العدالة والتنمية.. آخر ضحايا نادي الثورات المضادة

عدد القراءات
2,830
عربي بوست
تم النشر: 2021/09/13 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/17 الساعة 10:33 بتوقيت غرينتش
قيادات حزب العدالة والتنمية المغربي/رويترز

في مقال "خلطة كنتاكي الإماراتية.." تساءلنا ما إذا كانت تستطيع الإمارة الخليجية الإطاحة بالثورة التونسية، ووضعنا المقادير التي استطاع أعضاء نادي الثورات المضادة من خلالها الإطاحة بعدد من الثورات في عالمنا العربي، والتي استبشر بها العرب خيراً، وظنوا أنهم سيدخلون عالماً جديداً من الحرية والعدالة الاجتماعية والقانونية والرفاه، وتلخصت هذه المقادير في شيطنة التيار الثوري ومفرزات الثورة السياسية، وتجنيد الإعلام في مهمة تيئيس الشعب من الثورة ومن ثم إقناعه بفشل الحكومة والبرلمان وكل المؤسسات السياسية المفرزة بمعرفة الثورة، ويصاحب ذلك حالة من التضييق الاقتصادي، مع إدخال البلاد في دوامة الفوضى الأمنية، وشراء ولاء قوات الأمن ورجال الجيش والقضاة لتمرير مخطط الفوضى وتأمين الانقلاب لاحقاً، ثم تحريك تظاهرات من رافضي الثورة وأصحاب المصالح لترسيخ فكرة فشل الثورة لدى العامة وتهيئة الانقلاب، بل إيجاد حاضنة شعبية داعمة، للشخص الذي يتم اختياره ليعلن الانقلاب ويتولى زمام الأمور والتخلص من الثورة والثوار، ويصاحب إعلان الانقلاب دعم سياسي إقليمي وغطاء دولي تمرر من خلاله الطبخة.

لكن هناك وفي الركن البعيد الهادئ من أمتنا العربية، كانت تلك المقادير تحضر في طبخة على نار هادئة، فبعد أن خرج الشعب المغربي مشاركاً في ربيعنا العربي، استطاع الملك أن يمتص الصدمة ويهدئ الشارع، لكنه في نفس الوقت كان عالماً بما يحاك للتخلص من الفصيل الأقوى عربياً وإسلامياً، والذي يقلق الغرب قبل الملوك والرؤساء العرب، فاختار الملك التيار الإسلامي ليمثل الثورة ويهدئ الشارع، ولولا الظروف الدولية والإقليمية والداخلية من قبل، لأطاح الملك بالعدالة والتنمية مع أول منعطف، العارفون ببواطن الأمور يؤكدون أن اللحظة حانت بعد انقلاب مصر، لكن المخزن والملك أرادوا استخدام العدالة والتنمية لآخر مدى وتمرير ما لم يكن ليمرر إلا بغضب شعبي عارم، أرادوا أن يكون على العدالة والتنمية التخلص منه للأبد، كما هو مخطط.

إسقاط الكيانات السياسية التي أفرزها الربيع العربي

لا يمكن بأي حال من الأحوال تصديق أن الثورات الشعبية الصادقة الحرة المسببة والمدفوعة من القهر والذل والإفقار كانت نتاجاً لتحركات مخابراتية، كما يدعي البعض، ولو دللوا على ذلك بألف دليل يتم لي عنق الأحداث فيه لتثبيت فكرة أنها ثورات مصنوعة، فهذه الشعوب تحركت ولها دوافعها في زمن يرى أهل المشرق ما يعيشه أهل المغرب من حقوق وحريات ورفاه، زمناً تستدعى فيه روح الماضي وأمجاده، زمناً استطاع فيه المبدعون بث روح الحرية والديمقراطية والمساواة عبر كاميرا لهاتف محمول.

الربيع العربي لم ينته
متظاهر مصري أثناء ثورة 25 يناير/ أ ف ب

الراجح أن مما حدث أن المخابرات الغربية ركبت هذه الموجة الثورية لتغيير الوجوه واستبدال الأنظمة لإعادة التموضع والاستمرار في جني المكاسب المتحصلة من تسليم بلادنا لوكلاء، فمع الرفض الشعبي كان لزاماً أن تتقدم الميمنة وتصبح الميسرة في الخلف والمقدمة تصبح في الميمنة وتتطور مناهج إخضاع الشعوب وإذلالها؛ حتى يترحم الناس على العهد الذي أزالوه بثورتهم، ولا يكون ذلك إلا بأن يندم الشعب على اختياراته.

لقد كانت للإسلاميين حظوظ كبيرة أفرزتها السنوات التي سبقت الثورات، ولعل الواقع في مصر من عام 2000 ثم 2005 ودخول 88 مرشحاً من الإخوان المسلمين للبرلمان، ولو كان نظام مبارك ترك الحبل على الغارب لصار البرلمان كله من التيار الإسلامي، لكن جحافل جهاز أمنه تدخلت من أجل وقف المد الشعبي من الوصول أكثر للبرلمان؛ فكان المنع والقمع في الجولتين الثانية والثالثة، وهو ما فطن إليه الغرب، وكشف الخطر الحقيقي الذي يهدد مصالحهم التي يراعيها وكلاؤهم.

