ليسوا سواء وبينهم خلافات جوهرية.. ما الفرق بين طالبان وداعش وتنظيم القاعدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/27 الساعة 08:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/27 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
هجوم داعش بأفغانستان - رويترز

في ظل التطورات الجارية في أفغانستان، وتردد اسم حركة طالبان في وسائل الإعلام، ما زال البعض يخلطون بين حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وسأسعى خلال السطور القادمة لفك التداخل بين التنظيمات الثلاثة، وتوضيح أوجه التلاقي والافتراق بينها.

أولاً: حركة طالبان

نشأت حركة طالبان في أفغانستان عام 1994 خلال أجواء الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1992 عقب سقوط نظام الرئيس الشيوعي نجيب الله، ودخول الفصائل الأفغانية المناهضة له إلى العاصمة كابول. ففي تلك الآونة عمت الفوضى أفغانستان، وانتشرت ظاهرة أمراء الحرب الذين يفرضون الإتاوات على المواطنين، ويخطفون ويغتصبون النساء والأطفال. وفي ظل الانفلات الأمني الواسع في ولاية قندهار، قرر الملا محمد عمر المولود في عام 1959 رفقة بعض زملائه ممن قاتلوا معه سابقاً أثناء الغزو الروسي ضمن (حركة انقلاب إسلامي) التي أسسها المولوي محمد نبي محمدي دعوة طلبة العلوم الشرعية للتجمع والتصدي لمظاهر الانفلات الأمني، ونجحوا في السيطرة على مدينة قندهار وسط ترحيب من الأهالي. كما تمكنوا من تحرير قافلة تجارية اختطفها قطاع الطرق أثناء توجهها من تركمنستان إلى ميناء كراتشي عبر قندهار؛ مما جعل الحركة تحظى برضا باكستاني في ظل مراهنة إسلام أباد على البشتون الأفغان كحليف استراتيجي. من ثم بدأت طالبان في التوسع، وانضم إلى صفوفها قادة ميدانيون بارزون مثل مولوي جلال الدين حقاني، أحد أبرز رموز قبيلة زدران ذات النفوذ الواسع في شرق أفغانستان. وتمكنت الحركة من دخول العاصمة كابول في عام 1996، وسيطرت على قرابة 90% من الأراضي الأفغانية، وأعلنت تأسيس إمارة إسلامية. وعلى المستوى الفقهي يعتنق عناصر طالبان- مثل أغلب الشعب الأفغاني- المذهب الحنفي، وعلى المستوى العقدي فأغلبهم ماتريدية، أي لا علاقة لهم بالمدرسة السلفية النجدية. ولم يكن للحركة توجه للعمل خارج أفغانستان.

الملا عبدالغني برادر طالبان أفغانستان
الملا عبدالغني برادر الرجل الثاني في طالبان/ رويترز

حين سيطرت طالبان في عام 1996 على منطقة جلال آباد التي كان يتواجد بها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في رفقة أتباعه، ووعدتهم بتوفير الحماية لهم في ظل سابقة قتالهم ضد الغزو الروسي لأفغانستان، كما طلبت منهم عدم تنفيذ هجمات خارج أفغانستان انطلاقاً من الأراضي الأفغانية. وعقب وقوع هجمات سبتمبر/أيلول 2001 رفضت طالبان المطالب الأمريكية بتسليم بن لادن، وذلك من منطلق رفض تسليم مستجير بحمايتهم لعدوه، وعرضت طالبان بالمقابل محاكمته على أراضيها وفق الشريعة الإسلامية في حال تقديم واشنطن أدلة تفيد بضلوعه في الهجمات، وهو ما رفضته أمريكا التي شنت حرباً على أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول 2001 أطاحت خلالها بحكم حركة طالبان قبل أن تعود الأخيرة مجدداً إلى كابول في عام 2021.   

