فجراً، في يوم الإثنين الموافق 6 سبتمبر/أيلول، قام ستة أسرى فلسطينيين بعقد صفقة مع الشمس، بأن تتأخر قليلاً حتى يخرجوا من النفق، ليشاهدوا هيبتها من جديد بعد أن حرمهم السجن المؤبد منها.
من سجن جلبوع في بيسان، قام ستة أسرى فلسطينيين (زكريا الزبيدي، ومناضل نفيعات، ومحمد العارضة، ومحمود العارضة، ويعقوب قدري، وأيهم كمامجي) صباحاً بلطم خد المحتل وتوجيه سخرية العالم لهم، بعد أن أذاعوا أن سجن جلبوع المبني بعد الانتفاضة الثانية بأحدث التقنيات وأشرس الأساليب لفرض الحبس والعزل لا يمكن كسر أمنه، تبدّدت هذه الأسطورة صباحاً، ليستيقظوا على هلع أجهزة الشرطة والجيش والمؤسسات الأمنية والكثير من علامات السؤال والحيرة، فكيف لأفرادٍ عُزل أن يهربوا من داخل السجن الذي لا يدخله الهواء إلا بعد إذن السجان؟ يقول وزير الأمن الداخلي إن الحدث الأمني اليوم يعد فشلاً هندسياً كبيراً، فالزنازين مبنية على أعمدة، أي أن هناك فراغاً بين أرضية الزنزانة وسطح الأرض، ما سهل على الأسرى عمليات الحفر.
وكما هو الشارع الفلسطيني لا يعرف إلا المفاجآت بين استشهاد وأسر وحرية، وكما هي العادة بخروج أسير تقام الاحتفالات، وبيوت الاستقبال، صارت كل شوارع جنين عرساً، ويقف الكل مهنئاً للكل، موزعين "الهريسة" أشهر حلويات جنين لعابري الطريق. جنين التي لا تعرف المهادنة، ولا وترضى بأن تصاغ بمعادلة، ودائماً ما تعيد صورة الفلسطيني المقاوم من جديد، فكانت أول وجهة لأصحاب الحرية.
كل الاحتمالات واردة حتى اللحظة، فجيش المحتل بدأ بحملات التفتيش ولو اضطره الأمر لأن يشتبك مع المخيمات والقرى والمدن في سبيل إيجادهم من جديد لإعادة الهيبة لصورته أمام مواطنيه، خاصةً بعد حالة الاستهزاء والخوف التي ظهرت في الإعلام العبري من قبل الصحافة والمعارضين للحكومة الإسرائيلية.
فالصحفي الإسرائيلي ماندي ريزل يتساءل: هل تم بناء برج المراقبة هذا في سجن جلبوع كـ"منظر"؟ قاصداً السخرية من إمكانياتهم التي بدت سطحية للغاية.
أياً كانت الاحتمالات بعد خبر الهروب فالمعنى أسبق من الفعل ونتيجته، فمعنى ما يحصل عظيم في نفوس الشعب الفلسطيني أولاً وفي نفوس المحتل، صورته التي لا تُكسر نراها تُكسر كل يوم، فما بين هزيمة القبة الحديدية قبل أشهر، وهزيمة سجونهم الضخمة يتجدَّد معنى الحرية والاستمرارية، وأن هذا الشعب حمّال ويقاوم ولو حفر بأسنانه وأظافره.
الاحتلال يخاف من المعنويات التي ترفع كل مرة ومن جديد، حداثة السلاح دائماً في صفه، لكن المعنويات والأمل دائماً في صف الفلسطينيين، فالمعركة ليست بالأسلحة وحدها، وإنما فيما تعنيه الخسارة لكيان غربي محتل مدجج بالسلاح أمام أفراد عزّل مسجونين مكبلين لا يملكون سوى ملعقة لحفر أمتار في نفق والخروج من ذلك السجن الضخم.
سيحفظ التاريخ هذا الحدث جيداً، وستُروى القصة بكل ذهول تحت عنوان: "ستة فلسطينيين أخرجوا الشمس من النفق ذات صباح".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.