من المفترض أن تغلق مكاتب التصويت في الانتخابات المغربية، ويتم بدء فرز النتائج الأولية لثلاثة استحقاقات انتخابية، أصر المغرب على أن يجريها في يوم واحد، تعبيراً منه عن أجواء الاستقرار السياسي التي يعيشها، وسط مناخ إقليمي مشوب بالتوتر والشك وعدم الاستقرار.
لماذا الانتخابات المغربية مختلفة هذه المرة؟
التحولات التي عرفها النظام الانتخابي ستُحدث تأثيراً كبيراً على الخارطة الانتخابية، فاعتماد قاسم انتخابي على أساس عدد المسجلين، وليس على أساس عدد المصوتين كما كان في السابق، وإلغاء العتبة، وحذف لائحة الشباب، وعدم الانفتاح على مقترح تمثيلية المغاربة المقيمين بالخارج، وتوسيع الاشتغال بنمط الاقتراع الفردي في الدوائر التي تقل عن 50 ألف نسمة، كل ذلك سيجعل اعتماد مرجعية انتخابات 2016 في توقع النتائج الحالية أمراً غير دقيق وربما مضللاً.
فاعتماد القاسم الانتخابي الجديد سيضع حداً لفوز الأحزاب بأكثر من مقعد واحد في الدائرة الانتخابية، ومعنى ذلك أن الأحزاب التي كانت تحظى بمقاعد عديدة في الوسط الحضري (المدن التي تعتمد نمط الاقتراع اللائحي) ستكون معرضة لنقص نسبة مهمة من مقاعدها، حتى ولو احتفظت بنفس الأصوات، وذلك يعني أن حزب العدالة والتنمية، وهو الذي كان يكسب أكثر من غيره من نظام اللائحة، ومن القاسم الانتخابي القديم باعتماد العتبة سيفقد ما بين 20 إلى 35 مقعداً جرّاء تبني هذا النظام الانتخابي الجديد، كما سيفقد أيضاً جزءاً من المقاعد التي كان يكسبها في لائحة الشباب.
أما بالنسبة للائحة النساء التي تم تحويلها من الدائرة الوطنية إلى الجهوية، فمؤكد أن الخسارة ستصيب بشكل نسبي بعض مقاعد العدالة والتنمية، كما ستصيب مقاعد الأحزاب الكبرى المتنافسة، أي أننا في المحصلة إذا اعتمدنا نمط الاقتراع الجديد بجميع ملابساته وحيثياته، ستفقد الأحزاب الكبرى بعض المقاعد، وسيخسر العدالة والتنمية الذي حقق في انتخابات 2016، 125 مقعداً، ما بين 25 إلى 35 مقعداً.
العدالة والتنمية؟
حزب العدالة والتنمية لا يزال يحتفظ بقاعدة انتخابية قوية، رغم أنه فقد جزءاً كبيراً منها بسبب تدبير القيادة السياسية للمرحلة، وبسبب افتقاده لخدمات أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران، الذي كان يمثل قوة تواصلية رهيبة، نجحت في أن تكسب الحزب الفوز في استحقاقين انتخابيين سابقين في 2015 و2016، وأيضاً بسبب فقدانه لجزء من تماسكه التنظيمي إثر الخلافات الداخلية التي اخترقت القيادة القاعدة على السواء.
هذه الاعتبارات كلها، التي تؤكد فرضية تراجع مهم في مقاعد العدالة والتنمية مقارنة بنتائجه سنة 2016، لا تعني بالضرورة أن العدالة والتنمية خرج من المنافسة، فمشكلة الأحزاب المنافسة أنها لا تتمتع بقاعدة صلبة من المناضلين الذي تمحوروا على رؤية إصلاحية ومشروع سياسي، فباستثناء فيدرالية اليسار والحزب الاشتراكي الموحد اللذين ينتميان إلى اليسار، ويرتكزان على رؤية أيديولوجية ومشروع سياسي، وقاعدة مناضلين، ولو محدودة، فإن الأحزاب الأخرى أصبحت أشبه ما تكون رهينة للأعيان، بما في ذلك الأحزاب الوطنية التي تخلقت من رحم الشعب، وأملَت عليها ضرورات تغطية الدوائر الانفتاح على الأعيان، حتى وجدت نفسها رهينة لهم.
المخزن
الأحزاب الإدارية، القريبة من السلطة، أو التي صنعت بإيعاز منها في محطة من محطات تدبير الصراع السياسي مع القوى الوطنية والديمقراطية لا تملك أي خزان نضالي، ومن ثمة فوسيلتها في المنافسة هو الأعيان وسلطة المال، وتوظيف الإعلام والدعاية الواسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك توظيف رجال الفن الذين اضطروا بفعل تدهور وضعيتهم الاجتماعية إلى المشاركة في الدعاية الانتخابية لبعض الأحزاب المعروفة، بحضور وازن لرجال الأعمال فيها.
