في يوم عادي بلا أي شيء مميز تزاحمت الأخبار وامتلأت الصفحات بتصريحات "خالد يوسف" عن عودته للوطن بسلام! شعرت فجأة أن هذا الرجل غير ذلك الذي هرب منذ عام بسبب فضيحة جنسية مصورة بالصوت والصورة.
في مصر كل الأحداث تقريباً تُثبت لنا أننا في مسرح عبثي، يمكن لأي حكاية أن تكون هي رواية اليوم التي سيتم عرضها، ويمكن لأي شخص أن يكون بطل العرض، سواء أكانت البطولة بدور فارسٍ مغوار أو مهرجٍ يمكن أن يركب المسرح ليؤدي فقرته الهزلية لتسلية السادة.
ذهاب وعودة
يُحيلنا الحديث عن عودة هذا الرجل إلى ذكر أسباب خروجه من البلد، ومن ثم ذكر الواقعة التي هرب على إثرها، والتي كانت السبب في تدمير حياة فتاتين تم القبض عليهما بسبب تسريب مقطع فيديو جنسي مع المخرج العائد.
نضطر للرجوع لعدة خطوات كبيرة كان قد تم قطعها سلفاً في الأحاديث عن المساواة بين الرجل والمرأة في مجتمع ذكوري بامتياز، مثل مجتمعنا، والسبب هو أخطاء مَن لا قيمة إنسانية لهم، وفي المقابل هم يملكون قيمتهم كرجال ضمن رجال السلطة.
بالطبع الواقعة غنية عن التعريف، وأنا لستُ بصدد إعادة تدوير أحاديث حول رضائية الممارسة الجنسية من عدمها، فهذا ليس هدفي، ولست أقيم محكمة تفتيش لخالد يوسف لأنه مارس الجنس من الأساس، ولكني أتساءل عن سر ذهابه وعودته دون الإصابة بما أصيبت به الفتاتان، سواء من الحبس الذي وقع عليهما أو الوصم الذي مازال يُمارس عليهن.
ولو كان متاحاً الحديث حول استغلال النفوذ والفخ أو الوعود التي كانت لازمة لممارسة الجنس مع هاتين الفتاتين، والتي لو لم تكن موجودة -أقصد النفوذ- لما كان ممكناً من الأساس حدوث تلك الممارسة، وبالتالي لَمَا دُمرت حياة هاتين الفتاتين ومَن حولهما من أُسر وأصدقاء وأقارب.
استقبال الفاتحين
يبدو استقبال البعض لخالد يوسف وكأنه كان أسيراً، أو أنه كان في رحلة علاج من مرضٍ عضال، أو أنه نال جائزة الأوسكار، أو أنه كان يفعل أي شيء مشرف في الخارج، فلم يَلُم أحدٌ خالد يوسف علی تنصّله من الجريمة التي اتُّهمت فيها فتاتان، والتي بدا المقصود بها إقصاء هذا الرجل لفترة من المشهد العام، الأمر الذي يجعل كل شيء يبدو كتصفية حسابات بين رجل نظام وبين النظام، وقعت فيه بين الأقدام فتاتان تم حبسهما لمدة أربعة أشهر بلا أي تهمة حقيقية، بينما كان الرجل في فرنسا يعيش في أحسن حال، وبالطبع لم يكن يتخيل أنه سيتم استقباله هكذا حتی في أحسن الأحوال!
بالطبع لا يمكن توجيه الجُبن كتهمة، ولكن في مجتمع شرقي كالذي نعيش فيه تقع مصطلحات ومفاهيم مثل الشجاعة والجبن في منزلة مهمة في الموروث الشعبي والثقافي، فإذا تمت الإشادة بأي شخص علی أنه شجاع فهذا وسام علی الصدر حتی الموت، ويتم توريثه كأي شيء مادي، بل أكثر. وإذا اتُّهم أي شخص بالجُبن فمن المفترض ألّا يُتعامل معه بتهمة أنه شخص جبان يلزمه إعادة تقويم، وهذا في رأيي ما كان يجب أن يحدث مع رجل كهذا.
