تعد الاستحقاقات التي يشهدها المشهد السياسي بالمغرب مثل الانتخابات المغربية التشريعية والجهوية والجماعية الثالثة بعد إقرار دستور 2011.
وتأتي هذه الاستحقاقات في ظروف استثنائية، في ظل مستجد كوفيد-19 وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين، وهو ما يحتاج إلى العمل بأقصى سرعة لتدارُك الأزمات وتداعيات الجائحة، وهو ما يُحتّم على الأحزاب المتنافسة تحمُّل المسؤولية في هذه المرحلة، وترشيح من يستحق ويستطيع تحقيق متطلبات المواطنين والمواطنات. فهل استحقاقات 9 سبتمبر/أيلول القادمة هي بوابة لتحقيق المتطلبات ومواجهة التداعيات؟
في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن الدستور المغربي الجديد قد أعطى مجموعة من الامتيازات الدستورية والقانونية والمادية للأحزاب السياسية، لكي تقوم بدورها السياسي، وتخلق بذلك دينامية كبرى داخل المشهد السياسي في الداخل والخارج، من خلال تنافس البرامج وتقديم القوانين والعرائض والحلول.
الصورة الحزبية تفتقد إلى هذه الخاصية "القيادية-الكاريزما"، كونها لا بد منها في العمل السياسي الناجح، لا سيما أنها تعطي الانسجام والتفاعل الإيجابي داخل عمل ومسار الحزب، والهياكل الموازية.
ومسايرةً بذلك تطلعات المواطنين، وتحقيق تلك الاهتمامات الشائكة، من خلال الدفاع عن قضاياهم، وإشكالاتهم الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية، والحقوقية والبيئية، وفي النهاية تحقيق "العدالة الاجتماعية".
رغم كل هذه المكتسبات، التي أتى بها الدستور للأحزاب في المغرب، فإن الممارسة السياسية الحزبية لم تخلق تطوراً أو انسجاماً مع تلك المستجدات. فما السبب إذن؟
سوف نذكر هنا عدة عوامل خلقت هذا الواقع، وأدت إلى هذه الضبابية وافتقاد البوصلة "السياسية" بين الأحزاب، ونذكر من بين هذه العوامل التي شكلت ضعف العمل السياسي الحزبي بالمغرب.
القيادة أو الكاريزما؟
أي بالمقارنة مع القيادات السابقة، والتي تركت بصمتها داخل الحياة السياسية بالمغرب، وكانت تقود الأحزاب السياسية بمنهجية وأسلوب محدد، ولها كاريزما وخط سياسي، أو أيديولوجيا ثابتة ذات ضابط وخطاب واضح.
لكن، اليوم في المشهد السياسي الحالي نرى النقيض من ذلك، أي أن الصورة الحزبية تفتقد إلى هذه الخاصية "القيادية-الكاريزما"، كونها لا بد منها في العمل السياسي الناجح، لا سيما أنها تعطي الانسجام والتفاعل الإيجابي داخل عمل ومسار الحزب، والهياكل الموازية.
وفي النهاية، يظهر بقيادة ذات تماسك، ورأس واحد قادر على طرح القضايا ومناقشتها، وكذا طرح حلول ناجعة لحلها وتنفيذها في النهاية.
الترحال السياسي
رغم أن الدستور المغربي الجديد أتى بقوانين جديدة تحد من الترحال السياسي "بشرط"، فإن من ينظر إلى نسبة الترحال السياسي في السنوات الأخيرة، داخل الأحزاب بالمغرب، يجد أن النسبة أكبر، رغم وجود ذلك الرادع القانوني. هذا العامل قد أثر على الانسجام الحزبي، وقد فقد مجموعة من الكوادر داخل الأحزاب، والعناصر الأساسية التي بنيت عليها.
