بعد السقوط كقطع الدومينو.. هل نعيش نهاية تجربة الإسلام السياسي؟

عدد القراءات
8,725
عربي بوست
تم النشر: 2021/09/10 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/10 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
الإخوان المسلمون

حدث ما كان متوقعاً وما كانت تشير إليه كل المؤشرات والدلالات، سقط حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في المغرب، سقط كحال نظرائه في الأقطار العربية المجاورة مع فارق الطريقة والتوقيت. جاء السقوط هذه المرة على يد الشعب المغربي وعبر صناديق الاقتراع، حيث لا جيش يستخدم الرصاص ويعتقل الرئيس، ولا رئيس منتخب يعطل العمل بالدستور ويمنع البرلمان من الانعقاد ويستعين بالجيش لتطبيق مخططاته المشوشة. في المغرب خرج الناخبون الذين جاؤوا بالحزب نفسه قبل عقد من الزمان، ليرفضوا استمرار حزب العدالة والتنمية في الحكم وتسيير مصالحهم في ضربة شبه قاضية لحزب يعتبر آخر معاقل تيار الإسلام السياسي في العالم العربي. 

بعد تجربة الإسلاميين في مصر والتي انتهت بطريقة مأساوية لأنصار جماعة الإخوان المسلمين والثورة المصرية، وما صاحب من أحداث جلل أكبر من تسرد في مقال، تلا ذلك ترنح الإسلاميين في تونس قبل أن يقصيهم الرئيس قيس سعيد، سمّه انقلاباً أو قل عنه تحايلاً على الدستور أو تفعيلاً لنص دستور ملتبس، ولكنه كان حدثاً يحمل في طياته الكثير من الأمور التي تستحق وقفة، فحركة النهضة حكمت تونس قرابة عقد من الزمن، فماذا حققت لتونس؟

ولم تسلم التجربة التركية منذ ثورات الربيع العربي من محاولات الإجهاض الجادة من أطراف محلية وإقليمية، وكذا من أخطاء كادت تكلف الرئيس رجب طيب أردوغان كثيراً لولا خبرته وحنكته.

وها هو الدور يأتي على المغرب أخيراً، فيقوم شعبها على العثماني وحزبه ويطيحون به بطريقة قاسية، حيث حلوا في المراكز الأخيرة وفقدوا أكثر من 100 مقعد في البرلمان. 

أحزاب المعارضة في المغرب
رئيس الحكومة المغربي السابق، سعد الدين العثماني

ليصبح العالم العربي سياسياً بلا أحزاب إسلامية تحكم، بل وأصبح الحديث يكثر عن نهاية ما يُعرف بمشروع الإسلام السياسي ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين، خصوصاً وحسب رأيي المتواضع كمتابع لثورات الربيع العربي، فإن هناك منعرجات متعلقة بالأخطاء السياسية، والثاني متعلق بفكر الجماعة وعلاقتها بالمجتمعات العربية وكذلك تقبل المجتمع الدولي للإسلام السياسي وهو ما عجل بسقوط التيار الإسلامي.

الأخطاء السياسية

البداية الفعلية لما وصل إليه حال التيارات الإسلامية خاصة جماعة الإخوان المسلمين كانت من مصر حين انقلب الجيش على الرئيس المنتخب آنذاك محمد مرسي وكان ما كان، فلم تنجح جماعة الإخوان المسلمين في مجاراة الانقلاب ولا مناورته، ولا هي سلمت بالأمر الواقع فنجت بنفسها وأنقذت ما تبقى من أفرادها في السجون والمنافي، كما هو حال جميع التيارات والأحزاب في القارة الإفريقية الموعودة بالانقلابات العسكرية. فقد عاصر الناس الانقلابات في القارة السمراء ورأوها فلم يروا طريقة أسوأ من طريقة الإخوان المسلمين في مصر في مجابهة الانقلاب العسكري. فلا هم بالذي تقبل الأمور ورضي بالواقع واندمج داخل الدولة الجديدة ونظامها السياسي الجديد بما يحفظ أمن أعضائه وسلامتهم، ولا هو بالذي قاوم بمعنى المقاومة فظل يردد هتافات بعيدة عن المنطق والعقل والواقع من قبيل "أن السلمية أقوى من الرصاص"، وهذا تجنٍّ على المنطق والفكر، فالسلمية والرصاص لا يعيشان في مكان واحد.

