يسعى نادي أياكس أمستردام الهولندي لتجديد عقد لاعبه الدولي المغربي نصير مزراوي، وهو الذي كان، قبل أشهر قليلة فقط، يريد التخلي عن خدماته تحت ضغط جماهير الفريق "المتعصبة" بسبب مساندته للقضية الفلسطينية أثناء الاعتداء الإسرائيلي الأخير.
وقد سجل النجم المغربي بداية جيدة في الموسم الرياضي الجديد (2021-2022) تجسّدت في تسجيله هدفاً واحداً وصناعته لهدف آخر، في الجولة الافتتاحية في الدوري الهولندي الممتاز لكرة القدم، ليتم اختياره رجل مباراة فريقه أمام نادي نيميغن، فضلاً عن تواجده ضمن التشكيلة المثالية للجولة.
نشأة نصير مزراوي
ولد نصير مزراوي يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1997 ببلدة "لايدردورب" بغرب هولندا، من أبوين مغربيين تعود أصولهما لمدينة تطوان بشمال المغرب.
نشأ الطفل نصير ببلدة "ألفين سور لورين" القريبة من مدينة لاهاي، حيث تعلم الأبجديات الأولى لرياضة كرة القدم، رفقة أقرانه في الحي الذي كان يقطن به، قبل أن يسجله والده مصطفى للعب في فريق "ألفين" في عام 2003، الذي نشط رفقته لمدة سنتين، لينتقل بعدها لنادي "ألفينس بويز" حيث لعب معه موسماً واحداً فقط ، لكنها كانت فترة كافية ليلفت خلالها مزراوي انتباه كشافة نادي أمستردام.
عانى كثيراً في مدرسة أياكس أمستردام
انضم نصير مزراوي لمدرسة نادي أياكس أمستردام في صيف 2006، حيث واصل تكوينه ضمن إحدى أفضل المدارس الكروية في أوروبا، لكن دون أن يتمكن من فرض نفسه كلاعب أساسي في مختلف فرق الفئات العمرية، ما جعله يفكر لما بلغ سن الـ17 من عمره في التركيز على دراسته لتحقيق طموحه الثاني في الحياة وهو أن يصبح محامياً، فسجل نفسه في شعبة علوم التربية لدراسة الحقوق قصد الحصول على شهادة البكالوريوس الجامعية.
وقد روى مزراوي بنفسه تلك الفترة، خلال حوار أدلى به لجريدة "ألغمين داغبلاد" الهولندية في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، لما قال:"لم أكن راضياً على وضعي كلاعب احتياطي في فريق الشباب، فتوجهت للدراسة ما قبل الجامعية، ورأيت أنه من الأفضل لي التركيز بشكلٍ كليٍ على الدراسة، فقد كنت أحب وأعشق النقاش والجدال؛ ولذلك فإنّ فكرة الالتحاق بكلية الحقوق وأن أصبح محامياً كانت قد سكنت ذهني".
شخصية المحامي
اضطر الشاب نصير فيما بعد لوضع حد لطموحه الدراسي، بعدما ظفر بأول عقد احترافي له مع نادي "يونغ أياكس" في عام 2016 فغادر الجامعة ليركز أكثر على رياضة كرة القدم، لكن دون أن يتخلى عن شخصية "المحامي" التي بقيت بداخله والتي ظهرت من جديد في شهر مايو/أيار الماضي، خلال اقتحام القوات الأمنية الصهيونية لباحة المسجد الأقصى بالقدس الشريف ثم العدوان على قطاع غزة.
فقد انبرى مزراوي بكل شموخ للدفاع بشكل علني على حق الشعب الفلسطيني المهضوم، فنشر صورة عبر خاصية القصص القصيرة "ستوري" على موقع "إنستغرام" لطفل فلسطيني ممسك بحجارة صغيرة أمام جندي مسلح من قوات الاحتلال الصهيوني، ومكتوب عليها "الحرية لفلسطين".
كما شارك نصير منشوراً لبطل رياضات الفنون القتالية، الروسي حبيب نور محمدوف، عبر نفس الخاصية، والذي أظهر صورة مكتوباً عليها "لا تحتاج لتكون مسلماً حتى تساند غزة، تحتاج فقط أن تكون إنساناً".
جمهور أياكس طالب بإبعاده لمساندته القضية الفلسطينية
ولم تمر تلك المساندة القوية من مزراوي للقضية الفلسطينية دون أن تثير سخطاً كبيراً وجدلاً واسعاً لدى جمهور عريض من أنصار نادي أياكس أمستردام المعروف بحبه للكيان الصهيوني ورفعه لعلمه في مباريات الفريق، فطالب هذا الجمهور إدارة النادي الهولندي بإبعاد ونبذ النجم المغربي وعدم رؤية اسمه ضمن قائمة الفريق.
ومن مفارقات الحياة، أنّ من بين الساخطين على نصير مزراوي، محامياً هولندياً كان من الممكن جداً أن يكون زميلاً في المهنة، للنجم المغربي، بحيث نشر المحامي رون آيزنمان صورة الطفل الفلسطيني من حساب مزراوي، وعلّق "أن تضع الحرية لفلسطين أو من النهر إلى البحر عبر قصتك، وأنت لاعب كرة قدم محترف.. إنه أمر غير مفهوم، فهناك خلل ما".