لذلك يعتبر هذا العامل "الترحال" سلبياً بالنسبة للمشهد السياسي المغربي، ولم يعطِ أي جديد في العمل السياسي الحزبي، بل ترك فراغاً بين الأحزاب. فهل تكون هناك قوانين أخرى أكثر صرامة تحرم الترحال السياسي في الحياة الحزبية المغربية في الاستحقاقات القادمة؟
واقع البرامج الحزبية
لا شك أن تطور أي حزب أو تقدمه إلى الأمام، وكسب شعبية أكثر داخلياً أو خارجياً تبدأ أولاً عند تطبيق تلك الخطط أو البرامج الانتخابية، التي صوت عليها الناخبون، وبالتالي وصل بها مرشح الحزب إلى سدة الحكم. لكن في المغرب جل الأحزاب، أو قل جميعها، لا يمكنها تطبيق تلك البرامج التي سطرتها خلال حملتها الانتخابية، ويمكن إرجاع الأسباب إلى العوامل التي تطرقنا لها سابقاً، إلى جانب النزاع الحزبي وحالة "البلوكاج" الذي أصبح خاصية متداولة لدى الأحزاب المغربية.
نعم ظهرت أوجه شبابية تتصدر لوائح الأحزاب في جهة الداخلة وادي الذهب، وهذا المعطى إيجابي كما قلنا سابقاً، لاسيما أن مشاركة الفئة الشبابية والمثقفة وذات الكفاءة ستعطي لا محالة نواةً جديدة للنظر إلى المستقبل بنظرة تفاؤل وبصيرة.
وهذا في النهاية أعطى صورة سلبية لدى المواطنين، الذين باتوا يشككون في الحياة السياسية، وفي العمل الحزبي ككل. إضافة إلى القيمة التي أصبحت تُشكلها تلك الأحزاب في تحقيق نقلة نوعية على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
جهة الداخلة وادي الذهب في بوابة التغيير
هذه توطئة للمشهد السياسي بالمغرب بصفة عامة، والآن سوف نسلط الضوء على إحدى جهات المغرب، وهي جهة الداخلة وادي الذهب، وخاصة في بداية أيام الحملة الانتخابية.
لذلك، مع انطلاق الحملة الانتخابية بجوهرة الجنوب "الداخلة"، ظهرت مجموعة من الشاب المترشحين لخوض غمار الاستحقاقات إلى جانب "المخضرمين السياسيين"، وهو مستجد إيجابي داخل المشهد السياسي، والحياة السياسية بجهة الداخلة وادي الذهب. هذا المستجد الإيجابي يعطى أيضاً فرصة جديدة للتغير، ونواة مستقبلية لتحمل شباب المنطقة المسؤولية، وتسيير شؤون مدينتهم وجهتهم، وهم أعرف بالإشكالات والمعوقات التي تعاني منها، وكما يقال "أهل مكة أدرى بشعابها"، هذا إذا استمرت التطلعات على المنوال، وابتعدت الفئة الشبابية عن "المقايضة" من طرف الفئة السياسية المخضرمة؟!
الشباب الحالم بالتغيير
نعم ظهرت أوجه شبابية تتصدر لوائح الأحزاب في جهة الداخلة وادي الذهب، وهذا المعطى إيجابي كما قلنا سابقاً، لاسيما أن مشاركة الفئة الشبابية والمثقفة وذات الكفاءة ستعطي لا محالة نواةً جديدة للنظر إلى المستقبل بنظرة تفاؤل وبصيرة.
هذا إذا كانت الفئة مطلعة جيداً، ولها وعي بمدركات المرحلة، والتي تتطلب وعياً عميقاً بالإشكالات التي تعاني منها الجهة والمعوقات، وكيفية معالجتها حتى لا تتضرر الأجيال القادمة، ونعني هنا أزمات التعليم، والصحة، والبطالة، والسكن.
هي إذن إشكالات كبرى تحتاج إلى همم وطاقات شابة لجعلها واقعاً حقيقياً معاشاً، وليس شعاراً داخل الحملات الانتخابية، فهل تعي الفئة المذكورة المسؤولية الملقاة على عاتقها، وتصمد في وجه كل الإغراءات، وتحقق الحلم المنشود؟
في الختام، يعرف المغرب استحقاقات مرحلية، وينتظر منها أن تكون مرحلة جديدة لتدارُك مجموعة من المعوقات التي يعرفها جل القطاعات، ومن أهمها التعليم والصحة والتشغيل… إلخ.
وتعتبر جهة الداخلة وساكنتها من ضمن المواطنين الذين يحلمون بأن تأتي الانتخابات بواقع يغير الإشكالات والمعوقات التي تعاني منها، ما يعطي انطلاقة فعلية لمستقبل مشرق.. فهل يتحقق ذلك؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.