كيف أدت أحداث 11 سبتمبر إلى صعود نجم ترامب واقتحام الكونغرس؟

عدد القراءات
1,031
عربي بوست
تم النشر: 2021/09/13 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/13 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
أحداث 11 سبتمبر/ رويترز

تفيد جولة قراءة في كبريات الصحف والمجلات الأمريكية، لا سيما في مقالات الرأي التي صدرت في الأسبوعين الأخيرين، بأنّ مؤسسات الحكم الأمريكية، بمختلف تلاويناتها السياسية، يساراً وحتى يميناً، لا سيما في طبقة المثقفين، توصلت إلى قناعة بأن ما اقترفته أمريكا وحلفاؤها من جرائم -لا سيما في أفغانستان والعراق- باسم من قضى في أحداث 11 سبتمبر/أيلول، كان لها تداعيات أكثر خطراً بأشواط على أمريكا من هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية نفسها.

أما الجرائم، فهي تلك التي حصلت بحق القانون الدولي، وبحق الحريات في الداخل الأمريكي، كـ"قانون باتريوت" وما رافقه من إجراءات تعسفية بحق المسلمين في أمريكا.

11 سبتمبر في الميزان

في شق الانعكاسات الداخلية، تركز هذه المقالات في تحليلها على فكرة أساسية، مفادها أن السياسات الكارثية التي اتبعتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة وحلفاؤها في العالم، بعد 11 سبتمبر/أيلول، لا سيما تغذية خطاب صراع الحضارات، وثنائية الخير والشر، وتعزيز نعرة الإسلاموفوبيا، الذي رافقها لمدة 20 سنة، شكلت العنصر الأساسي في تقوية اليمين المتطرف، وبطله المتوّج دونالد ترامب، حتى أصبحت أمريكا، وديمقراطيتها، وحرياتها التي تتغنى بها، ومؤسساتها الدستورية، كلها محاصرة،  كما حدث في يناير/كانون الثاني 2021، في الكونغرس، من قبل رجال بقرون ثيران، بُعيد فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهزيمة مرشحهم.

هذه الخلاصة تذهب إليها صحيفة النيويورك تايمز في ثلاث مقالات مهمة صدرت في التاسع من الشهر الجاري، الأول لسبينسر أكيرمان بعنوان "كيف أعطانا الحادي عشر من سبتمبر السادس من يناير؟"، بالإشارة إلى الهجوم على الكابيتول الذي قام به أنصار ترامب على إثر هزيمته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

أما المقال الثاني، فهو لبول كروغمان، وقد عنونه "لم يكن يوماً الإرهابيون الأجانب التهديد الأكبر لنا"، بل التهديد الأكبر لأمريكا، من وجهة نظر كاتب المقال، هو محاولة الاستثمار السياسي، لا سيما من قبل الجمهوريين واليمين الأمريكي، في فاجعة 11 سبتمبر، وذلك في محاولة لقطف ثمار سياسية في الداخل الأمريكي، وتعميم خطاب اليمين المتطرف.

أما المقال الثالث، فهو للكاتبة ميشال غولدبيرغ، التي تحاول الإجابة على سؤال عنونت به مقالها: "كيف حولت أحداث 11 سبتمبر أمريكا إلى قوة نصف مجنونة ومتلاشية؟"، وهو يذهب إلى نفس خلاصة المقالين المذكورين آنفاً.

أما في شق الانعكاسات الخارجية لما بعد الحادي عشر من سبتمبر، فقد أفردت Foreign Affairs، وهي بدون شك أهم مجلة أمريكية -لا بل في العالم- متخصصة بالعلاقات الدولية، عددها الأخير للإجابة على سؤال "من ربح الحرب على الإرهاب؟".

والجدير بالملاحظة أن مختلف الكتاب في هذا العدد، وهم من أهم المحللين الجيوبولتكس في حقل العلاقات الدولية، والمختصين بالسياسة الخارجية في أمريكا، قد أجمعوا، كل ضمن اختصاصه الجغرافي، وعلى اختلاف مشاربهم السياسية في أمريكا، ديمقراطيين أو جمهوريين، على فشل ما يسمى الحرب على الإرهاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إثر هجمات 11 سبتمبر، وبانعكاسها سلباً على السياسة الخارجية لأمريكا. 

أما أسبوعية التايمز الأمريكية، فقد نشرت مقالاً مؤثراً لإليزابيث ميلر، وهي ابنة أحد ضحايا هجمات 11 سبتمبر، بعنوان "لقد فقدت والدي في 11 سبتمبر. لكنني ما زلت أخجل من الظلم الذي ارتكب باسم عائلات مثل عائلتي"، والذي تنتقد فيه ما قامت به -باسمها وباسم عائلات ضحايا 11 سبتمبر وللانتقام لهم- الإدارات الأمريكية المتلاحقة، من جرائم حرب، وعمليات تعذيب، وأسر اعتباطي، في العالمين العربي والإسلامي. 

ويمكن مقاربة هذه التجربة الشخصية المنصفة، مع تجربة الضابط السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، تيري ألبوري، في مقال للصحفية جانيت رايتمان نشرته صحيفة النيويورك تايمز في الأول من الشهر الجاري، بعنوان صادم "لقد ساعدت بتدمير الناس"، يروي فيه ألبوري فظاعة الإجراءات التعسفية والاعتباطية التي قام بها، كغيره من عملاء FBI، بحق المسلمين في أمريكا، والأمريكيين من أصل إفريقي، على إثر هجمات 11 سبتمبر 2021.

