وافقت اللجنة العلمية المغربية على إجراء الانتخابات وفق إجراءات احترازية صارمة وغير مسبوقة، وسهرت السلطات العمومية على تطبيقها بشكل كبير أحرج من لم يُعد بديلاً عن الحملات التقليدية.
حاولت جل الأحزاب تغطية كل الدوائر الانتخابية بخصوص الاستحقاقات المحلية والجهوية والوطنية وهي مهمة بدت صعبة جداً؛ نظراً للأعداد الكبيرة من المرشحين التي يجب على كل حزب توفيرها، أخذاً بعين الاعتبار أن جل هذه الأحزاب لا تؤطر المواطنين على امتداد كل التراب الوطني بما في ذلك "الأحزاب الكبرى"، وهناك أيضاً معطى آخر صعب في هذه العملية وهو أن شكل اللوائح وعدد المرشحين والتحالفات الممكنة يختلف بشكل كبير بين الانتخابات الجماعية والانتخابات التشريعية، وهو أمر كان يسهل تدبيره سابقاً لكون تلك الاستحقاقات تكون عادة متفاوتة زمنياً.
وانعكست هذه المعطيات على أسماء المرشحين وترتيبهم في اللوائح وسمحت بالتلاعب بروح قانون الانتخابات والتعديلات التي عرفتها بداية الصيف والتي رامت تعزيز حضور المرأة والشباب وذوي الإعاقة، وتمثل هذا التلاعب في ميل جل الأحزاب إلى قبول ترشيح الأعيان وذوي النفوذ المالي والترشيحات الأسرية ولا سيما في اللوائح المحلية والجهوية.
انطلقت الحملات الانتخابية رتيبة هادئة، وتمحورت أساساً في تواصل المرشحين بجمهورهم من خلال نشرهم لبرامجهم الانتخابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، واستعمل بعضهم تقنية التواصل الهاتفي، فيما طرق البعض أبواب الناخبين للتواصل المباشر معهم، لترتفع وتيرة الحملة وتصبح أكثر كثافة وصخباً في أسبوعها الثاني، وتفاوتت درجة احترام أنشطة الحملة للإجراءات الاحترازية رغم حرص الجميع على إظهار أنفسهم بالمظهر المنضبط لها وخصوصاً بارتداء الكمامات، وعلى الرغم من التنافسية الشديدة التي طبعت أجواء الحملة وهو أمر صحي وضروري؛ إلا أن الملاحظين أجمعوا على استمرار بعض الممارسات التي تنتقص من مستوى العملية الانتخابية، نذكر منها بالأساس تواجد وإشراك الأطفال وبكثافة في مختلف أشكال أنشطة الحملات وفي أغلب اللوائح والمرشحين وعلى امتداد التراب الوطني، كما اعتمد المرشحون في أنشطتهم الجماهيرية على النساء حضوراً دون أن ينعكس ذلك في مستوى قيادة هاته الأنشطة ونسبة إعطاء الكلمة لهن بها؛ إذ ظل حضور المرأة باهتاً على المنصات الخطابية.
مر يوم 8 سبتمبر/أيلول في ظروف عادية نوعاً ما، إلا أنه لوحظت بعض الخروقات التي لم يكن لها تأثير كبير على السير العادي للاقتراع حسب تصريح وزير الداخلية، وامتدت عمليات فرز وإحصاء الأصوات ساعات طويلة قبل أن يفرج عن النتائج الأولية فيما يخص الاستحقاقات البرلمانية، تلتها بعد ذلك النتائج المحلية والجهوية بشكل متفاوت من جماعة إلى أخرى ومن جهة إلى أخرى، حسب ورودها إلى وزارة الداخلية. ولم تمتد فترة انتظار كل النتائج أكثر من أربع وعشرين ساعة بعد إغلاق مكاتب التصويت، وهو أمر ينفرد به المغرب في محيطه العربي والإفريقي على الرغم من أن انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021 شكلت تحدياً حقيقياً بالنظر إلى إجراء كل الاستحقاقات محلياً ووطنياً وجهوياً في يوم واحد وفي ظل جائحة كورونا.
