بين السنة والشيعة والمسيحيين.. ما هو الأصل التاريخي للأزمة في لبنان؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/07 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/07 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
الرئيس اللبناني ميشيل عون/ رويترز

يدفع الشعب اللبناني مع كل أزمة تعصف بكيانهم الثمن الأغلى، وكثيرةٌ هي الأزمات التي تمر عليهم، حتى كادت المئة عام التي مرت على تأسيس البلد تخلو من سنة استقرار واحدة، من دون أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهنا يسأل الكثيرون هل مشكلة لبنان في نظامه؟

بدايةً في محاولة للإجابة وانطلاقاً من تحليل الأزمة الحالية في تشكيل الحكومة، التي تحمل في طياتها صورة عن أزمة النظام اللبناني الطائفي المتكررة، وبدايةً مع الجملة الأكثر حضوراً على طاولة الساسة في لبنان، وهي الصراع على الصلاحيات، دعونا نتعرف على الوضع بشكل تأسيسي.

الماضي

تعيش الطوائف في لبنان صراعاً حول مَن يحكم؟ من يملك القوة؟ من يستطيع فرض رؤيته على الآخرين. تاريخياً اعتبر المسيحيون أنفسهم أم الصبيّ، أي أن الفضل في وجود الكيان اللبناني يعود إليهم، ولذلك فهم الأحق بالحصول على أوسع صلاحيات ومراكز في النظام اللبناني، وكان المسلمون السنة الذين قادوا الرأي الإسلامي الرافض لإنشاء لبنان، عندما وصلوا لقناعة أن الكيان اللبناني أصبح حقيقة ولا يستطيعون الهرب منها، وجدوا أنفسهم متأخرين في تحصيل المراكز والصلاحيات، معطوف عليهم شعورهم بأنهم يشكلون العدد الأكبر من الشعب اللبناني فزاد عندهم الشعور بالغبن والظلم، وهو الأمر الذي قاد في نهاية المطاف إلى الحرب الأهلية سنة 1975، ليتم ترجمتها عند نهايتها بسحب صلاحيات واسعة من رئاسة الجمهورية وإعطائها لمجلس الوزراء، وذلك فيما يعرف باتفاق الطائف، وهو الأمر الذي اعتبره المسيحيون انتكاسة لهم وصلاحيات تم اغتصابها من قبل السنة.

في مرحلة رفيق الحريري حاول عبر حنكته السياسية استيعاب هذا الشعور عبر مبدأ "وقفنا العد" ومبدأ "المناصفة"، بمعنى أنه حتى لو أصبح المسلمون بأعداد كبيرة جداً وتراجعت أعداد المسيحيين، سيتم حفظ حقوق الطوائف عبر مناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المراكز.

الحاضر

وصول ميشال عون إلى سدة الحكم كانت مقدمة لاستفحال الأزمة الأساسية في لبنان، أزمة النظام الطائفي، فهو كان من المعارضين الأبرز لاتفاق الطائف، وهو من رفع عناوين سياسية طائفية، تارة عن صلاحيات المسيحيين وتارة أخرى دفعاً أو مطالبة باستعادة المراكز المسيحية في الدولة، ولم يلبث صهره في الأخذ بالمبادرة وقيادة المعارك التي اعتبرها تحصيل وتحصين حقوق المسيحيين، حتى وصل الأمر إلى إيقاف الكثير من مراسيم التوظيفات تحت عناوين المناصفة، ومنها على سبيل المثال مرسوم حراس الغابات، حيث تم إيقافه لأن عدد المسلمين أكبر من عدد المسيحيين.

هذا النفس في حُلم العودة إلى حكم يكون الرئيس فيه هو القائد الأعلى بصلاحيات واسعة، لا بد أن يصطدم بمركز رئاسة الحكومة، فيتحول الصراع إلى صراع بين الموارنة والسنة، بالمقابل تحضر على طاولة المفاوضات في تشكيل الحكومة حصص الطوائف فتحصل كل طائفة على عدد معين من المقاعد على مبدأ المناصفة، فيما تتفاوت الحصص بين أبناء الطوائف طبقاً لأعداد المذاهب فيحصل الموارنة على العدد الأكبر يليهم السنة والشيعة ثم الدروز وهكذا.

الصراع الأساسي للطوائف على الوزارات يفضح رائحة النظام اللبناني، ففي بلد حكام الطوائف يصبح الوزير فيه ممثلاً عن الطائفة في الدولة فتتحول الوزارة إلى شيء لا يشبه أي وزارة في العالم، وكثيرة هي الوزارات في لبنان التي تحولت مع الوزير إلى أكثرية موظفين ينتمون إلى طائفته أو مذهبه، أو عبر احتلالها بجيش من المستشارين الذين يحيطون به بناءً على توصية حزبية أو طائفية، يرث البعض منهم من خليفته ويأتي بالبعض الآخر في عهده.

ووصول وزير من طائفة معينة إلى الحكم تعني في لبنان وزيراً يرى بعين واحدة، يشاهد ما يطلب منه أن يشاهده، وأما أي تجاوزات أو استغلال فلا تراه العين المغمضة، لذلك نشهد هذا الاستفحال في القتال على المقاعد وعلى الحصص، ففي دولة تكاد تتصدر سلم الفساد الإداري في العالم لا نجد وزيراً أو مديراً تمت محاسبته بتهمة فساد! حتى انفجار بضخامة انفجار مرفأ بيروت ومع مرور سنة على الكارثة نشهد هذا الخجل في المحاسبة خوفاً ومراعاةً للطوائف، ووزير الصحة لا يستطيع مكافحة محتكر شيعي للدواء مثلاً، دون مكافحة محتكر سني ومسيحي ودرزي -حتى لو لم يكن هناك محتكر إلا الشيعي على سبيل المثال- لأن النظام اللبناني يفرض عليه هذا المسار.

المستقبل

أزمة لبنان لم تكن يوماً أزمة حكومة، لذلك لم يستطع اللبنانيون تشكيل حكومة دون تدخل خارجي، الأزمة بالأساس أزمة نظام، أزمة نظام طائفي بغيض، لا يمكن للبنان أن ينهض دون الثورة ضده، بكل طوائفهم، واقتلاع الطائفية السياسية، فأين الخطأ أن يكون رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب مسيحيين إن كانوا أكفاء؟ وأين المشكلة أن تتشكل حكومة كلها من الدروز إن كانوا الأكفأ؟ فمن يأتي إلى السلطة بناءً على حصة طائفية سيبقى في ذهنه أنه يعمل من أجل الطائفة لا الوطن.

تشكلت الحكومة أو لم تتشكل، حصلت الانتخابات أو لم تحصل، انتخبنا رئيساً أو لم ننتخب، إن لم يتغير النظام الطائفي اللبناني إلى نظام يحترم الجدارة والكفاءة فلا أمل في لبنان.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خالد الحج
باحث لبناني ومستشار سياسي
باحث لبناني ومستشار سياسي
تحميل المزيد