واستجابت إدارة أياكس أمستردام لمطلب جماهير الفريق، فتم إبعاد مزراوي عن المشاركة في مباراة الجولة الأخيرة للموسم الماضي (2020-2021)، دون أن تعلن ذلك بشكلٍ رسميٍ، تاركة مجالاً صغيراً للدفاع عن نفسها من تهمة "العنصرية" بتبرير غياب اللاعب المغربي بأسباب رياضية محضة، وهي ضمان الفريق للتتويج مبكراً بلقب الدوري المحلي، وبالتالي منح الجهاز الفني فرصة خوض المباريات للاعبين آخرين غير أساسيين.
وكانت كل الأمور تسير نحو قيام نادي أياكس بتسريح مزراوي خلال الميركاتو الصيفي الجاري، خاصة أنّ عقده سينتهي في يونيو /حزيران من العام القادم، وبعد إبداء بعض الأندية الأوروبية اهتمامها بضم النجم المغربي، قرر مزراوي الانضمام إلى بايرن ميونيخ.
ولكن يبدو أنّ إدارة النادي الهولندي العريق قد نجحت في امتصاص غضب الجماهير "المتطرفة" خلال الصيف الحالي، بحيث باشر مزراوي تحضيرات الموسم الجديد (2021-2022) رفقة فريق نشأته وشارك معه في معظم المباريات الودية ثم في افتتاح مسابقة الدوري، حيث قاده للفوز بنتيجة عريضة على ضيفه نادي نادي نيميغن بنتيجة خمسة أهداف نظيفة، سجل منها نصير هدفاً واحداً وصنع آخر على الرغم من أنه ينشط في مركز ظهير أيمن.
المدرب تين هاغ حوَّله من الهجوم إلى الدفاع
إشارتي للمركز الذي ينشط فيه نصير مزراوي تجرّني للتذكير بأنّ النجم المغربي بدأ اللعب في صغره كمتوسط ميدان هجومي أو جناح أيمن، وقد بقي كذلك حتى مع فريق الرديف لأياكس، والذي يسمى بـ"يونغ أياكس" وينشط في الدوري الهولندي للدرجة الثانية، وذلك إلى غاية تعيين المدرب إيريك تين هاغ على رأس الإدارة الفنية للفريق الأول في شهر يناير/كانون الثاني 2018.
فبعد تسلم تين هاغ مهام الإشراف الفني على أياكس أمستردام، أعجب بالقدرات الفنية لمزراوي وقام بترقيته للفريق الأول مع منحه برنامجاً تدريبياً خاصاً لتقوية بنيته وحجم عضلاته وتحسين لياقته البدنية، فبدأ بإقحامه تدريجياً ضمن التشكيلة الأساسية في مباريات نهاية الموسم (2017-2018) في مركزي الظهير الأيمن أو متوسط ميدان دفاعي.
وفي الموسم الموالي (2018-2019) فرض مزراوي نفسه كلاعب أساسي في تشكيلة المدرب تين هاغ، وساهم في الملحمة الجميلة للفريق في مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم ببلوغه الدور نصف النهائي للمسابقة، حيث سجل النجم المغربي هدفين اثنين، ومنح تمريرة حاسمة واحدة.
وفي الموسم الموالي (2019-2020)، وفي الوقت الذي كان فيه نصير مزراوي يسعى لمواصلة تطوره مع أياكس وتحقيق موسم أفضل من سابقه، فإنّ طموحه اصطدم بسلسلة من النكسات، كالإصابة التي تعرض لها في شهر سبتمبر/أيلول 2019، خلال مباراة دولية مع منتخب المغرب الأولمبي وأبعدته عن الميادين لمدة شهر واحد ونصف، فقد على إثرها منصبه الأساسي لفائدة الهولندي الشاب سيرجينيو ديست، ثم تعرضه لإصابة أخرى في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول لنفس العام، عاد بعدها للعب بشكل تدريجي في شهر يناير/كانون الثاني 2020، قبل أن ينتهي الموسم مبكراً في شهر مارس/آذار بسبب جائحة كورونا.
وفي الموسم المنصرم (2020-2021) تخلّص مزراوي من مشكل المنافسة مع الظهير الأيمن الآخر، سيرجينيو بعدما رحل هذا الأخير نحو نادي برشلونة الإسباني في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، لكنه لم يتخلص من "نحس" الإصابات" وأخطرها تلك التي تعرض لها على مستوى الوجه يوم 13 فبراير/شباط الماضي، خلال لقاء الدوري الهولندي أمام نادي هيراكليس ألميلو، وأبعدته عن المنافسة الرسمية لأسابيع عديدة.
المهم أنّ نصير مزراوي يتواجد في بداية الموسم الجاري في أفضل مستوياته، وهو يطمح للتطور أكثر والتخلص نهائياً من هاجس الإصابات ومن هاجس العنصرية أيضاً.. وهي العنصرية التي قد يحاربها بشكل رسمي، في المستقبل، في حال ما إذا عاد إلى مقاعد الدراسة بعد نهاية احترافه رياضة كرة القدم، وسعى مجدداً لتحقيق حلمه الثاني في الحياة.. وهو أن يصبح محامياً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.