بالنسبة إلى مؤشر التغطية للدوائر، والذي في العادة ما يعتمد على توقع النتائج، فالأحزاب المرشحة للفوز، أي العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، كلها نجحت في تغطية 92 دائرة انتخابية برلمانية.
المدن الكبرى والريف
في المدن الكبرى هناك يقين بأن حزب العدالة والتنمية لن يحافظ على نتائجه السابقة، والأرجح أنه قد يخرج من هذه الانتخابات بكسب مقعد في كل دائرة، لكن في المدن الوسطى ثمة شك في أن يحصل فيها كلها على مقعد، بما يعني أن المنافسة ستكون شديدة بين الأحزاب الكبرى، وأيضاً بعض الأحزاب الصغرى، التي قد تفوز ببعض المقاعد وتعمق الفرز الفارق بين هذه الأحزاب الكبرى.
في البوادي (الأرياف) وفي دوائر الأقاليم الجنوبية الصحراوية، وأيضاً في بعض دوائر منطقة الريف سيكون الأمر معقداً، لأن انتخابات 2016، التي حقق فيها العدالة والتنمية اختراقات مهمة وغير مسبوقة في مساره الانتخابي والسياسي تختلف بشكل كبير عن هذه الانتخابات التي يدخلها وهو محروم من عدد من نقاط القوة التي كان يتمتع بها في السابق.
مناطق الاقتراع الفردي
في المناطق التي تعتمد نظام الاقتراع الفردي، ستكون النتيجة محسومة لفائدة الأعيان، فتجربة الانتخابات التشريعية الجزئية السابقة في الرشيدية، أكدت عودة البنيات التقليدية القبلية، وتراجع المنطق الحزبي في تأطير الحياة الانتخابية، أي أن نظام القبيلة والقرابة والعلاقات الفردية ستكون حاسمة، ولن يكون للحزب السياسي وبرنامجه ورؤيته أي دور مهم في حسم النتائج في هذه المناطق. ولذلك من المرجح أن تخرج الأحزاب الإدارية، وبعض الأحزاب الوطنية التي تسلحت هي الأخرى بمنظومة الأعيان، بكسب كبير في هذه المناطق، بخلاف العدالة والتنمية، فسيعرف خسارة مهمة فيها.
أحد قياديي العدالة والتنمية استبق النتائج وتوقع فوز حزبه في المدن أو في المناطق التي تعتمد نظام الاقتراع اللائحي، وهو استنتاج صحيح، لكن مضمونه يخفي شيئاً مهماً، وهو المناطق الأخرى التي لا تعتمد هذا النمط، وما إذا كان الحزب على يقين أنه لن يعيد تجربة 2015 و2016 في هذه المناطق.
من سيفوز؟
تركيب هذه المعطيات، أو هذه التوقعات المبنية على حيثيات تتعلق بنظام الانتخابات وطبيعة الأحزاب وسماتها ومؤهلاتها يفيد بأن الدوائر الحضرية لن تحسم النزال، وإن كانت ستعطي فرزاً نسبياً لصالح العدالة والتنمية.
في الدوائر التي ستعتمد نظام الاقتراع الفردي ستحقق الأحزاب الإدارية وعدد من الأحزاب الوطنية المدعومة بمنظومة الأعيان نقاطاً مهمة، وستكون حظوظ العدالة والتنمية محدودة فيها، بسبب تراجع الثقافة السياسية، وعودة البنيات التقليدية والقبلية.
في الأقاليم الجنوبية الصحراوية ومنطقة الريف سيكون من الصعب جداً على حزب العدالة والتنمية أن يحصّن مكتسباته السابقة، وبالكاد يمكن أن يحصل نصف ما حصله في انتخابات 2016، وسيكون مجال التنافس محتدماً بين ثلاثة أحزاب: هي الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة.
الأرجح أن الأحزاب الأربعة المتنافسة، بما في ذلك العدالة والتنمية، لن تتعدى 80 مقعداً، وأن الفارق بينها لن يكون كبيراً كما كان في السابق، والتقدير الذي ترجحه المعطيات السابقة أن حزب العدالة والتنمية سيواجه بشكل صعب تحدي المحافظة على صدارته للمشهد السياسي، لاعتبارات تخص تغير النظام الانتخابي، وتراجع منسوب الجاهزية الداخلية بسبب تأثيرات الخلاف القيادي، وبسبب التراجع "السياسي" وعودة البنيات التقليدية، وبسبب سلطة المال التي وقع قدر كبير من التوافق على أنها أصبحت ظاهرة هذه الانتخابات بدون منازع.
التقدير في ظل الشروط الراهنة أن مقاعد العدالة والتنمية ستكون محصورة بين 60 و70 مقعداً، هذا إن لم تعد مرحلة البت في الطعون حيثيات الخارطة برمتها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.