الدول المتقدمة ترفعه ومصر تخفضه.. لماذا تخالف الحكومة الاتجاه العالمي في سياسات الدعم؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/18 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/18 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
"العِيش" والشعب المصري/ Istock

حسب بيانات صندوق النقد الدولي، بلغت قيمة الدعم بالموازنة البريطانية عام 2020 نحو 102 مليار جنيه إسترليني، كما بلغت مخصصات الدعم بالموازنة الفرنسية بنفس العام 78 مليار يورو، كذلك بلغت مخصصات الدعم بالموازنة الألمانية 71 مليار يورو، وفي كندا بلغت مخصصات الدعم بالموازنة 81 مليار دولار كندي.

وفي أستراليا بلغت نفقات الدعم بالموازنة 135 مليار دولار أسترالي، وفي بلجيكا بلغت مخصصات الدعم بالموازنة 23 مليار يورو، وكانت مخصصات الدعم بالموازنة الأمريكية قد بلغت 73 مليار دولار عام 2019. تلك الأرقام تشير إلى حضور استثنائي لمخصصات الدعم بموازنات الدول المتقدمة، في حين يمن النظام المصري على المصريين بوجود دعم بالموازنة وكأنه ينفرد بذلك الأمر بين دول العالم. 

بالمقارنة بين مخصصات الدعم بموازنات الدول المتقدمة السابقة عام 2020 بمخصصات الدعم عام 2019 بها، أي قبل ظهور فيروس كورونا، فقد زادت مخصصات الدعم عام 2020 في أستراليا بنحو عشرة أضعاف ونصف، وفي كندا ثمانية أضعاف، وفي إنجلترا بأربعة أضعاف، ونمت بألمانيا بنحو 131%، وفي بلجيكا بنحو 28%، وفي فرنسا بنسبة 17%. 

بينما انخفضت مخصصات الدعم بالموازنة المصرية بالعام المالي 2019/2020 بنسبة 20% عما كانت عليه بالعام المالي السابق لظهور كورونا، لتصل إلى 229 مليار جنيه مقابل 287.5 مليار جنيه بالعام الماضي، رغم التصريحات الحكومية بتخصيص مئة مليار جنيه للإنفاق لمواجهة كورونا. 

خفض حاد لدعم الوقود والكهرباء 

كان اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي على الحصول على قرض أواخر عام 2016، قد تضمن اشتراط الصندوق عدداً من الأمور، منها خفض مخصصات الدعم بالموازنة، وهو ما حدث بالفعل، فبعد أن كانت مخصصات دعم الوقود قد بلغت 126 مليار جنيه، بالعام المالي 2013/2014 فقد انخفضت مخصصات دعم الوقود بموازنة العام المالي الحالي 2021/ 2022 إلى 18 مليار جنيه، ليصبح دعم الوقود قاصراً على أنبوبة البوتاجاز والمازوت للمخابز فقط، وبحيث لم يعد هناك دعم للبنزين.

كذلك تراجعت مخصصات دعم الكهرباء من 28.5 مليار جنيه بالعام المالي 2017/2018، إلى عدم وجود أية مخصصات للكهرباء خلال السنوات المالية الأخيرة، ورغم ذلك فقد أعلنت الحكومة عن الاستمرار في رفع أسعار الكهرباء للمنازل حتى العام المالي 2024/2025، معتمدة على عدم وجود برلمان حقيقي يمكنه مراجعة الحكومة، أو وجود إعلام مستقل أو نقابات أو اتحادات حرة أو معارضة حقيقية. 

وفي دعم الغذاء المقتصر على سلع البطاقات التموينية ورغيف الخبز المدعم، قامت الحكومة برفع سعر السكر التمويني أكثر من مرة وكذلك سعر الزيت التمويني، مما يعني حصول المواطن على كميات أقل من السلع التموينية، في ظل ثبات نصيب الفرد الذي يحمل بطاقة تموينية البالغ خمسين جنيهاً شهرياً.

وعن الخبز المدعم، فقد تم خفض وزن الرغيف مرتين، أولاهما من 130 جراماً للرغيف الى 110 جرامات  ثم إلى 90 جراماً، وبما يعنى رفع سعره عملياً مع بقاء العدد المقرر لكل فرد والبالغ خمسة أرغفة يومياً مدعمة. 

وها هي الحكومة تسعى حالياً لرفع سعر الخبز المدعم، وهو ما وجد امتعاضاً لدى عموم المصريين الذين يعتمدون على الخبز كغذاء أساسي في وجباتهم الغذائية، خاصة مع وجود نسبة كبيرة من الفقراء وصلت الى 30% من السكان البالغ عددهم 102 مليون نسمة تقريباً، وهي نسبة يتحفظ عليها المختصون، حيث إن قياسها تم قبل ظهور فيروس كورونا، وهو الفيروس الذي تسبب في زيادة عدد الفقراء وزيادة عدد حالات سوء التغذية، حسب بيانات جهاز الإحصاء الحكومي. 

