"وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
في ديننا الحنيف الزواج هو السكن، وسبب المودة والرحمة في قلوب المتزوجين، والميثاق الغليظ، وفي الروايات هو النهاية السعيدة التي تنص على أنه قد تزوج البطل من البطلة أخيراً، و"عاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات" -كما نقول في مصر- تأكيداً على أن الزواج أحد أسباب سعادة الإنسان وأنها الغاية التى ترجوها الأنفس وتسعى إليها لإعمار الأرض وإسعاد النفس بوجود شريك لها في هذا العالم.
ولكن الآن حين تسمع كلمة الزواج في حديث عابر، آخر ما قد يخطر ببالك هما المودة والرحمة، والسكينة الوحيدة التي قد تستحضرها في ذهنك هي سكين المطبخ التي سيقوم بتحويل جسدك إلى أجزاء متفرقة لتوضع في أكياس بلاستيكية تستقر في أحد صناديق القمامة إلى أن يكتشف أحد بالصدفة أمرها.
أصبحت القاعدة الأكثر عموماً هي فشل الزيجات وتشرد الأسر بين قاعات محكمة الأسرة أحياناً، والمحاكم الجنائية ومنصات الإعلام أحياناً أخرى.
كيف حدث هذا التحول المخيف؟
أظن أن الإجابة تكمن في تصوراتنا عن الزواج من البداية، فالفتاة التي تنتظر فارس الأحلام القادم على حصانه الأبيض وفي يديه خاتم سليمان ليلبي جميع طلباتها حين تصطدم بالواقع، وتستيقظ من أحلامها بعد حفل تتويجها كملكة -كما كانت تظن- تجد نفسها لا تزال فتاة عادية تزوجت منذ أشهر، وأحلامها لم تحقق بعد، وفارس أحلامها سقط عن حصانه وذهب إلى عمله ليكسب قوت يومهما.
تعتقد أنها قد تعرضت لعملية خداع كبرى جعلتها تترك بيت أهلها ومحبتهم وتحمل هي مسؤولية بيت على عاتقها، وحين تدرك فيما بعد أنها تزوجت من إنسان عادي ليس بطلًا خارقًا لديه القدرة على حل جميع المشاكل، بل إنه بشري يخطئ ويصيب لديه مشاكله الخاصة وأحلامه التي يرجو تحقيقها تجد أن العيش أصبح محالاً هكذا، لقد خابت آمالها وتحطمت أحلامها، وتتحول حياتهما إلى حربٍ كبيرة يخسرها كلاهما وتزيد حالات الطلاق بيننا.
ثم بعدها تحذر الفتاة بقية الفتيات من خيبة الأمل والطموحات المحطمة، ويحذر الشاب بقية الشباب من عدم تحمل فتيات هذا الجيل للمسؤولية وانعدام ولائهم ليزداد الهلع بين الجنسين من الفكرة بأكملها، وننسى أننا لسنا بذلك الشاب ولا تلك الفتاة، كما أن الزواج ليس العصا السحرية لتحقيق الأحلام ولا الإسفنجة الخارقة التي ستمتص جميع متاعب الحياة وكأنه تذكرة للنعيم فحسب.
والمثال السابق يخلق لنا تصورات أخرى تناقض حالة سندريلا والأمير الذي كان لابد له من تحقيق أحلامها إلى الشاب الوضيع الذي يعتقد أن الزواج مشروع وُجد لأجل راحته وخدمته، فلا يحتاج إلا ليتزوج من فتاة تتولى أمور منزله بالكامل وليس عليه سوى أن يؤمن لها المال فقط.
وجهة نظره ووجهة نظرها
فمن وجهة نظره من المفترض أن يكون للمرأة قدرات خارقة تجعلها طوع أمره وأداة مثالية لتدبير منزله وليس عليها أن تقوم بغير ذلك، وحين تجلب له أمه الفتاة المناسبة التي ستقوم بدور أمه في حياته كما يعتقد وتبدأ الحياة بينهما، يجد أن كفاءتها كآلة متعددة الوظائف ليست مثل توقعاته، ويكتشف أنها لا تتعلم في بداية حياتها كزوجة ما تعلمته أمه في سنين زواجها وتربيتها له، كما يرى أنها ليس من حقها أن تشكو أو تتذمر أو تبدي رأيها في أي شيء يتعارض مع كلمتَي نعم وحاضر، فلم تشتكِ أمه من تحملها لها طوال هذا العمر؛ لتبدأ الحرب من جديد وتستأنف محاكم الأسرة عملها وقد يتعدى الشاب على آلته بالضرب علها تعمل مجدداً كما يفعل مع الأشياء من حوله.
فتعود الفتاة المقهورة لتحكي قصتها وتخبرنا بآلام تجربتها المريرة لنتعظ ونخشى أن نخوض نفس التجربة، ناسين مجدداً أن الجميع ليس هذا الشاب المدلل ونحن لسنا تلك الفتاة وأن الزواج يختلف كثيراً عن مكاتب توفير مدبرات المنزل وأماكن إعادة التأهيل.
وبذكر التأهيل أيضاً فلا تتصور أن الزواج سيجعل منك شخصاً غير الذي بداخلك أو يجعل من الطرف الآخر الذي تعرفه إنساناً جديداً، فإن لم ترَ فيه ما يناسبك من البداية لا تنتظر حتى النهاية أملاً في إصلاحه.
إن لم يناسبك فلان/ة فهناك غيره الذي خُلق ليناسبك، وآخر خلق ليناسبه/ا، لا تستبق الأمور فقط حتى لا نقع مجدداً في فخ خيبة الأمل لو سمحت.
هذا ما نلتقيه يومياً، لم تتسبب فيه تصوراتنا عن الزواج فحسب بل تصوراتنا عن شريك الحياة ونواياه أيضاً، عن الجنس الآخر الذي نتشارك معه التواجد على هذا الكوكب، هذه المرة باعتباره خصماً يجب أن يرضخ لنا، فنحن على نفس القدر من الأهمية وعلى نفس القدر من المسؤولية وعلى نفس القدر من كل شيء، لذلك لا ينبغي علينا أن نزكي طرفاً عن الآخر.
وننسى ككل مرة أنها ليست ساحةً للحرب ولا أرضاً محلاً للنزاع وعلى الطرف الأقوى أن يثبت علمه في رمالها، بل إن لكل منا قدراته الخاصة به في هذا العالم وطاقته القصوى التي لأجلها جعل الله شريكاً آخر يسانده حين تخور قواه، ويعاونه حين تستنفد طاقته، يطمئنه أنهما قويان معاً حتى وإن انهار أحدهما، وأنهما سعيدان في الحياة بوجود كل منهما لأجل الآخر حتى وإن زارهما الحزن يوماً، وأن أحلامهما معاً هو ما سيحققانه سوياً جنباً إلى جنب وساعداً على ساعد؛ يتكئ الضعيف فيهما على القوي ويهتدي المشتت منهما برأي الحكيم إلى أن يصلا إلى خط النهاية معاً كزوجين يتشاركان عجلة القيادة بكل حب؛ كل يعرف قدر نفسه عند الآخر وقدر الآخر في قلبه وقدرهما معاً في مواجهة هذا العالم.
فبرأيك أنت كيف انقلب الحال؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.