حكومة أفغانستان.. الإمارة الطالبانية الثانية

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/08 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/08 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
صورة لقيادة حركة طالبان العليا بعد سيطرتها على كابول - رويترز

بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من السيطرة الطالبانية على كامل التراب الأفغاني حسمت الحركة الجدل الذي دار طويلاً بشأن هوية النظام السياسي وتركيبة الحكومة المقبلة، وأعلنت ميلاد الإمارة الطالبانية الثانية، التي رأى فيها كثيرون امتداداً للإمارة الطالبانية الأولى 1997-2001، بقيادة الملا الراحل محمد عمر، الذي انتُخب يومها من مجلس أهل الحل والعقد، أو مجلس (اللويا جركا) الأفغاني، الذي يمثل في العادة كل القبائل الأفغانية، وما إن أُعلنت الحكومة الجديدة حتى ثارت عاصفة من التعليقات بين مؤيد ومعارض، من بينها: هل كانت أفغانستان بحاجة إلى ثلاثة أسابيع للإعلان عن حكومة طالبانية من لون واحد؟ ولماذا تم تهميش القوى السياسية والاجتماعية الأخرى حين احتوت الحكومة على لون سياسي واحد؟

بلا شك فإن شكل النظام السياسي الجديد الذي قدمته طالبان غير مكتوب حتى الآن، وإنما بحسب ممارسته العملية على ما يبدو سيكون هو نفس النظام السياسي الذي حكم أفغانستان خلال فترة المؤسس الملا محمد عمر 1996-2001، وهو نظام الإمارة الإسلامية الطالبانية، بحيث يتخذ أمير المؤمنين الحالي هبة الله أخوند، المنحدر من قندهار، والمتخصص في الشريعة والحديث، من قندهار العاصمة الروحية للحركة والعاصمة التاريخية لأفغانستان مقراً له، بينما ستمارس الحكومة أعمالها ونشاطاتها من كابول، العاصمة السياسية للبلاد، برئاسة الملا محمد حسن رئيساً للحكومة، وهو الذي يمثل الجيل القديم، وسبق أن خدم في الإمارة الأولى نائباً لرئيس الحكومة يومها ملا محمد رباني. في حين يساعده شخصان بشتوني وأوزبكي، الأول ملا عبد الغني برادر، عديل الملا محمد عمر، وأحد الأربعة الذين شاركوا في تأسيس طالبان، والشخصية الأكثر قرباً للملا عمر، ولذا فقد اختير رئيساً لوفد التفاوض في الدوحة حتى انتصار الحركة، ومن المتوقع أن يلعب الدور الأكبر في المرحلة المقبلة في إدارة الحكومة، بسبب المرض الذي يلمّ بالملا محمد حسن. وهناك الملا عبد السلام حنفي الأوزبكي، النائب الثاني لرئيس الحكومة، الذي كان عضواً في المكتب السياسي في الدوحة.

الحكومة الطالبانية الجديدة ليست دائمة، وإنما حكومة تصريف أعمال، إذ إن كل وزرائها قائمون بالأعمال، فهي حكومة مؤقتة لتعبر بأفغانستان من المرحلة الحالية إلى المرحلة المستقرة، ومثل هذه المرحلة بنظر طالبان تحتاج إلى انسجام وتناغم ووحدة في التفكير والممارسة، وهو لا يتوفر إلا في الجهة المنتصرة وهي حركة طالبان، فالمرحلة الحالية ينبغي أن تكون قراراتها منسجمة وحاسمة وصارمة، فالتحدي الأمني أبرز التحديات، ووجود شركاء متشاكسين في الحكومة لن يساعد في ذلك، فضلاً عن أنه لا جهة حينها ستتحمل مسؤولية الفشل، أو النجاح، أما في الصورة الحالية  فستتحمل طالبان نجاح المرحلة أو فشلها، ولن تتوزع الاتهامات والمسؤوليات على أكثر من طرف.