ثانياً: تنظيم القاعدة

تأسس تنظيم القاعدة في عام 1987 بحسب أحد أوائل الأفغان العرب مصطفى حامد في الكتاب الذي دوَّنه مع الأسترالية ليا فارال بعنوان (العرب في حرب أفغانستان). وقد اقتبس التنظيم اسمه من قاعدة للتدريب العسكري أسسها رجل الأعمال السعودي أسامة بن لادن في منطقة جاجي شرقي أفغانستان. ثم عقب حرب الخليج الثانية وبقاء الجيش الأمريكي في السعودية بدأ بن لادن في معارضة النظام السعودي عقب سفره إلى السودان ليؤسس بها بعض المشاريع الاقتصادية، فضلاً عن تأسيسه أنشطة عسكرية في الصومال التي وقعت في براثن الاحتراب الأهلي والتدخلات الخارجية. لكن مع توالي الضغوط السعودية على النظام السوداني، طلبت الخرطوم من بن لادن المغادرة، فعاد إلى أفغانستان مجدداً في مايو/أيار 1996 قبل أربعة أشهر من سيطرة طالبان على كابول. ثم أعلن بن لادن من أفغانستان في عام 1998 تأسيس الجبهة الإسلامية العالمية بغرض استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وبالفعل شن أتباعه هجمات في عام 1998 على سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا، ثم هاجموا في عام 2000 المدمرة الأمريكية كول في اليمن وصولاً إلى هجمات سبتمبر/أيلول الشهيرة التي نفذها التنظيم دون تنسيق مع طالبان بحسب شهادة كل من مسؤول اللجنة الشرعية السابق بالقاعدة أبو حفص الموريتاني، وزعيم فرع التنظيم في الجزيرة العربية أبو بصير الوحيشي في شهادته الواردة في كتيب بعنوان "القصة غير المروية لأحداث 11 سبتمبر/أيلول".

جدير بالذكر أنه سبق لتنظيم القاعدة في صيف عام 2001 الاندماج مع جماعة الجهاد المصرية ليتحول اسمه إلى قاعدة الجهاد. ويختلف التنظيم عن طالبان في أنه عقدياً ينتمي للمدرسة السلفية ومذهبياً لا يتقيد بمذهب فقهي معين، كما أنه تنظيم أممي يضم عناصر من العديد من الدول.

ثالثاً: تنظيم الدولة الإسلامية

تعود جذور تنظيم الدولة إلى تنظيم التوحيد والجهاد الذي أسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي في العراق عقب الغزو الأمريكي عام 2003. وقد تبنى التنظيم منهج المدرسة السلفية النجدية، والذي يتسم بالتوسع في قضايا التكفير. وفي عام 2004 بايع الزرقاوي القاعدة ليتحول اسم تنظيمه إلى القاعدة في بلاد الرافدين. ولاحقاً عقب مقتل الزرقاوي أُعلن عن اندماج الفرع العراقي للقاعدة مع جماعات أخرى في كيان جديد تطور لاحقاً ليصبح اسمه الدولة الإسلامية في العراق في عام 2007. وعقب اندلاع الثورة السورية أعلن التنظيم تغيير اسمه إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام، ثم مع سيطرته على مدينة الموصل شمالي العراق أعلن عام 2014 تأسيس خلافة تحت اسم (الدولة الإسلامية)، وهو ما عارضه تنظيم القاعدة؛ مما أشعل صراعاً دامياً بين الطرفين امتد إلى عدة دول مثل سوريا واليمن والصومال ومالي وغيرها. كما خاض فرع تنظيم الدولة بأفغانستان والذي تكون من عناصر طالبانية منشقة اشتباكات عنيفة مع حركة طالبان. 

أبرز الفوارق بين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية 

سأتناول أبرز الفوارق بين تنظيمي القاعدة والدولة من عدة زوايا مثل: استراتيجية الصراع، والخطاب الإعلامي، والموقف من الجماعات الإسلامية الأخرى، والتنظيرات الشرعية.

وفي النهاية انهار تنظيم الدولة في العراق أمام هجمات التحالف الدولي والجيش العراقي والحشد الشعبي، فيما تراجع حضور تنظيم القاعدة عقب مقتل مؤسسه أسامة بن لادن وأغلب قادة الصفين الأول والثاني، فضلاً عن تمكن تنظيم الدولة من اجتذاب العديد من مؤيدي القاعدة لصفوفه. في حين نجحت حركة طالبان في إعادة بناء صفوفها والعودة للمشهد من جديد.

يرى تنظيم القاعدة أنه "في مرحلة دفع صائل وليس في مرحلة إقامة دولة، وأن الحسم العسكري ليس هو المقوم الوحيد لإقامة الدول، فللشعوب احتياجات وضروريات لا يستطيع التنظيم توفيرها لهم في ظل هيمنة وتماسك النظام العالمي المعاصر، وأن أي دولة إسلامية تقام حالياً ستتعرض للحصار والإسقاط على يد أمريكا وحلفائها. لذا قرر التنظيم الضغط على عصب أمريكا الاقتصادي والأمني حتى تصبح تكلفة هيمنتها على العالم الإسلامي باهظة؛ مما يدفعها إلى الانسحاب، ويتيح إقامة دولة إسلامية تملك مقومات البقاء. وفي سبيل تحقيق أهدافه سعى التنظيم لتحييد من يمكن تحييده من الخصوم، فقبل قادته وفق ما كشفته وثائق أبوت آباد عقد هدنة مع النظامين الباكستاني والجزائري. وأعلن عدم مقاتلته الطوائف الأخرى كالروافض ما لم تقاتل السنة. وأن قتاله لهم مقتصر على الجهات المقاتلة منهم فقط، مع تجنبه استهداف أماكن عباداتهم وتجمعاتهم الدينية وأسواقهم، وحَرِص على تقديم خطاب إعلامي تجييشي يبتعد عن الحديث المكرر عن المرتدين لصعوبة تفهم الجماهير لذلك الخطاب، أما الخطاب الموجه للغرب فحرص فيه على توجيه رسائل سياسية للشعوب الغربية في محاولة لدفعها للضغط على حكامها. كما أيد التنظيم ثورات الربيع العربي، وحث أعضاءه ومناصريه على عدم الدخول في أي مصادمات مع الأحزاب الإسلامية، وتركيز جهودهم على الدعوة واكتساب الأنصار". هذه الفقرة هي خلاصة المراسلات المتبادلة بين قادة القاعدة وقد وردت ضمن وثائق آبوت أباد التي نشر مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب عدة دفعات منها بعد العثور عليها في مقر إقامة  زعيم التنظيم أسامة بن لادن عام 2011. والقاعدة رغم رفضها للمشاركة السياسية ضمن الأنظمة العلمانية إلا أنها لا تكفر الجماعات الإسلامية التي ترى مشروعية المشاركة السياسية بغرض المنازعة وتقليل المفاسد.

