح وإقصاء كل ما يتعلق بالإسلام، أن تفلت من مصير مشابه لانقلاب 28 فبراير/شباط. وبينما كانت تطمح تلك الحملات للقضاء على "كراهية الولايات المتحدة الأمريكية"، فإنها مع مرور الوقت لم تُفلح سوى في تأجيج تلك الكراهية ليس إلا.

بعد مضي 20 عاماً بالتمام والكمال، أصبحنا أمام مرحلة تُحتّم على الولايات المتحدة إجراء تقييم أكثر حصافة حول ما كسبته وما خسرته، سواء على صعيدها الداخلي أو على مستوى العالم كله. ويبدو أن الولايات المتحدة مارست بالفعل نقداً ذاتيّاً لما فعلته، أولاً في العراق، ثم أفغانستان، وبالتالي قررت الرجوع من حيث كان الخطأ. ويجدر بنا أن نقول إن هذا التحرك فيه منفعة للإنسانية.

يمكن للولايات المتحدة من الآن فصاعداً أن تؤسس علاقات أكثر ربحية وعلى مدى طويل، سواء مع العراق أو أفغانستان، لكن بطريقة أفضل تضمن مصالحها من جانب، وتحترم شعوب هذين البلدين من جانب آخر. ولو نجحت في تأسيس هذا النوع من العلاقات فلن يعترض عليها أحد على الإطلاق، فضلاً عن أن هذه العلاقات ستكون أكثر ربحية لكلا الطرفين.

على صعيد آخر، حينما كانت الولايات المتحدة تناقش فكرة سحب قواتها من العراق، ربما كان لديها فرصة ثمينة من أجل تحسين صورتها بشكل عام، وذلك من خلال سحب قواتها من سوريا كذلك. كان لديها بالفعل هذه الفرصة من خلال الوقوف بجانب شعب ضد ديكتاتور يذبح شعبه. إلا أنها ضيعت هذه الفرصة التاريخية عندما تحولت مغامرتها في سوريا إلى مسار مختلف تماماً. حيث إنها من خلال الدعم الذي أغدقت به على تنظيم إرهابي ضد دولة حليفة لها مثل تركيا، فإنها باتت بعيدة عن الشعبين السوري والتركي في آن واحد.

المغامرة الأمريكية في سوريا

إن مغامرة الولايات المتحدة في سوريا لن تجلب لها أي منفعة على الإطلاق، تماماً كما حدث في أفغانستان والعراق، لأنها مغامرة تتعارض مع الحقائق الاجتماعية لهذه الجغرافيا. وإن مصير أي نظام تؤسسه هناك عبر عمليات ديمغرافية أو عبر دعم تنظيم إرهابي ضد تنظيم إرهابي آخر؛ سيكون الفشل وفقط.

لو أن الولايات المتحدة لم تقم بسياسات معقدة أطالت عمر نظام الأسد الذي كان على وشك الانهيار بالفعل، لكانت المياه في سوريا قد هدأت منذ فترة طويلة، ولكان تأسيس نظام سياسي جديد يسوده السلام مع الشعب احتمالاً غير بعيد. إلا أن الولايات المتحدة فضلت اتباع سياسة غير شفافة حتى مع حلفائها، ما أضر بالمنطقة والولايات المتحدة ذاتها.

إن السياسة والوعود والممارسات التي قامت ولا تزال تقوم بها الولايات المتحدة في سوريا إلى الآن لم تجلب لها أو لأحد أي منفعة، وفشلت في تقديم حلول، لكن إذا كانت تريد الإسهام في الحل بالفعل، أو حماية سمعتها الخاصة والحفاظ عليها على الأقل، فليس عليها سوى الابتعاد عن المسار الذي لا تزال فيه. وبذلك فقط قد تستعيد صورتها وسمعتها التي دُمّرت في أفغانستان والعراق.

المسار الجديد في سوريا يعتمد على تأسيس إدارة سياسية جديدة متصالحة مع الشعب، تضمن عودة السوريين الذين في الشتات من مختلف أجزاء العالم إلى أراضيهم ووطنهم. أما الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك فهي واضحة للغاية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسين أقطاي
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
تحميل المزيد