الدولة تتنفس الصعداء
تجاوزت نسبة المشاركة في انتخابات 2021 مثيلاتها السابقة بكثير، وهو ما مكَّن الدولة من تنفس الصعداء؛ إذ شكلت أحد أهم مؤشرات نجاح الانتخابات بالمغرب، كما قد تؤشر أيضاً على عودة ثقة المواطنين ولا سيما الشباب في سياسيي البلد وجدوى مشاركتهم في اختيار ممثليهم بالمجالس المنتخبة. وأفرزت الانتخابات فائزين ومنهزمين كما هي عادتها، غير أنها سمحت لبعض الأحزاب بالحصول على جزء كبير من كعكة المقاعد وشطبت أحزاباً لا تظهر إلا مرة كل ست سنوات، ودحرت حزباً سيَّر الشأن العام عقداً من الزمن فارضة عليه الانزواء بعيداً. وإذا نظرنا إلى النتائج المحصلة يمكن أن نخرج باستنتاج أول وهو أن نفس الأحزاب التي حصلت على المراكز الأولى في التشريعيات أنجزت ذات الأمر محلياً وجهوياً مع تفاوتات في الترتيب بين جهة وأخرى، ونتج عن هذه الانتخابات عودة الأعيان إلى الواجهة السياسية مجدداً.
أرسل الملك إشارة قوية إلى الجميع؛ مفادها أنه ينتظر كما الشعب المغربي أن تشكل حكومة منسجمة في أسرع وقت لتباشر إلى إجراءات النموذج التنموي الجديد، وتمثلت الإشارة الملكية في سرعة استدعاء السيد عزيز أخنوش وتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة.
سيناريوهات تشكيل الحكومة
تتعدد السيناريوهات والقراءات؛ أولها أن يضم أخنوش، رئيس التجمع الوطني، إليه "البام" (حزب الأصالة والمعاصرة) و"الاستقلال" في حكومة تحظى بأغلبية مطلقة واسعة، غير أنه في هذه الحال سيغامر باختفاء المعارضة وأفول نجمها بالنظر إلى صغر الفرق البرلمانية وتنوع المشارب الأيديولوجية والسياسية المشكلة لها. وأخذاً بعين الاعتبار أن أخنوش يوصف بالرجل القوي ورئيس حكومة الظل أيام العثماني، فإن المنطقي أن يحوز الأحزاب التي توصف بأنها "إدارية" والتي شاركت في كل الحكومات ولم يعهد لها الشغب عند تقسيم المناصب أو التهديد بالانسحاب عند الاختلاف، ويضيف إليها الحزبان اليساريين المعروفين بالبراغماتية السياسية واللذين سيربحان من الانضمام إلى الحكومة أكثر مما سيبذلانه في صفوف معارضة مشتتة ومتعددة المشارب. وفي هذه الحالة سيحصل رئيس الحكومة على أغلبية مطلقة تجعله في حلٍّ من ابتزاز الحزبين الثاني والثالث من حيث النتائج، غير أنه سيواجه معارضة قوية ومزعجة ولا سيما إذا ما نجحا في تجميع نقاطهما المشتركة والتحالف ضده.
وهناك سيناريو آخر محتمل تتشكل بموجبه الحكومة وتظهر في البرلمان معارضة ولا يهدد صراعهما البلد بانسداد سياسي. وهذا السيناريو يتمثل في أن يشكل رئيس الحكومة فريقه بالاعتماد أولاً على الأحزاب، وفق السيناريو الثاني ثم يفاوض مرتاحاً، أحد الحزبين الكبيرين المتبقيين؛ فلا يكون تحت وطأة طلباته بشكل كبير ويسحب من المعارضة جزءاً من قوتها. إذا ما صح هذا السيناريو المعقول جداً؛ فأي الحزبين سينضم للفريق الحكومي وأيهما سيضطر للعب لصالح المعارضة؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.