أما تنظيم الدولة الإسلامية فاعتبر نفسه في وضع تمكين. وقال متحدثه الرسمي السابق العدناني إن التنظيم لا يقاتل "لتحرير أرض، إنما يقاتل لأن القرآن يُحَتِّم عليه مقاتلة العالم بلا استثناء" (كلمة للعدناني بعنوان "ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة"). وانطلق التنظيم من أرضية ملاحم آخر الزمان، فركز على توجيه خطاب تخويفي للغرب يحوي مشاهد الذبح والإحراق والتفجير مازجاً إياه بلغة مستمدة من علامات الساعة الكبرى، فيقول متحدثه الرسمي: "سوف نفتح رُوماكم، ونكسر صلبانكم، ونسبي نساءكم،  ونبيع أبناءكم في سوق النخاسة". وبعد سيطرته على عدة مناطق بالعراق وسوريا وبالأخص الموصل، رأى التنظيم أنه صار يمتلك مقومات إقامة دولة، فأعلن تأسيسها في 29 يونيو/حزيران 2014 حتى "لو بقيت يوماً واحداً أو ساعة واحدة" (كلمة للعدناني بعنوان "هذا وعد الله"). وحاول التنظيم قسر الآخرين على التبعية له، مما استلزم منه التوسع في الإقصاء والتكفير وقتال خصومه. وقد صرح العدناني بأنه بعد إعلان التنظيم للخلافة (بطلت شرعية الجماعات والتنظيمات)، وتوعدهم بالقتال قائلاً: "سنفرق الجماعات ونشق صفوف التنظيمات، لأنه مع الجماعة لا جماعات". كما تبنى التنظيم تكفير الجماعات الإسلامية التي تتبنى خيار المشاركة السياسية في ظل الأنظمة العلمانية.

شكل الحكم المنشود

تتفق طالبان والقاعدة وتنظيم الدولة على رفض النموذج الديمقراطي الغربي، نظراً لأنه يجعل السيادة للقوانين الوضعية، في حين تتبنى طالبان نظام حكم يستمد تعاليمه من أحكام الشريعة الإسلامية، ويعتمد على النمط الشورى السائد بين القبائل الأفغانية، والذي يتخذ فيه العلماء والوجهاء وزعماء القبائل القرارات بعد التداول حولها، أما تنظيم القاعدة ففي أدبياته يتحدث عن سعيه لإقامة نموذج يقتبس من الخلافة الراشدة، بحيث يمتلك الناس فيه حق اختيار ومحاسبة وعزل الحاكم، لكن لم يقدم التنظيم أطروحات حول كيفية تطبيق ذلك في واقعنا المعاصر، أما تنظيم الدولة فقد تبنى نمط الحكم بالتغلب بعيداً عن أي عملية شورية يشارك فيها أفراد من خارج التنظيم، وهو ما يجعله شبيهاً بالأنظمة الاستبدادية التي ينفرد فيها شخص رفقة دائرة ضيقة موالية له باتخاذ القرار، مع البطش بأصحاب الآراء المخالفة.

وفي النهاية انهار تنظيم الدولة في العراق أمام هجمات التحالف الدولي والجيش العراقي والحشد الشعبي، فيما تراجع حضور تنظيم القاعدة عقب مقتل مؤسسه أسامة بن لادن وأغلب قادة الصفين الأول والثاني، فضلاً عن تمكن تنظيم الدولة من اجتذاب العديد من مؤيدي القاعدة لصفوفه. في حين نجحت حركة طالبان في إعادة بناء صفوفها والعودة للمشهد من جديد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد