"علينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نحن فيه.. كنا صغيرين مش عارفين، طب لما كبرنا، هل فكرت؟ ولا خايف تفكر في المعتقد الذي تسير عليه صح ولا غلط؟ هل فكرت في مسيرة البحث عن المسار حتى الوصول إلى الحقيقة؟". كانت هذه كلمات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تلك الكلمات التي مثل كثير من تصريحات الرئيس، أثارت الجدل ولاقت رواجاً على منصات التواصل الاجتماعي.
ولكن يأتي السؤال: ماذا يقصد السيسي بتلك الكلمات؟ هل هي بداية درب الحرية كما يدعي البعض؟ هل هي بداية تأسيس دولة مدنية ترعى حقوق المواطن بدون تصنيف عنصري دينياً كان أو عرقياً؟ ربما يخيل لك هذا لو أنك قرأت تلك التصريحات فقط، لكن لو كنت تعيش هنا في مصر، أو كنت متابعاً جيداً لما يجري على الأرض، أو على الأقل إن كنت تتابع كل تصريحات الرئيس، لعلمت أن هناك شيئاً ما، خفيّاً، خلف هذا.
فما هي اللعبة؟
حرية المواطن الدينية
هي حق أصيل وواجب كفله لكل مواطن في أي مكان، ولكن الحرية الدينية تأتي ضمن عدد من الحقوق الأصيلة، التي لا يحصل المواطن عليها في مصر في الغالب. فمثلاً ليست لدينا الحرية اللازمة في الأوساط السياسية أو الفنية أو حتى حق الانتخاب الحر، أو حرية تكوين أحزاب أو جماعات معارضة للنظام، ويتم تضيق الخناق على كل ما يعارض الدولة جملة أو تفصيلاً، وليست لدينا حرية فيما يخص وضعنا كمواطنين داخل البلاد، نحن ما زلنا في عصر الدولة البوليسية حيث الكل متهم حتى تثبت براءته في نظر أجهزة الأمن، فلماذا يتحدث الرئيس الآن عن الحرية الدينية؟!
ذكرني هذا بنكتة طريفة تسمى "عاش موحد الأديان"، تحكي عن رئيس مصري قام بتوحيد الأديان عن طريق أنه اقتلعها جميعاً، إذ يحكى أن هناك مواطناً ذهب لميدان التحرير وراح يهتف عاش موحد الأديان، فاجتمع الناس من حوله ليفهموا، ولكنه ظل يهتف هذا الهتاف حتى أتت قوات أمن الدولة وقامت باعتقاله، وسألوه في التحقيقات عن سر الهتاف فقال: أهتف للسيد الرئيس الذي لم يجعل فرقاً بين مسلم ومسيحي ويهودي.. و(أخرجنا من أدياننا جميعاً)".
بصفتي مواطناً هنا فأنا أرى المشهد عن قرب، بحيث أستطيع أن أنظر خلف تصريحات الرئيس تلك، فأجد الرئيس الذي منذ أسابيع قرر أن يسلب الفقراء رغيف خبزهم الوحيد، ثم يقف الآن لينادي بحق الحرية الدينية ومراجعة الخلفيات العقائدية!
لم يظهر فجأة
لو رجعنا بالذاكرة لوجدنا خلافاً قديماً نشب حول تجديد الخطاب الديني بين الرئيس والمؤسسة الأزهرية، وبعدها خطاب شديد اللهجة من شيخ الأزهر لرئيس جامعة القاهرة حول كتاب الأخير عن التجديد الديني.
الرئيس في مصر الآن يحاول أن يطيح بكل القوى التي تقاسمه التأثير بالناس وولاءهم لها، والتي قد يميل إليها البعض حتى أكثر من الميل للرئيس نفسه، لذلك أظن أن خطوات الرئيس في درب الحرية الدينية تلك ليست إلا محاولة لإضعاف سلطة الأزهر والكنيسة في مصر؛ إضعاف الجانب الأهم في حياة المصريين ظاهرياً على الأقل، وهو الدين. إذ يتبع المصريون دوماً مؤسساتهم الدينية بخلاف درجات إيمانهم، وهذا خطر من وجهة نظر الرئيس، بحيث لا يجوز اتباع أحد غيره في تلك الأرض، وهذا حسب تصريحاته أيضاً.
ولكن ماذا لو حدث انقسام الآن بين المحافظين والمجددين؟ أو حتى ظهور أتباع لمعتقدات غير التي اعتدناها في مصر أو استحداث طرق مستحدثة في هذه الأديان؟ من يدفع فاتورة هذا الانقسام الطائفي في البلاد، الذي يضع الدولة أمام سيناريو بلدان أخرى مجاورة؟ فمن المستفيد يا سيادة الرئيس؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.