هزيمة “العدالة والتنمية” المغربي.. تصويت عقابي أم نهاية صلاحية؟

عدد القراءات
711
عربي بوست
تم النشر: 2021/09/12 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/12 الساعة 09:17 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني (مواقع التواصل الاجتماعي)

تعددت التحليلات التي تتناول أسباب سقوط حزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الأخيرة، بين من يراها نتيجة لتراجع شعبية الحزب، ومن يعتبرها نتيجة متحكماً فيها بعد نهاية مدة صلاحيته بالنسبة إلى النظام الحاكم في المغرب.

يمكن الاتفاق مع الرأيين معاً انطلاقاً من الوضع السياسي في البلاد، لكن الرأي الذي يصعب تصديقه هو أن تكون هذه الهزيمة غير المتوقعة بالنتائج التي أعلنها وزير الداخلية صبيحة الخميس 9 سبتمبر/أيلول، "تصويتاً عقابياً" لحزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته.

نعم قد تتراجع شعبية الحزب بسبب تراجعه عن الوعود التي قطعها للشعب المغربي، وتورطه في عدد من التناقضات، كما من الممكن أن تكون صلاحيته قد انتهت لأن أهم خدمة حققها للسلطة هي امتصاص غضب الشارع في عام 2011، بالتزامن مع موجة ثورات تصدر خلالها الإسلاميون المشهد في المنطقة العربية، قبل أن يتغير السياق الإقليمي.

لكن الشعب المغربي لن يعاقب حزباً واحداً بالتصويت لأحزاب أخرى كانت متحالفة معه داخل نفس الائتلاف الحكومي الذي أثار سخطه باستثناء حزب الاستقلال الذي انضم إلى المعارضة، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي استمر فيها منذ 2011.

شهدت السنوات الأخيرة الكثير من المحطات التي اصطدم فيها وزراء أحزاب الأغلبية وأمناؤها العامون مع التعبيرات الاجتماعية، من خلال تصريحات أثارت سخط المغاربة، فضلاً عما تم تمريره من قرارات وقوانين لم ترق فئات واسعة من أبناء الشعب المغربي.

من منا لا يتذكر حملة المقاطعة التي تم شنها عام 2018 ضد ثلاث علامات تجارية معروفة في المغرب، احتجاجاً على الارتفاع الكبير لأسعارها. وكان من بين هذه العلامات شركة الوقود "إفريقيا غاز"، المملوكة لوزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار والرئيس الجديد للحكومة المغربية عقب الانتخابات الأخيرة.

بعد هذه العلاقة المتوترة بين أحزاب الأغلبية الحكومية السابقة التي تصدرت الانتخابات الأخيرة والشعب، يصعب الحديث عن تصويت عقابي في حق حزب واحد فقط، بينما كانت هذه المكونات جميعها شريكة له في الائتلاف الحكومي نفسه.

لم تكتف الحكومة السابقة آنذاك بالدفاع عن الشركات المستهدفة من طرف حملة المقاطعة، التي كانت في مرمى ألسنة وزرائها؛ حيث هاجم وزير الاقتصاد والمالية السابق محمد بوسعيد المقاطعين من تحت قبة البرلمان واصفاً إياهم بـ"المداويخ"، وهو قيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، كما وصف وزير الفلاحة أخنوش نفسه هذه الحملة بـ"الافتراضية التي لا خوف منها"، وهو ما زاد من غضب المشاركين فيها.

استهداف العلامات التجارية لم يكن المقاطعة الوحيدة التي قضت مضجع الحكومة، بل حتى مقاطعي الانتخابات أيد إدريس لشكر الأمين العام للحزب الذي حل رابعاً بـ 35 مقعداً في انتخابات 8 أيلول/سبتمبر، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فرض عقوبات زجرية وغرامات بحقهم في حال استمرار العزوف عن المشاركة في الانتخابات، خلال تصريحات في نهاية تموز/يوليو الماضي، وقبله جر وزير العدل القيادي في نفس الحزب عليه غضباً واسعاً بسبب إعداده لمشروع قانون متعلق باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وُصف بقانون "تكميم الأفواه".

أما بالنسبة لحزب الحركة الشعبية الذي حل في المرتبة الخامسة بـ29 مقعداً، فإن وزير التربية الوطنية والتعليم العالي سعيد أمزازي كان أحد أبرز وزرائه الذين أثاروا سخط المغاربة، خاصة في صفوف الطلبة والمعلمين بسبب فشله في تدبير عدد من الملفات؛ بينها ملف "الأساتذة المتعاقدين" والإدارة التربوية، كما لم تخل فترة توليه مسؤولية الوزارة من إضرابات واحتجاجات متواصلة للمعلمين تمت مواجهتها باستعمال العنف والاقتطاع من الرواتب في كثير من الأحيان.

وعند الحديث عن اختلالات قطاع الصحة في المغرب، لا بد من أن يُشار إلى الوزيرين السابقين الحسين الوردي وأنس الدكالي القياديين في حزب التقدم والاشتراكية، الذي حل سادساً في الاستحقاقات البرلمانية الأخيرة بـ21 مقعداً؛ إذ لم تخل ولايتهما أيضاً من احتجاجات واسعة في صفوف الأطباء والممرضين وطلبة الطب، والمواطنين الذين عبروا عن عدم رضاهم عن أداء وزارة الصحة. 