ولما انتفضت الشعوب العربية مشكلة ربيعها الذي أفزعها وأبهر العالم نهضت المخابرات متضامنة لكبح جماح الشعوب الرافضة للهيمنة الغربية والتي أظهرت ذلك سواء في خطاباتها أو حتى في هتافاتها، من ثم فإن إفرازات تلك الثورات كانت على غير هوى تلك الأنظمة وكان لزاماً إسقاطها، وتنوعت أساليب الإسقاط من بين سياسية ومخابراتية وأمنية وصولاً للإسقاط العسكري عبر الحروب أو الانقلابات لتتهاوى الثورات الشعبية الحابية نحو الحرية ناقصة الخبرة والحنكة أمام تجمع مخابرات الإمبريالية القديمة ووكلائها ونادي الثورات المضادة.

تعددت الأسباب والموت واحد 

إذا كانت علامات استفهام كثيرة قد أثيرت حول أسباب هزيمة حزب العدالة والتنمية في المغرب، لا سيما أن الهزيمة كانت قاسية بشكل كبير، فإن مثلها يجب أن يثار حول الأحزاب والتجمعات الثورية التي خسرت الحكم في بلدانها.

وبعيداً عن حالة التهوين التي طرحها البعض، من قبيل أن هذا هو حال الديمقراطية، وأن استمرار الأحزاب في الحكم لمدة طويلة يفقدها شعبيتها، وأن ذلك يحدث في أغلب الديمقراطيات الراسخة، وهو تهوين لا يفهم إلا على سبيل الدغدغة الفكرية العاطفية التي يروجها كثير قادة الحركة الإسلامية، فلا نحن في ديمقراطيات راسخة ولا نحن على استعداد أن ندفن رؤوسنا في الرمل كالنعام، وكما يجب أن نبتعد عن حالة التهوين علينا أن نهجر حالة التهويل التي يحترفها البعض سواء بقصد أو بغيره، وسواء كانت سريرته خالصة أم كان خبيث النية، ويهدف من ذلك للهدم لا البناء.

نحن أمام أخطاء حقيقية تكررت في كل من مصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان والجزائر ومؤخراً تونس والآن في المغرب، نحن حتى الآن لم نفهم طبيعة المرحلة التي تعيشها الشعوب بعد الثورات، ولأننا لم نمارس الحكم ولا نمتلك أدواته، وهذا أحد أوجه القصور الذي به نهزم، فإننا نفقد المعلومة، وكان بالإمكان تعويضها على مهل من خلال مراكز استطلاع الرأي وسبر الأغوار، وإن كانت لا تفي بكامل المطلوب لكن، ما لا يدرك جله لا يترك كله..

كما أننا عملنا في السياسة بمفهوم العلاقات الدولية والتجاذبات السياسية، ونسينا أن ذلك الشعب الذي يراقبنا يعلم أننا أمناء، بكل ما يحويه المصطلح، لكنه ينتظر منا القوة مع الأمانة، والقوة في مشاريع حقيقية ترفع عن كاهله ستين أو سبعين عاماً من القهر والتجويع والأمراض والجهل، فلم نكن مستعدين، وهي الثغرات التي منها ينفذ أعداء هذه الأمة والمستفيدون من استعبادها، لكن يميز هؤلاء، وأعني أعداءنا، أن لديهم القوة والسطوة لفرض الأمن، الذي يزعزعونه بأيديهم ليعودوا ويفرضوه.

لقد انشغلنا بترتيب هرم السلطة وتراتبية النظام وغصنا في تفاصيل المناكفات الحزبية على حساب تفاصيل الحياة اليومية، والأولى لا تهم المواطن والأخيرة تسقط الحكومات.

العدالة والتنمية آخر ضحايا نادي الثورات المضادة

عبد الإله بن كيران وسعد الدين العثماني، أرشيفية/ مواقع التواصل

يرجع الكثيرون سبب السقوط المدوي للعدالة والتنمية إلى التطبيع الذي وقع عليه بالنيابة عن الدولة المغربية مع الكيان المحتل، وآخرون يرجعونه إلى انعدام المشاريع التنموية التي خاب العدالة والتنمية في تحقيقها في ظل حاجة ملحة لأفكار ألمعية لإخراج المغاربة من حالة الفقر الناتجة عن البطالة، والتي أفرزت حراك الحسيمة، والذي أراه جرس إنذار كان من الواجب التوقف عنده وتحسس الخطى، وهنا لا يمكن بحال من الأحوال تبرئة بن كيران مما حدث للعدالة والتنمية خلال الأسبوع الجاري، فالعدالة والتنمية اختار السقوط الحر؛ ما مهد الطريق لنادي الثورات المضادة لإسقاطه، ولولا وجود النظام القديم بمخزنه المرتبط ارتباطاً عضوياً بالقصر، والاثنان مربوطان بحبل سري لا ينقطع بالغرب، على العموم، وبفرنسا خصوصاً، حتى بعد التباعد النسبي في الفترة الأخيرة، لكن المصالح مجمعة، و(أنا والغريب على ابن عمي) مع تعديل المثل في حالتنا، لم يكن ليسقط العدالة والتنمية بهذا الشكل المذل.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر عبدالعزيز
كاتب وباحث سياسي
ياسر عبد العزيز هو كاتب وباحث سياسي، حاصل على ليسانس الحقوق وماجستير في القانون العام. كما حاز على دبلوم الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، وهو الآن عضو مجلس إدارة رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج في اسطنبول ومدير مركز دعم اتخاذ القرار بحزب الوسط المصري.
تحميل المزيد