يتركز اللاجئون الفلسطينيون بلبنان في 12 مخيماً معترفاً بها لدى الأونروا. ويعانون أوضاعاً اقتصادية وإنسانية بائسة، نظراً للقوانين اللبنانية التي تمنعهم من حقوق التملك والعمل، وقد تفاقمت أوضاع اللاجئين أخيراً كنتيجة مباشرة لتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في لبنان وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، فضلاً عن تراجع خدمات الأونروا، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع وانتشاره بين أكثر من ثلثي اللاجئين، وتراجع مستويات الصحة والتعليم بين مجمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
سيف التهميش
إضافة إلى الأوضاع المعيشية المتردية للاجئين الفلسطينيين في لبنان يلحظ المتابع أن قضية وجود الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان منذ نكبتهم، من أبرز القضايا التي تستخدم بين فترة وأخرى، تحريفاً وتنظيراً وافتراءً، لخدمة أغراض سياسية محلية وحزبية ضيقة، يستخدمها كل طرفٍ في وجه الآخر. وكانت فزّاعة التوطين، وما زالت، شعاراً يرفع مراراً، ويدفع في نهاية المطاف آلافاً من فلسطينيي لبنان إلى الهجرة إلى خارج لبنان، بحثاً عن لقمة العيش، والتحصيل العلمي، إذ بات فلسطينيو لبنان يشكلون غالبية كبرى من الفلسطينيين المقيمين في الدول الإسكندنافية وألمانيا وأستراليا وكندا.
وقد خلصت دراساتٌ متخصصةٌ إلى أن السبب الأساسي لتردّي أوضاع فلسطينيي لبنان هو عزلهم بما لا يسمح لهم بالانخراط في الحياة المدنية في لبنان، بالإضافة إلى إغلاق أسواق العمل في وجوههم، وحرمانهم من التأمين الصحي وحق التملك. في الوقت الذي يمنع الفلسطيني من العمل بأكثر من سبعين مهنة، في إطار قطاعات الاقتصاد اللبناني، أي إن سوق العمل شبه موصدة أمام قوة العمل الفلسطينية. ولهذا تصل نسبة البطالة بين قوة العمل الفلسطينية إلى نحو 90%، الأمر الذي يزيد الأعباء على الأسر الفلسطينية اللاجئة في لبنان، ويضعف من خياراتها التعليمية والصحية.
ويمكن تقسيم الفلسطينيين في لبنان إلى المسجلين في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، منذ إنشائها في 1950، وهؤلاء ينعمون بحد أدنى من الاستقرار نوعاً ما. وغير المسجلين لأسباب عديدة، وينتمون إلى اللامكان.
بعد ذلك جدّ تصنيف أكثر تحديداً للاجئين الفلسطينيين في لبنان، قسمهم إلى ثلاث فئات. تم إحصاء الأولى عبر الصليب الأحمر و"الأونروا" في الخمسينيات. وقد تم تسجيل هذه الفئة في سجلات المديرية العامة للأمن العام ومديرية شؤون اللاجئين في لبنان، وتعتبر إقامتهم شرعية، ويحصلون على وثائق سفر تمكّنهم من المغادرة والعودة، ويحصلون على حق العمل قبل أن يلغى هذا الحق لجميع الفلسطينيين فيما بعد.
الفئة الثانية هي التي لم يشملها الإحصاء المذكور، وتضمنت الفلسطينيين الذين جاءوا بعد 1952، نتيجة استمرار إسرائيل في عمليات الطرد الممنهج للفلسطينيين، وتمت تسوية أوضاع تلك الفئة في 1969، بما تضمن حصول أفرادها على وثائق مرور، ولكنهم ليسوا مسجلين في سجلات "الأونروا"، ومن ثم لا يستفيدون من خدماتها. وفئة ثالثة، وتضم الذين دخلوا لبنان بعد حرب 1967 في لجوء ثان، وربما ثالث، لا يملكون أي وثائق، وليسوا مسجلين، وإقامتهم غير شرعية.
سيف العنصرية
تتفاقم عنصرية النظام السياسي اللبناني تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والدالة الكبرى على ذلك القوانين العنصرية اللبنانية الجائرة إزاء الفلسطينيين، رغم توقيع لبنان على بروتوكول مؤتمر القمة العربية المنعقد في الدار البيضاء عام 1965، بأن "يعامل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة رعايا الدول العربية في سفرهم وإقامتهم وتيسير فرص العمل لهم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية". وعلى الرغم من أن القرارات اللبنانية تعتبر الفلسطينيين من الأجانب، إلا أنها تحرمهم من امتيازات الأجانب، مع أنهم يدفعون جميع الاستحقاقات المطلوبة. على الرغم من وجود قوانين تجيز عمل الفلسطينيين في لبنان، إلا أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة منعتهم من ذلك، وذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ يتعرض الفلسطينيون لمضايقات كثيرة في مجال السكن والتعليم والتوظيف في الاقتصاد غير الرسمي. وتتعاطى الحكومة مع هذا الملف على أرضية تجاهل تضاعف أعداد اللاجئين، بحكم النموّ الطبيعي للسكان، حيث يمنع اللاجئ الفلسطيني في لبنان من إعادة بناء المخيمات المدمرة الثلاثة؛ تل الزعتر وجسر الباشا والنبطية، كما يمنع من بناء مخيمات جديدة، والأخطر من ذلك منع اللاجئين من توسيع المخيمات القائمة، ولهذا تعتبر الكثافة السكانية مرتفعة جداً في المخيمات، الأمر الذي يفاقم من أزمات اللاجئين الفلسطينيين المتراكمة في لبنان.
الحد من تفاقم الأزمة
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان هم جزء من الشعب الفلسطيني الذي لجأ من فلسطين إلى لبنان بعد النكبة عام 1948. وقد تجنّس جزء كبير منهم؛ خاصة بعد عام 1992، ويصل عدد غير المجنّسين قرابة (174) ألفاً حسب إحصائيات عام 2017، لا يحملون أي جنسيّة، بل يحملون وثائق سفر خاصة للاجئين الفلسطينيين في لبنان. يعانون من عدة قوانين تحرمهم من العمل والانخراط في الاقتصاد اللبناني، بالإضافة لتحسين ظروفهم المعيشية في المخيمات. وحسب أرقام الأونروا وإسقاطاتها، فإن مجموع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يصل إلى أكثر من (600) ألف فلسطيني؛ غالبيتهم من مدينة عكا والقضاء وأعداد قليلة من قضاء صفد وحيفا. وثمة حلول لتخفيف معاناتهم نتيجة سيف العنصرية وتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، ومن تلك الحلول قيام الحكومة اللبنانية بخطوات حقيقية من شأنها أن تفتح الطريق أمام فرص عمل وحق العمل لهم من دون إجازة عمل وحق الحصول على ضمان اجتماعي، وأيضاً شمول اللاجئين في الخطة الاقتصادية والصحية للدولة اللبنانية، فضلاً عن مطالبة "الأونروا" بوضع خطة طوارئ صحية وإغاثية وتقديم الإعانات المالية للاجئين الفلسطينيين وتوفير الموازنة الدائمة للاجئين بشكل يلبي احتياجاتهم، والأهم من ذلك أن تعمل منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المنضوية وغير المنضوية على إنشاء صندوق طوارئ لمساعدة العائلات المعسرة بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهذا أضعف الإيمان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.