وسيظل الريف (شمال شرق البلاد) الذي تظاهر سكانه من أجل مطالب اجتماعية، كان أبرزها جامعة عمومية ومستشفى لأمراض السرطان وفرص شغل، شاهداً على أحزاب أغلبية حكومية وفرت الغطاء السياسي للتدخل الأمني العنيف في حق المتظاهرين في المنطقة، واعتقال العشرات، بعدما أصدرت أحزاب الأغلبية، بينها الاتحاد الدستوري الذي حل سابعاً بـ18 مقعداً، بلاغاً تتهم فيه نشطاء الحراك بالعمالة والمس بمؤسسات الدولة والترويج للانفصال.

بعد هذه العلاقة المتوترة بين أحزاب الأغلبية الحكومية السابقة التي تصدرت الانتخابات الأخيرة والشعب، يصعب الحديث عن تصويت عقابي في حق حزب واحد فقط، بينما كانت هذه المكونات جميعها شريكة له في الائتلاف الحكومي نفسه.

لكن يمكن الحديث عن عقابين آخرين بعيداً عن التصويت.

ليعيش حزب العدالة والتنمية على مدى سنوات وخاصة خلال الأشهر الأخيرة على وقع خلافات وانقسامات عميقة، وصلت إلى تقديم استقالات جماعية لنشطاء وقيادات في الحزب، بعدما أدركوا أنهم أمام حزب لا يملك داخل الحكومة إلا قيادة شكلية غير قادرة على تغيير حقيقي.

أولهما: عقاب داخلي

إعفاء الملك محمد السادس رئيس الوزراء السابق عبدالإله بن كيران من مهمة تشكيل الحكومة عقب انتخابات 2016، وتكليف سعد الدين العثماني بها، في رأيي كان إيذاناً ببداية التمزق داخل حزب الـ"بيجيدي" الذي انقسم أعضاؤه إلى قسمين، أحدهما كان يرفض التنازلات التي قدمها العثماني من أجل إقناع الأحزاب الأخرى بالدخول في الائتلاف الحكومي، والآخر فضل تأييد الأمين العام الجديد للحزب في كل خطواته السياسية.

ليعيش حزب العدالة والتنمية على مدى سنوات وخاصة خلال الأشهر الأخيرة على وقع خلافات وانقسامات عميقة، وصلت إلى تقديم استقالات جماعية لنشطاء وقيادات في الحزب، بعدما أدركوا أنهم أمام حزب لا يملك داخل الحكومة إلا قيادة شكلية غير قادرة على تغيير حقيقي.

وعندما حان موعد إخراج العلاقات المغربية الإسرائيلية من السر إلى العلن، وجد العثماني نفسه في موقف الضعف أمام قواعده الحزبية بعد التغيير المفاجئ في موقفه من التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي كان يعتبره جريمة في حق الشعب الفلسطيني، قبل التوقيع على اتفاق الرباط وتل أبيب بيده وهو جالس بجانب مجرم الحرب مائير بن شبات.

وهنا بدأ حزبه يفقد المزيد من القواعد إضافة إلى حجم واسع من متعاطفيه، فضلاً عن توقف وجوه بارزة من أنصاره وأعضائه عن التجند للدعاية له، ما يفسر ضعف حملته الانتخابية الأخيرة أمام باقي الحملات الحزبية خاصة التي كثفت نشاطها بتوظيف لافت للمال.

ثانيهما: عقاب المقاطعة

نسب المشاركة الضعيفة والمعلنة رسمياً في عدد من الجهات، بينها البيضاء-سطات التي تضم الدار البيضاء كبرى المدن المغربية، وسطات والمحمدية والجديدة و24 مدينة أخرى، وجهة الشرق التي أبرز مدنها وجدة والناظور، وجهة مراكش-اسفي، كما في سلا ثالث أكبر مدن المغرب ومدينة تطوان، وفي عدد من المدن والدوائر الموزعة على مختلف الجهات، تشير إلى حضور قوي لخيار المقاطعة الذي عاقب من خلاله المقاطعون كل أحزاب الائتلاف الحكومي.

أما عند الحديث بشأن نسبة المشاركة على المستوى الوطني والتي تجاوزت 50%، فلا يمكن أن نغفل عاملاً مهماً تم تجاهله كثيراً ضمن التحليلات مع العلم أن له تأثيراً كبيراً على الرقم الذي شهدته نسبة المشاركة، ألا وهو إجراء الاستحقاقات التشريعية والانتخابات البلدية في يوم واحد. 

كل متتبع لهاتين المناسبتين في المغرب منذ 2002، يتضح له أن نسبة التصويت في الانتخابات الجماعية والجهوية على المستوى الوطني تكون أكبر من نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية، مع استثناء التشريعيات المبكرة عام 2011 ( الربيع العربي) التي لم تتزامن معها أي انتخابات بلدية ولم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 45.51%.

