نحن نعيش عالماً مليئاً بالمتناقضات، وأتعجب حقاً من هذا التناقض الذي يسكن مجتمعاتنا العربية تجاه المرأة التي سبق لها الزواج وانفصلت عن زوجها فصارت مطلقة؛ ذلك التناقض الذي يظهر في اللحظة التي يصبح الأمر فيها قريباً منا. الجميع يمتلّك الفلسفة والحكمة تجاه الأمور فقط طالما لم يختبر قناعاته تجاه المواقف.
نحن مجتمع تحكم بعض أطرافه الرغبة وتسوقه الشهوة تجاه الأشياء والمواقف، ومن أكثر هذه الرغبات هي المرأة؛ إذ يتعامل البعض معها وكأنها سلعة علينا الحصول عليها مهما كلفنا الأمر؛ لذلك يحاول ذلك البعض بكل ما أوتي من قوة الإيقاع بامرأة داخل شباكه، التي نظن أنها طوق النجاة الوحيد لهن. وتبقى المرأة التي سبق لها الزواج هي أكثر الرغبات التي يريد بعض المرضى من الرجال الحصول عليها.
وعلى الجهة الأخرى، قرأت ذات مرة رأياً ذكورياً يقول: نصيحة للرجال: "لا تتزوج مطلقة!"، حياتك ستصبح دماراً، ومهما تفانيت بالإدارة وأكرمتها بالحب والعطف والحنان لن تكون لك قيمة، إنما أنت مثل الراعي الذي يرعى الغنم، حتى الزوجة لن تراك الزوج المثالي مهما كنت ودوداً ومحباً وعاشقاً لها، المطلقة ولها أبناء لا تصلح للزواج.
يعتقد هذا النوع من الذكور أن المرأة التي سبق لها الزواج وانفصلت عن زوجها تطالها الشبهات أينما كانت، وأنه لو كانت تلك المرأة تصلح لبناء أسرة لَما تطلقت من زوجها الأول، خاصة ونحن في مجتمع يعتقد أن المرأة دائماً هي السبب في الطلاق من الرجل، مهما كانت التبريرات، وحتى لو كانت مظلومة.
إننا نتاج موروث اجتماعي مكون من عادات وتقاليد وأفكار مغلوطة، جاء ذلك نتيجة الدافع البشري الذي يقبل بشيء وفي المقابل يرفضه غيره، فمثلاً نجد الكثير من الأسر التي تريد أن تبحث عن عريس لابنتهم التي سبق لها الزواج، وفي المقابل تريد لابنها أن يتزوج من فتاة بكر، وإن أراد أن يتزوج بامرأة منفصلة لا يحق له هذا، وتبدأ التساؤلات تهاجمه "أنت يا بني ليه تعمل في نفسك كده؟ هو أنت ناقصك حاجة تخليك تدور على واحدة مطلقة؟ ما البنات اللي متجوزوش قدامك كتير"!
لكن لو احتكمت هذه الأسرة إلى صوت العقل والدين لوجدت رسول الله، عليه أفضل الصلوات والتسليم، لم يتزوج بكراً إلّا السيدة عائشة، وكل زوجات الرسول قد سبق لهن الزواج من قبل، ألم يقل محمد عليه الصلاة والسلام عن السيدة خديجة "إني رزقت حبها" والتي سبق لها الزواج وتكبره بأعوام؟
قالت لي إحداهن: بعض الرجال يتعاملون معنا وكأننا فريسة لا بد أن يحصلوا عليها، يروننا كغنائم حرب ونحن المكسب الوحيد لهم فيها.
نتعامل مع المرأة وكأنها سلعة تقاس بأطماع الرجل، وأن لكل امرأة ثمناً مادياً يمكننا أن ندفعه في المقابل للحصول عليها. هناك من يحمل المال فيظن أنه يستطيع أن يشتريها به، وهناك من يحمل الوهم فيعتقد أنه يسيطر على احتياجاتها.
أتذكر قول صديق عندما أراد أن يتزوج للمرة الثانية: "أنا شايف إن أنسب حاجة الواحد يدور على واحدة مُطلقة.. عشان مدوشّي (حتى لا أشغل) دماغي بمطالبات الجواز، وهي كده كده مش هتعوز أكتر من إن حد يستر عليها وتكمل حياتها معاه".
نحن نعيش في مجتمع تحكمه الرغبة والطمع، ولعل هذا ميراث البشرية منذ قديم الأزل، منذ اللحظة التي أراد فيها قابيل زوجة أخيه هابيل فقتله.
هل شرع الله الطلاق ليجعل منه وسيلة أم عقاباً حتى نحاسب المرأة التي سبق لها الزواج بالعقاب لأنها قررت الانفصال عن الرجل؟ فنرى المجتمع يشجعه على الزواج مرة ثانية وأنه يحق له هذا وأن الدنيا لا تقف على أحد، بينما نرى هذا المجتمع ذاته الذي يعاقب المرأة عن انفصالها ويشير إليها بإصبع الاتهام وأنها السبب الرئيسي وراء خراب البيت.
لكن يبقى السؤال: هل شرع الله الطلاق حتى يصبح الأداة التي يستغلها بعض المرضى لتحقيق شهواتهم؟ حاشا لله أن يكون الطلاق هكذا، فلقد شرعه الله للحفاظ على النساء والرجال، الطلاق الذي شرعه الإسلام أشبه ما يكون بالعملية الجراحية المؤلمة، التي يتحمل الإنسان العاقل فيها آلام جرح، بل بتر عضو منه، حفاظاً على بقية الجسد ودفعاً لضرر أكبر.
في نهاية الأمر.. يبقى الزواج الحقيقي أكبر من مجرد الشهوة والاحتياج، وبعيداً عن الرغبات والحصول عليها، فالشهوة عمرها قصير، تنتهي بمجرد الحصول عليها، لكن يبقى الزواج هو التفاهم والألفة التي يخلقها الله بين القلوب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.