دعونا نتذكر ذلك التاريخ، في 21 مايو/أيار من عام 2008، في ملعب لوجنيكي موسكو، في ذلك اليوم، وفي المساء كان نهائي دوري أبطال أوروبا بين تشيلسي ومانشستر يونايتد، في أول نهائي في التاريخ يجمع بين ناديين إنجليزيين، وبقيادة المدرب صاحب أعظم سجل تدريبي في التاريخ، السير أليكس فيرغسون، كان كل مشجعي كرة القدم يجلسون أمام التلفاز ليشاهدوا النهائي الحلم.
وأكاد أجزم أن الجميع حينها كان قلبه أحمر، مشجعاً لفريق اليونايتد الذي استطاع بنجومه في ذلك الوقت جذب قلوب كل مشجعي الكرة، بل وصنع مشجعين جدد من الصغار لهذا الفريق الذي يأكل كل ما يقف أمامه في الملعب.
فاز اليونايتد حينها في هذا الوقت في مباراة صعبة أمام تشيلسي، ليحتفل الشياطين الحمر بإنجاز تاريخي بالفوز على الغريم الإنجليزي وحسم اللقب الأوروبي، ليتمكن السير فيرغسون من الفوز بالبطولة الأوروبية الثانية، ثم يتبع ذلك حسم اللقب المحلي الأصعب ليحقق منذ 2003 ست بطولات دوري، ليكون في النهاية صاحب الفضل في 13 لقب دوري إنجليزي للحمر، فيحسم المنافسة التاريخية بتفوق أمام الغريم التقليدي ليفربول وتأكيده لزعامة إنجلترا.
لكن كلما كبر مجدك كان سقوطك مؤلماً أكثر، فباعتزال السير في عام 2013 دخل اليونايتد نفقاً مظلماً وكوارث صدمت كل من ارتبط بحب هذا النادي، فكل من خلف السير كان يبدأ في تحقيق الكارثة تلو الأخرى، ومع بدء اعتزال وترك فريق الأحلام للنادي فشلت الإدارة حتى في تعويض الفريق بلاعبين يحملون قمصاناً كتبت التاريخ.
فبعد سكولز ومايكل كاريك وجدنا مروان فلايني هو من يحمل نصف الملعب في مانشستر، ثم إنفاق الكثير من الأموال للبحث عن النجوم، مثل شيفنشتايجر أو دي ماريا فالكاو أو حتى سانشيز الذي كان الأعلى راتباً في الدوري الإنجليزي، ولم يستطع تقديم ربع مستوى أقل لاعب في الدوري في هذا الوقت، وانتشرت عدة صفقات في هذا الوقت جعلتنا نشاهد نسخة من مانشستر لم نرَ أو نتخيل أو حتى لم يتخيل مشجعو منافسي اليونايتد أنهم سيشاهدون يوماً هذا الفريق الذي استطاع الفوز بكل ما يمكن الفوز به، وقد تحول إلى فريق يخسر أمام فرق متواضعة أقل من تاريخ أضعف لاعب في اليونايتد.
وغادر تشكيلةَ نهائي الحلم في موسكو لاعبٌ تلو الآخر، وبعد قدوم مورينيو بدأ الفريق في استعادة قليل من البريق وضم بعض اللاعبين الذين يمكن أن يشكلوا فارقاً ما، حتى استطاع الفريق العودة إلى ساحات الانتصار الأوروبية بالفوز بالدوري الأوروبي مع البرتغالي جوزيه.
ولكن بعد قدوم سولشاير وضع الكثير من الأمل مجدداً في قلوب المشجعين، وبعد تحقيق عدد من الانتصارات الكبيرة وظهور قوة الفريق وعودة الأسماء الكبيرة إلى التشكيل بدأ الأمل يعود تدريجياً حتى الموسم الماضي، وتحقيق المركز الثاني في الدوري بعد موسم ماراثوني أمام خصم المدينة مانشستر سيتي، لذلك عاد اليونايتد هذا العام ليحاول التدعيم ووضع اللمسات الأخيرة ليتمكن من المنافسة في دوري إنجليزي أشبه بحرب تتطاير فيها الأجساد لا يصاب فيها أحد، إما أن تنتصر أو تقتل.
لكن ما حدث خلال الأيام الماضية كان أشبه بعودة الأبطال الخارقين الذين غابوا لأعوام ثم عادوا يدخلون مدينتهم بالتصوير البطيء، مع الكثير من النظرات المنبهرة وسكوت يعم المكان من عظمة الموقف، ثم يتبع ذلك السكون الكثير من جنون الفرحة من صراخ سمع صداه من مانشستر حتى شيفيلد في الجنوب.
كان ذلك ناقوس الخطر أو بوق إعلان الحرب الذي سمعته فرق الدوري وأصابه الخوف، حتى قبل رؤية الأمر على أرض الواقع.
فبالتعاقد مع ماكينة الأهداف كريستيانو رونالدو وآخر ما تبقى من رائحة المجد والألقاب فإن جماهير مانشستر الآن هي الأسعد بين جماهير الكرة بعودة الروح إلى الجسد، وعودة الابن "حتى لو كان ضالاً ترك مصلحة عائلته"، إلا أنه عندما يعود تفرح العائلة وتنسى ما حدث، وتستعد لاستغلاله للثأر من كل من استغل غيابه، وتنتظر أن تمسك بهذا السلاح الفتاك وتعود لكل من استهزأ لترى كسرة عينه خوفاً مما سيحدث.
صفقة ذكرت مشجعي كرة القدم بالمجد وليس فقط مشجعي الفريق الأحمر؛ تذكرنا بنسخة رونالدو الصغير السريع الذي يراوغ الجميع ويسدد من أي مكان في الملعب، تذكرنا بهدف أرسنال في دوري الأبطال الذي أحرزه من ركلة حرة كانت دائماً بنفس الشكل، لكن لا يوجد حارس يستطيع إيقافها، تذكرنا حتى بإذاعة تلك المباريات على التلفاز الوطني المصري، أو تجمعات العائلة لمشاهدة المباريات الأوروبية، وأجمل أيام الكرة الإنجليزية. فالأمر أشبه بنوستالجيا مانشستر يونايتد.
ورغم هذا ليس ما يفتقده اليونايتد هو إمكانيات أو شخصية رونالدو فقط، فيجب على الإدارة والمدرب البدء في التحرك لسد الثغرات الموجودة في نصف الملعب على سبيل المثال ليستطيعوا استغلال جيل من أفضل الأجيال التي وصلت إلى اليونايتد في الأعوام الماضية.
حتى إن الأسماء الموجودة الآن هي من أفضل الأسماء بين فرق الدوري الإنجليزي في الوقت الحالي، ويمكنها بقليل من الإضافات إعادة كبرياء مفقود ووضع الأحمر في مكانه الصحيح مجدداً، بعدما لطخه عديمو المسؤولية بالتراب لسنين طويلة.
دائماً وأبداً سيظل اليونايتد فريقاً صنع محبي كرة قدم جدداً، وصنع دورياً إنجليزياً قوياً، وستلتفت الأنظار الآن لدوري إنجليزي لم يغلق باب الصفقات فيه بعد، لكن بدأ مبكراً جداً. لذلك فنصيحتي أن تبدأوا بربط الأحزمة استعداداً لماراثون حماسي قوي سنشاهد فيه جرعة كرة قدم لا يمكنكم الإكثار منها لأنها قد تسبب الوفاة، ولذلك على أصحاب القلوب الضعيفة البعد عن التلفاز ومشاهدة الدوري الإسباني أو باقي الدوريات الأوروبية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.