أحداث 11 سبتمبر
أحداث 11 سبتمبر

وهذه النظرة الناقدة بحدة للسياسات التي اتبعتها الإدارات الأمريكية بعد 11 سبتمبر 2001، ليست حكراً في الغرب على النخب الأمريكية وحدها، إذ أفردت صحيفة الموند ديبلوماتيك، هنا في فرنسا، عددها الأخير، مقالاً تلو الآخر، وكاتباً بعد محلل، لتوجيه النقد اللاذع للسياسة الأمريكية الخرقاء في "حربها على الإرهاب"، مركزة على كيف أنّ الحرب على الإرهاب التي بدأت لمواجهة تنظيم كتنظيم القاعدة، انتهى بها المطاف، من جراء قصر نظرها وعدم معالجتها الأسباب السياسية والاجتماعية الحقيقية للإرهاب، والاكتفاء بحجج ثقافية واهية، وبالتسبب بنشوء تنظيمات، كداعش، أكثر تشدداً وعنفاً من القاعدة بأشواط. 

وهي خلاصة تتلاءم مع أطروحات باحثين جامعيين فرنسيين، وأساتذة كبار في العلوم السياسية، متخصصين بشؤون العالمين العربي والإسلامي، لا سيما في حركات الإسلام السياسي، كأوليفييه روا، أو خصوصاً فرنسوا بورغا الذي يبيّن مثلاً في كتابه "فهم الإسلام السياسي" كيف يتم في الغرب استعمال خطاب "تحرير المرأة المسلمة" بهدف شن الحملات العسكرية على بلدان في العالمين العربي والإسلامي، وللهيمنة عليها.

وهو ما تذهب إليه أيضاً الباحثة والأكاديمية الأمريكية ليلى أبولغد في كتابها "هل تحتاج المرأة المسلمة إلى الإنقاذ حقاً؟" في تفكيك لهذا الخطاب السائد في الغرب، وهذه النظرة الاستشراقية الخاطئة للمرأة المسلمة، والتي تخدم أهداف السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية على العالمين العربي والإسلامي. 

المفارقة أن هذه المقالات الآنفة الذكر، التي تنتقد "الحرب على الإرهاب" وما آلت إليه من نتائج عكسية على الدول والمجتمعات التي قامت بها، كتبت ونشرت كلها في الغرب، في بلدان كفرنسا وأمريكا، أمريكا نفسها، حيث وقعت هجمات 11 سبتمبر. 

أما في العالم العربي والإسلامي، الذي يشكل مسرحاً لـ"الحرب على الإرهاب" والهدف الأول لها، فما زال أيتام أمريكا يغرقون، لا سيما على طول صفحات مواقع الإعلام الغربية الناطقة باللغة العربية، أو الصحف الممولة من رؤوس حربة الثورة المضادة للربيع العربي، وعلى وسائل التواصل، يغرقون، من جهة أولى، في نفس التضامن والإدانة الانتقائيين، وفي ازدواجية المعايير، أي في نفس الخطاب الذي يركّز فقط على تمجيد أمريكا والتضامن معها في ذكرى 11 سبتمبر، دون ذكر أي من جرائمها الكثيرة في المنطقة قبل 11 سبتمبر وبعده (والتي لا يمكن أن تبرر ما جرى في 11 سبتمبر بكل تأكيد)؛ والغوص، من جهة ثانية، في خطاب الإسلاموفوبيا الذي يعتبر أنّ أسباب الإرهاب ثقافية (أي الإسلام نفسه) وليست سياسية، محاولين كل جهدهم ربط الإرهاب بالإسلام كدين، وبتحريك بعبع الإسلام السياسي بوجه الغرب لتأمين استمرارية دعمه للأنظمة القمعية والديكتاتورية في العالم العربي، وللثورة المضادة للربيع العربي على امتداد الإقليم.

النخب العربية و11 سبتمبر

هذا في حين أنه قد أثبتت الانتخابات المغربية، مؤخراً، أنّ الشعوب العربية قادرة، بواسطة انتخابات ديمقراطية، على إخراج الإسلاميين من الحكم، وأن الشعوب العربية هي وحدها صاحبة الشرعية في إيصال الأحزاب الإسلامية للحكم، وفي إخراجهم منه، وليس أي انقلاب عسكري بدعم دولي أو إقليمي، أو مصادرة لنتائج الانتخابات بفعل القوة العسكرية. 

هذا الاختلاف في النظرة بين النخب الأمريكية ونخب العالم العربي للدروس المستخلصة من 11 سبتمبر وما تبعه من ردات فعل غربية، خصوصاً أمريكية، يشكل مفارقة غريبة، فبدل أن تكون اليوم نخب العالم العربي، أي النخب الثقافية في المنطقة المستهدفة أولاً بـ"الحرب على الإرهاب"، هي الأكثر نقداً للسياسة الأمريكية بعد 11 سبتمبر، تلاحظ أن النخب الغربية، لا سيما الأمريكية من ضمنها، هي الأكثر جرأة وشجاعة لتوجيه النقد اللاذع لهذه الحرب، وذلك لأن كبرياءها العلمي، وموضوعيتها البحثية، وتعلقها بمبدأ تحري الحقيقة وقولها كما هي، كلها عناصر تأبى عليها أن تقوم بدور المتزلف لحكوماتها، ولعب الدور اللاأخلاقي والوضيع في تجميل الحروب وقتل الأبرياء. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ساجي سنّو
حقوقي وكاتب سياسي لبناني
حقوقي وكاتب سياسي لبناني مقيم في باريس
تحميل المزيد