طالبان أفغانستان إقليم بنجشير
المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد داخل مطار كابول/ رويترز

تميّزت تشكيلة الحكومة بافتقارها إلى سيدة، كما لاحظ كثير من المعلقين، وهذا أمر طبيعي نظراً لعقلية طالبان تجاه عمل المرأة، ولعل ما قدمته طالبان بنظرها من تنازلات في السماح للمرأة بالعمل والدراسة تطور كبير، كما تميزت الحكومة بكون معظمها من العرقية البشتونية التي تنحدر الحركة في غالبية عناصرها منها، بالإضافة إلى استئثار مناطق قندهار وما حولها، معقل ومهد الحركة بعدد من المناصب الوزارية، في حين كان من نصيب الحقانية أربع وزارات وهي الداخلية والتعليم العالي والاتصالات والمهاجرين، واستأثرت عائلة جلال الدين حقاني القائد الأبرز خلال الحرب ضد السوفييت والأمريكيين بحقيبتين، هما الداخلية لابنه سراج الدين المطلوب لمكتب التحقيقات الفيدرالية، وعمه خليل حقاني وزيراً للمهاجرين، ما عكس نفوذ الحقانية، وقوة مناطق خوست التي شهدت المعركة الأولى العنيفة ضد الأمريكيين في شاهي كوت عام 2002، وربما كانت أول معركة طالبانية في مواجهة الاحتلال الأمريكي بعد سقوط طالبان.

يتحدث البعض عن حكومة ملالي، ولكن الحقيقة الملالي في أفغانستان، وتحديداً خلال السنوات الماضية يختلفون عن الملالي في غيرها، فهم خاضوا معركة الحرب والسلام، ولا يزالون منذ مطلع التسعينيات، وحتى الآن، وهم الذين خاضوا معركة الحرب ضد تحالف دولي مكوّن من 38 دولة بقيادة الولايات المتحدة، ومعه خاضوا معركة السلام والتفاوض حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من طرد قوات التحالف الدولي ودخول كابل، ولعل إبقاءهم التركيبة البيروقراطية الأفغانية على ما هي عليه اليوم مؤشر صحي كبير على استمرارية عمل الدولة بنفس القوة وبنفس الطاقة والفاعلية السابقة، ما يحول دون إرباك الوزارات وعملها، ومن ثم فالوزير منصب سياسي أكثر من كونه منصباً تقنياً بيروقراطياً، وهو ما قد يساعد البيروقراطية الوزارية على تسيير عملها لدى القيادة الطالبانية.

بكل تأكيد فإن اختفاء تهديد بنجشير العسكري، وتمكن الحركة من السيطرة على كامل التراب الأفغاني، وهو ما لم يحصل طوال أربعة عقود، قد شجع الحركة وحفّزها على الاستئثار بالسلطة، فذاك يعني الانتصار الكامل، وأنها لم تخضع لضغوطات واشتراطات الخارج في تشكيل حكومة مشتركة مع أطراف أفغانية متعددة، كما كان يصر الخارج، فظهر أن الرضوخ للأمر يعني استجابة لضغوطاته، وهي التي قاومته عسكرياً لعقدين، فالقبول به قد يخلخل القواعد الاجتماعية الطالبانية.

الجميع الآن بانتظار معرفة فترة ما بعد المرحلة الانتقالية، وشكل النظام السياسي الجديد الذي سيرافقها، وإن كان المتوقع على ما يبدو هو نفس نظام الإمارة الأولى، المتشكل من  أمير للمؤمنين، ومجلس أهل الحل والعقد أو (اللويا جركا) في العرف الأفغاني، ودونه الحكومة الأفغانية الحالية أو شبيهة بها كسلطة تنفيذية، لكن تظل تحديات كثيرة داخلية وخارجية تنتظر الحكومة المقبلة، ويبقى أمر تعامل طالبان معها بحاجة إلى مقال آخر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد موفق زيدان
إعلامي في شبكة الجزيرة، ومؤلف كتاب صدر حديثاً "صيف أفغانستان الطويل"
إعلامي في شبكة الجزيرة، ومؤلف كتاب صدر حديثاً "صيف أفغانستان الطويل"
تحميل المزيد