هل اعتماد الحدس والمشاعر هو الطريقة المثلى لاتخاذ قراراتك المهمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/06 الساعة 10:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/07 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش

يبدو أن جائحة كورونا أعطت العلماء نافذة على الطبيعة الإنسانية، ففي دراسة جديدة  من الجامعة الوطنية الأسترالية وجد الباحثون أن الذين يصدقون نظرية المؤامرة في موضوع كورونا يتميزون باتخاذ القرارات بناءً على شعورهم الداخلي أو حدسهم وليس على استخدام التفكير التحليلي. 

ويرى الباحثون أن التحليل والتمحيص شيء صعب لذلك يميل الناس وخاصة في حالة التعب لسهولة اتباع ما تمليه عليهم بديهتهم واستعمال الحدس، ما يوقعهم في الخطأ الذي قد يكلفهم حياتهم.

ولكن الأنكى أن البعض قد يستخدمون مهاراتهم التحليلية لإكساب بعض المعلومات المشبوهة مصداقية غير موجودة حقيقة.

وأذكر أنني عندما كنت أدرس الماجستير أخذت مقرراً في علم صناعة القرار، وقد شدني الموضوع ولفت انتباهي؛ فاتخاذ القرار بالنسبة للإنسان من أهم إن لم يكن أهم عمل يعمله الإنسان، والحقيقة أن حياتنا ما هي إلا سلسلة من القرارات التي نتخذها ونمضي بمقتضاها وتشكّل مستقبلنا بل حياتنا كلها، ولم أكن أعلم بوجود فرع علمي مخصص لهذا الفن يتضمن استعمال أدوات متقدمة في الرياضيات وعلم الإحصاء وعلم النفس.

وقد تفاجأت حين قال الأستاذ في معرض تقديمه للمادة إنه حسب الإحصاءات فإن المديرين الذين يتخذون القرارات بناءً على  حدسهم يخطئون أكثر ممن يتخذ القرار بعد دراسة ومعاينة الأدلة والظروف المتعلقة، فقد كنت حتى ذلك الحين أظن أن التصرف حسب ما يمليه الشعور الداخلي أو الحدس هو الطريقة المثلى، ولكنني بعد التفكير في الموضوع اتضحت لي الصورة أكثر وفهمت ضرورة التقصي والبحث. بالمناسبة فإن القرآن الكريم يقرّ ذات المبدأ "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، فالحقائق الكونية والأدلة هي المعول عليها وليس الشعور الذي قد يخطئ ويصيب، ولكن هل هناك دور يمكن للحدس أن يلعبه؟

في الواقع فإن معظم قراراتنا تنتج بشكل آلي بناءً على شعورنا في تلك اللحظة وهي طريقة عملية عندما لا يكون هناك نتائج هامة تترتب على مثل تلك القرارات فليس عملياً أن ننخرط في عملية تحليل معقدة لاختيار المشروب مثلاً كما أن هناك حالات استثنائية يجب فيها اتخاذ قرار آني ولا وقت فيها للتحليل، وأحياناً قد يكون شعورنا مؤشراً على إغفال جانب مهم لم يحظ بالعناية الكافية عند جمع المعلومات لاتخاذ القرار. 

وتشير الدراسات إلى أن الدماغ يطور نماذج وتصورات معينة من الخبرات التي يمر بها الإنسان، وتصبح هذه النماذج أساس الرأي الذي ينتج بشكل آلي وهو في الغالب مشوب بالعواطف المختلفة، ومن الممكن تطوير هذا الجانب بالتدريب على حالات متعددة مختلفة مثل التدريبات التي يجريها القادة العسكريون وغيرهم يستطيع معها العقل الباطن بناء نماذج أفضل، كما أن إدراك نوع العواطف التي ترافق كل حالة يعطي هذا الحدس فرصة أكبر للصواب، وقد نُقل عن الإمام عليّ كرم الله وجهه قوله: "ظن العاقل أصح من يقين الجاهل". 