الثورة واليسار وفتح النيران
مع عودة خالد يوسف لمصر فُتحت عدةُ ملفات، وكُتبت عشرات التحليلات علی كل مواقع التواصل الاجتماعي. ومن جديد تم الحديث عن ذكورية المجتمع الغارق في حب وصم النساء وحدهن بالعار، والأحاديث حول ممارسة الجنس من مركز قوة، والشكل السليم لعلاقة الرئيس والمرؤوس، أو الطبيب والمريض كعلاقات اجتماعية وإنسانية ومهنية، ولكن ما كان لافتاً للأنظار هو ما تداوله اليمين واليسار في المجتمع السياسي المصري.
فالبعض يُردّد أن خالد يوسف رجل ثوري شارك في ثورتي (25 يناير) و (30 يونيو)، وهو ما يجعله ينتمي لليسار المصري المعارض لنظام مبارك ما قبل الثورة الأولی، وهي الفترة التي شهدت نجاحه وتقديمه للجمهور بأفلام مثل "هي فوضی" و"دكان شحاتة"، أو بمساهمته في تصوير مظاهرات 30 يونيو (حزيران)، التي أسهمت في عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. هذه المساهمات وضعت خالد يوسف في وضع الرجل اليساري الذي أعلن عن ناصريته مراراً وتكراراً، ولذلك يُنتقد من قِبل الإسلاميين ومن قبل اليمينيين على هذه الأسس. وكأن الثورة تتطهر من الدنس، أو أن منح هذا الرجل مكانته لم يكن من السلطة نفسها!
بالطبع أفلام مثل أفلام خالد يوسف لم يكن يتم عرضها إلا بموافقة الرقابة، أي يد الرقيب الذي يمارس دوره المتسلط وأبويته المتعجرفة في السماح أو منع ما يشاهده الناس، فبالتالي كانت كل أفلام خالد يوسف يتم عرضها على السلطة والسماح بعرضها علی الشاشات كتنفيس عن القهر الذي يُمارس ضد الجميع. الغريب أن هذا الرجل الذي يدّعي يساريته لم نسمع عن منع أحد أفلامه كما حدث علی مر التاريخ الأسود الذي سطّرته يد الرقيب، من حرق وإتلاف وتنكيل بأي شيء قد يمس السلطة. في حالة خالد يوسف كانت الأفلام تعرض وتلقی نجاحها، ولا شيء يحدث، مما يُحلينا للظن بأن هذا الرجل كان كقطعة من قطع الشطرنج يتم تحريكه، مجرد رجل سلطة مستتر!
وبالطبع دعمه وتصويره لمظاهرات يونيو 2013، التي كانت عارمة بالفعل، قد لا يدعم يساريته. الغريب أن انتماءه لليسار من عدمه ليس قضية ولا أمراً يمكنه أن يمنح أي شخص الحق في الدفاع عنه أو الانتماء لصفه، كما أن انتماءه ليمين السلطة لن يمثل خدعة للشعب أو أي فصيل، الفصائل والتيارات كلها كخيال مآتة الغيطان. كل ما في أمر هذا الرجل يُحيل للقضية الأولی، وهي الوصم والتمييز والجبن واستغلال النفوذ، كان من المقبول أن يُحبس كما تم حبس الفتاتين -بلا تهمة- وبهذا كان ممكنا الحديث وقتها عن رقابة الدولة علی الممارسات الجنسية، ولكن ذهاب وعودة هذا الرجل للحديث عن تقديم مشروعات سينمائية أو تلفزيونية لإبراز صورة جيدة عن النظام هذا أمر غير مقبول، لأنه ببساطة يبدو كقربانٍ أو مقابل تصفية حسابات قديمة لم نعرف عنها حتی الوقت الحالي شيئاً، ولكن الأكيد أننا سنعرف في يوم ما، حينما يُقرر أحدُهم أن يجعل أحدَهم يركب المسرح!.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.