استعادة دار الفتوى ورحيل الرئيس عون.. كيف يعود السنة في لبنان إلى المعادلة الوطنية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/01 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/01 الساعة 11:28 بتوقيت غرينتش
نجيب ميقاتي المُكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، والرئيس ميشال عون - رويترز

الجوّ الذي يعمل الرئيس ميشال عون وصهره وحزبه على إشاعته في البلاد منذ مدة طويلة يدور حول مفهوم واحد: أهل السنة والجماعة في لبنان افتتحوا جامعات خاصة، تعطي شهادات في تعطيل تشكيل الحكومات، يحاضر فيها أبرز الاختصاصيين في مجال مصادرة صلاحيات رئاسة الجمهورية، وفرض معادلة "ما لا يحق لها يحق لنا".

أضِف إلى ذلك أن ذلك الفريق يصرّ على أن الجامعة نفسها لديها فرع خاص لتدريس الطائفية والتشدد الديني، ومن باب الجدية والسذاجة في آن ينظر الرئيس وفريقه إلى كل سُني على الأراضي اللبنانية على أنه طالب في هذا الفرع، ويكون طالباً متميزاً ومتفوقاً إذا كانت هويته الجغرافية شمالية.

والحقيقة أن عون يحاول أن يعيدنا إلى زمن المارونية السياسية الذي انقضى فيما انقضى فيه على وقع مدافعه، ودفنه بيده مع باقي الزعماء المسيحيين الذين كان يصارعهم على السلطة، وهو يريد أن يشكل حكومة في العام 2021، وفقاً لدستور ما قبل اتفاق الطائف، الذي عارضه في الأساس وحارب لإلغائه.

يدرك عون أن الزمن لا يعود إلى الوراء، وهو على يقين أن سياسة التذاكي وليّ الأذرع التي يعتمدها في عملية تشكيل الحكومة لن توصله إلى مبتغاه، إنما إلى مزيد من الهوة اللبنانية بين المسيحيين والمسلمين، على اعتبار أن طريقة تعاطيه غير السوية والمتزنة وطنياً مع رؤساء الحكومات المكلفين تباعاً شكَّلت مناسبة سنية لتوحيد الخطاب المعارض له من قبل الأحزاب والزعامات السنية على اختلاف توجهاتها.

ويُدرك أن كل المحاولات التي يتوارى خلفها لتشكيل حكومة على قياس قناعاته القديمة سيكون مصيرها الفشل، وستكون تداعياتها الوطنية كارثية، لأنها ستفسح المجال أكثر وأكثر لتقدم الخطاب الطائفي على ما عداه من خطابات، وسيرتفع بذلك منسوب الخلاف بين السنة والمسيحيين، وسنكون أمام سيناريوهات غير محمودة على الإطلاق.

لذا لا حلّ إلا برحيل ميشال عون، الذي يجب أن يدفع ثمن تعنته في عملية تشكيل الحكومة، وتعاطيه مع الرئيس المكلف على أنه موظف في قصره، بإلقاء الحرم السياسي عليه، وعدم قبول أي شخصية سنية معتبرة لتشكيل حكومة في عهده، أياً كان دورها وشكلها، فالمسألة لم تعد مرتبطة بشخص أو نهج بقدر ما هي مرتبطة بكرامة طائفة، شاء القدر أن تكون مهزومة ومحبطة على المستوى الإقليمي، لكنها لم تفقد يوماً قدرتها على الحيوية والمبادرة والفاعلية، وإن كانت رهن خيارات وقرارات شخصيات سياسية وأحزاب، تحالفت مع عون على حساب السنة لتُحافظ على حضورها ووجودها في السلطة، بذريعة الحفاظ على الاستقرار والبلاد، وإذا بالاستقرار يتحول لقنابل موقوتة متنقلة، والبلاد تفقد مكانتها لأسباب شتى، أبرزها غياب السنة عن الفاعلية الوطنية والسياسية، وإخراج لبنان عن مساره العربي، وجعله دمية فارسية على طاولة المفاوضات الإقليمية.

كلام دريان

بالأمس قال المفتي عبداللطيف دريان كلاماً، اعتبره البعض ضرورياً للحفاظ على مكانة السنة، تعليقاً منه على مذكرة إحضار القاضي طارق بيطار لرئيس الحكومة السابق حسان دياب، ورأى العديد من الكتاب والمفكرين في ذلك الكلام تمهيداً لخطوات أوسع يجب أن تؤخذ، وانطلاقاً من مظلة دار الفتوى بالتحديد، لكن هؤلاء ربما لم يتنبهوا إلى أن الأخيرة هي جزء أساسي من الخلل الكبير الذي يُصيبنا، هي التي قال مفتيها لرئيس التسويات والتنازلات: "أنا معك والمشايخ معك"، هو الذي أعطاه الشرعية السنية الرسمية للإقدام على ما ينفعه ويضرنا، لكن الدار وصاحبها لا يملكان على الإطلاق منحه الغطاء والشرعية الشعبية، التي يدرك الجميع أنها في مكان آخر.

لذا، ليس المطلوب أن نجتمع تحت مظلة الدار بقدر ما علينا أولاً استعادة الدار من سجنها السياسي، والطلب من المفتي دريان، الذي تأخر كثيراً في التحرك السياسي، أن يكون مع أهل الطائفة وفئاتها المسحوقة، قبل أن يكون مع أيٍّ من زعمائها الذين فتكوا بها وبناسها، وأن ينتصر لكرامة السنة لا للمشاريع السياسية الخاصة بممثليهم على المستوى السياسي، ولا يمكن المحاججة هنا بأن الانتخابات أفرزت هذه النتائج، لأن الانتخابات كانت بنسب متدنية جداً لا تتعدى الـ30%، وبالتالي الانتصار من قبله يجب أن يكون لـ100% وليس لأقلية لديها مطامع شخصية ومادية تقدمها على هواجس السنة وطموحاتهم.

الحل السياسي

في السياسة، الحل يبدأ من رحيل عون وسطوته الدستورية، وبالحرم السياسي والشرعي على كل من تسول له نفسه تشكيل حكومة في عهده، وداخل الطائفة يكون الحل من الدار التي يجب أن تكون جامعة، وبخطاب سيدها السني الطابع، المتظلِّل سقف الوطنية كما كانت الدار على الدوام، الخطاب المتحرر من تبعية حزبية وسياسية، المستمد قوته وشرعيته من الناس المكلومة في الشارع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى العويك
صحفي لبناني
صحفي لبناني ورئيس تحرير جريدة لبنان عربي الإلكترونية
تحميل المزيد