ولعل أشهر وأخطر قرار إنساني اتخذ هو قرار آدم بالأكل من الشجرة التي نُهِيَ عنها، ورغم أن الله حذره من الشيطان فإنه وقع في الفخ لأكثر من سبب أولهما أن اقتراح الشيطان توافق مع هواه وأمنيته بالخلود والملك الذي لا يبلى، وعندما تتوافق المعلومات مع ميولنا وشهواتنا نتخفف من التقصي والتحليل، لأننا نرغب في أن يكون الأمر صحيحاً، بل ربما بحثنا عن مبررات ومعلومات تخدم تطلعاتنا وتدعم توجهنا، وهذا يعني أننا تخلينا عن شرط التجرد الضروري لاتخاذ القرار الصائب وأصبح احتمال الجنوح عن الصواب وارتكاب الخطأ كبيراً. 

أما الأمر الآخر فهو أن الشيطان أقسم له ولزوجه أنه من الناصحين، وهنا لم يتصور آدم أن يقسم الشيطان كذباً، فهو معدوم الخبرة في تلك المرحلة من حياته، وهذا يعني أن الإنسان بطبيعته ميال للخطأ أو الوقوع ضحية للاحتيال أو الاثنين معاً، ولكن المهم هو ماذا يفعل إذا حدث ذلك -وهو حاصل لا محالة- هل يتحمل مسؤولية الخطأ وهي أول خطوة وتعكس نفسية سليمة ونضجاً أخلاقياً، ثم هل يسارع في التصحيح ويستفيد من فرصة التعلم؟ أم أنه يتبرأ من الخطأ ويلقي باللوم على الآخرين أو الظروف، وعندها يتجمد في مكانه دون تحقيق أي تقدم فهو لم يخطئ ولذلك ليس هناك داعٍ لأي تغيير. 

وأظن أن الاختبار الذي وضعه الله لآدم لم يكن مقصوداً به نجاحه في عدم الأكل من الشجرة، ولكن الأهم هو كيفية معالجة ذلك الخطأ لأن حياته على الأرض سيكون فيها الكثير من الخطأ، وإذا لم يعرف كيفية التعامل الصحيح مع الخطأ فلن يتمكن من تحقيق عمارة الأرض. ومن هذا المنظور فإن آدم نجح بشكل باهر بينما فشل الشيطان فشلاً ذريعاً.

ولعل من المفارقات العجيبة أنه قبل عصر الإنترنت كانت المعلومات شحيحة والحصول عليها صعباً وشاقاً، في حين أنه في هذه الأيام يتوفر كم هائل من المعلومات ببضع نقرات على الحاسوب، ولكن المهم هنا ليس كمية المعلومات ولكن القدرة على تصفيتها ونخلها وإبقاء المفيد وطرح الغث، وهو ليس بالأمر البسيط أو السهل ويحتاج لبذل جهد كبير وربما إلى أدوات ومهارات قد لا تكون متوفرة للجميع. 

لذلك يمكن القول إننا أصبحنا أكثر عرضة للوقوع ضحايا المعلومات المضللة، ومن ثم اتخاذ قرارات خاطئة، لذلك علينا أن نزود أنفسنا بالأدوات اللازمة والمهارات الضرورية وأن نراقب ميولنا وشهواتنا ونحاول تحييدها لنستطيع الوصول للحكم الصحيح.

المعرفة الكاملة غير متاحة لنا نحن البشر، ولكن المتاح لنا هو أن نجتهد في طلب الحقيقة، وقد نقع في الخطأ أحياناً ولكن الوقوع في الخطأ شيء إنساني، وعادةً ما يكون طريق التطور والنمو.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نبيل الطرابيشي
حاصل على دكتوراة في الهندسة الميكانيكية
حاصل على دكتوراه في الهندسة الميكانيكية، أستاذ جامعي ومهندس بحث في صناعة السيارات ولديه عدد من براءات الاختراع، عضو مؤسس لجمعية المهندسين السوريين الأمريكيين.
تحميل المزيد