ففي تشريعيات 2007 لم تتجاوز نسبة التصويت على الصعيد الوطني 37%، وهي منخفضة مقارنة مع انتخابات 2009 البلدية التي بلغت نسبة التصويت فيها 51%، أما في تشريعيات 2016 لم تتجاوز نسبة التصويت 42.29% وهي أيضاً منخفضة مقارنة مع انتخابات 2015 البلدية التي بلغت نسبة المشاركة فيها 53.67%، وهذه الأخيرة كان من المتوقع أن تُنظم مباشرة بعد الانتخابات البرلمانية عام 2011، قبل تأجيلها إلى 2015.

وقد يرجع هذا التفاوت في نسب التصويت بين التشريعيات والانتخابات البلدية إلى عامل الاحتكاك المباشر لمرشحي الأخيرة مع سكان البلديات، والذين لا تتجاوز مهامُّهم الدوائرَ المحلية وسقف مطالبها المحدود، في الوقت الذي يئس فيه المواطنون من وعود الأحزاب على مستوى الإصلاحات من داخل الحكومة والبرلمان مقتنعين بعدم مقدرتها على إحداث أي تغيير وفق الشروط الحالية.

والعامل الثاني الذي يتحكم في ارتفاع نسبة المشاركة على مستوى الانتخابات البلدية هو أن أغلب الناخبين يشاركون فقط من أجل التصويت على وجوه معروفة بنشاطها أو نفوذها أو مالها على مستوى نطاقهم الجغرافي، بعيداً عن منطق انتخاب الأحزاب، إضافة إلى عوامل أخرى.

لهذا في رأيي لا تصح مقارنة نتائج ونسبة التصويت في استحقاقات 8 أيلول/سبتمبر 2021، التي اجتمعت فيها محطتان انتخابيتان (البرلمانية والبلدية)، مع استحقاقات 2016 التي شهدت انتخابات برلمانية فقط، وقول إن المغاربة لم يقاطعوا التشريعيات ونسبة مشاركتهم فيها ارتفعت.

وبالرجوع إلى استطلاعات الرأي وتصريحات المواطنين، والصور القادمة من معظم مراكز الاقتراع يوم 8 أيلول/سبتمبر إن لم أقل جميعها، يبدو أن فئات واسعة من المغاربة قاطعت هذه الاستحقاقات معبرة عن وعي سياسي وقناعة بعدم جدواها في المغرب، بالرغم من نسبة المشاركة الرسمية والمرتفِعة التي يجب أن ننتبه إلى أنها تنخفض كثيراً عندما لا نعتمد في حسابها على المسجلين باللوائح الانتخابية فقط؛ حيث لن تتجاوز 35% من أصل 25.266 مليون مواطن يحق لهم التصويت حسب المندوبية السامية للتخطيط.

ما يعني أن نسبة المقاطعة كانت أكبر من نسبة المشاركة، في خطوة عاقب من خلالها المواطنون كل مكونات الحكومات السابقة، وهي ثقافة سياسية تبدأ من مقاطعة التسجيل في اللوائح الانتخابية أولاً، وتنتهي باقتناع عدد من الذين جرى تسجيلهم بعدم المشاركة، وانضمامهم إلى صفوف المقاطعين.

وهذا طبعاً بغض النظر عن الشكوك والاتهامات التي تطال نزاهة العملية الانتخابية، وفق ما شهده يوم الاقتراع من تحركات مشبوهة لا تدل على سير عادي للانتخابات حسب مراقب دولي، وتوظيف للمال والنفوذ وانتشار لأعمال "البلطجة" وتزوير، وخرق للقانون الذي يمنع استمرار الحملات بالتزامن مع وقت التصويت، حسب بلاغات مرشحين وأحزاب مشاركة في الانتخابات، بينها حزب العدالة والتنمية الذي سبق أن لمّح أمينه العام سعد الدين العثماني، في وقت سابق، إلى إمكانية تدخل الدولة من أجل التحكم في الانتخابات لصالح أحزاب منافسة. 

وسواء حضر منطق معاقبة الأحزاب أو لم يحضر، يظل السبب الأساسي الذي يفسر هزيمة حزب العدالة والتنمية في هذه الاستحقاقات، هو سياق التحرك الإقليمي والدولي في اتجاه إبعاد الإسلاميين عن تدبير الشأن العام داخل المنطقة بعد نهاية مهمتهم المتمثلة في كبح غضب الشارع، من خلال حملة شيطنة واسعة لتيار "الإسلام السياسي"، تشنها أنظمة عربية وأحزاب ليبرالية بمباركة أمريكية وفرنسية كما حدث في تونس حيث جرى استغلال السلطة، ويحدث اليوم في المغرب بأسلوب تقمَّص مظهر الديمقراطية عقب محطات كان عنوانها البارز إفساد صورة الإسلاميين في ذهن المواطن المغربي.وما مسيرة "ولد زروال" التي تلخص هذا عنا ببعيدة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

يوسف بناصرية
كاتب مغربي
صحفي مغربي، مهتم بالمجتمع والسياسة والتاريخ.
تحميل المزيد