ناهيك عن رفض جماعة الإخوان في الخارج لفكرة الحوار قبل رحيل رأس النظام الجديد عبدالفتاح السيسي، وهذا في السياسة أقرب للجنون، فكيف للطرف الأقوى على الأرض والذي يمتلك الشرعية الدولية والقوة أن يتنازل للطرف الأضعف؟ وما الذي يجبره على التفاوض معك وهو أقوى منك؟

في أحد المقاطع التي انتشرت مؤخراً سأل أحد القضاة الشيخ محمد حسان أين أخطأ الإخوان؟

وقد أجاب الرجل الذي تعرض لهجوم غير مبرر إجابة كافية وشافية لو تمعّن الناس فيها لفهموا الأمر: إن الجماعة لم تفرق بين فقه حكم الدول وفقه حكم الجماعات. فالدول أكبر وأشمل من الجماعات التي يكون لديها عامل مشترك.

ذلك حديث مصر فماذا عن تونس؟

في تونس، ظهرت حركة النهضة مترددة كثيراً فهي التي أعادت تدوير نظام بن علي عن قصد، وركزت الجماعة على المصطلحات السياسية والقوانين والخطب أكثر من تركيزها على الإصلاحات الاقتصادية والمشاريع التي تضمن ولاء "حزب الكنبة" الذي تنتمي إليه الغالبية العظمى من الشعوب العربية.
وذلك بتحالفها مع حزب "قلب تونس" رغم وعود الغنوشي المتكررة بعدم التقارب مع نبيل القروي. وكذلك ملف المحكمة العليا الذي تعطل كثيراً، وقد كان بالإمكان أن يقطع الطريق على الرئيس قيس سعيد في استخدامه للفصل 80 من الدستور. أعلم جيداً أن التيار الإسلامي وحركة النهضة تنفق الأموال لإقصائه من المشهد السياسي برمته، لا السلطة فقط. ولكن أخطاء الإسلاميون هي من مهّدت الطريق أمام تلك الدول.

في المغرب كانت صدمة كبيرة لا تقل خطورة عن الانقلاب العسكري الذي قصم ظهر الإخوان في مصر، حين ظهر العثماني في صورة التطبيع فضرب مصداقية فكر الجماعة في مقتل، فكيف للجماعة التي تقوم على مبدأ أن الإسلام هو الحل أن تجلس مع إسرائيل المحتلة وتطبع معها مهما كانت المبررات والمسوغات لذلك. لقد كانت لحظة فارقة جداً في تاريخ حكم تيارات الإسلام السياسي.

فكر الإخوان المسلمين

لا تستطيع كشخص محايد أن تضع جماعة الإخوان المسلمين في أي خانة فكرية أو سياسية فهم يرفضون فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية على طريقة السعودية وإيران فتجدهم يهاجمون تلك الدولة الدينية، وهم أيضاً يرفضون فصل الدين عن الدولة على الطريقة العلمانية ويهاجمون في نفس التوقيت الحركة القومية العربية لاعتزازها بالانتماء للعرب ويتهمون من يقف معها بن كيران أن الإسلام شامل. ولو طلبت منهم تطبيق مبادئ الليبرالية لرفضوا لأنها غربية ولا هم بالذين يسعون لتطبيق فكرهم بالقوة كحال حركة طالبان وتنظيم الدولة والقاعدة وغيرها بالتنظيمات وفي نفس التوقيت يرفضون فكرة اعتزال السياسة كحال كجماعات الدعوة والتبليغ وغيرها.. فاحتار الناس في الجماعة. كما يعاب على جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم تعصبهم لفكرهم ودفاعهم المستميت عمن ينتمي إليهم أو يقف في صفهم ولو طبع مع إسرائيل!

هذه وغيرها أمور وأخطاء سياسية عجلت بفقدان المواطن العربي الثقة بتلك التيارات وهو ما ظهر جلياً في تونس والمغرب، وهي أخطاء رجحت كفة خصوم الإسلام السياسي وسهلت مهمة إسقاطهم من الحكم سواء بالانقلابات أو الانتخابات.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد المختار
معد برامج وكاتب صحفي
محمد المختار، محرر أخبار ومُعِد برامج وكاتب صحفي، تخرج في معهد الصحافة بتونس، وحاصل على ليسانس الآداب من جامعة نواكشوط
تحميل المزيد