تحرير سعر الصرف زاد تكلفة الدعم 

تبرر الحكومة اتجاهها لزيادة سعر الخبز المدعم، ومن قبلها زيادة سعر السلع التموينية، بزيادة تكلفة دعم الغذاء بالموازنة من 39 مليار جنيه بالعام المالي 2014/2015 إلى 87 مليار جنيه بموازنة العام المالي الحالي، رغم أن السبب الحقيقي لذلك هو قرار الحكومة تحرير سعر الصرف في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، والذي زاد من تكلفة استيراد السلع التموينية من زيت وسكر وقمح بعد حسابها بالجنيه المصرى. رغم أن سعر سلعة كالقمح بالدولار  انخفض من 266 دولاراً للطن عام 2013 إلى 185.5 دولار عام 2020، ورغم ارتفاع السعر بالشهور الأخيرة بالعام الحالي، فإنه لم يصل بعد لمستويات عام 2013.

كما تسببت الحكومة كذلك في تلك المشكلة بعدم اهتمامها الكافي بالتوسع في زراعة القمح محلياً، أو تحفيزها للمزارعين بالأسعار المناسبة لاستلام القمح منهم، وكانت النتيجة انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي منه من 56.7% عام 2013 إلى 40.3% عام 2019 حسب آخر البيانات المتاحة، وكذلك استمرار تدني نسبة الاكتفاء الذاتي من زيوت الطعام لأقل من 7% من الاستهلاك المحلي منها، مما يتطلب استيراد كميات كبيرة منها، وزيادة قيمة وارداتها في حالة زيادة أسعارها عالمياً كما هو الحال بالعام الحالي، مع ارتفاع أسعار زيت الصويا وزيت عباد الشمس وزيت النخيل وزيت الزيتون، إلى جانب  تعرض أصحاب أشجار الزيتون بمصر لكارثة تسببت بتراجع شديد بالإنتاج خلال العام الحالي. 

أمر آخر تلجأ إليه الحكومة لتضخيم رقم مخصصات الدعم بالموازنة حتى تمن به على الجماهير في تصريحاتها الرسمية، رغم أن هناك تحايلاً في الأمر، فقد صدر قانون جديد للتأمينات والمعاشات في آب/أغسطس 2019، ينص على سداد الخزانة العامة ديونها المتراكمة لسنوات طويلة لصندوق التأمينات الاجتماعية على أقساط سنوية بقيمة 160.5 مليار جنيه للقسط، على مدار  خمسين عاماً وعلى أن تزيد قيمة القسط سنوياً بنسبة 5.7%، وأن يتم تنفيذ ذلك من اليوم التالي لنشر القانون.

إلا أن الحكومة تضيف غالب الرقم المخصص لقسط التأمينات السنوي إلى رقم الدعم بالموازنة، ففي العام المالي 2019/2020 أضافت 55 مليار جنيه لرقم الدعم بالموازنة من قسط التأمينات ووضعت الباقي في باب أقساط الدين بالموازنة، رغم أن كامل الرقم كان ينبغي وجوده في باب أقساط الدين.

أرقام أقل للدعم بالموازنة الختامية 

وفي العام المالي التالي أضافت 123 مليار جنيه كجزء من قسط التأمينات السنوي في باب الدعم، والباقي بأقساط الديون، بحجة أن ما يتم وضعه بباب الدعم هو ما يتم سداده للتأمينات نقداً أم باقي قيمة قسط العام، فيتم سداده على شكل سندات، وبالعام المالي الحالي أضافت 135 مليار جنيه من القسط السنوي للتأمينات في باب الدعم والباقي بأقساط الدين.

مما يضخم رقم الدعم بالموازنة، فبدلاً من إعلان رقم دعم صافٍ  174 مليار جنيه بالعام المالي 2019/2020، تم الإعلان عن رقم 229 مليار جنيه، والذي ذكرنا بالبداية أنه أقل بنسبة 20% مما كان عليه رقم الدعم الإجمالي بالعام المالي السابق. 

كذلك بدلاً من إعلان رقم دعم صافٍ بالعام المالي 2020/2021 يبلغ 182 مليار جنيه، تم الإعلان عن رقم 305 مليارات جنيه، وتكرر ذلك بالعام المالي الحالي فبدلاً من إعلان رقم 186 مليار جنيه تم الإعلان عن رقم 321 مليار جنيه. 

مع الأخذ في الاعتبار أنه حتى الآن لم تصدر بيانات نهائية لقيمة الدعم سوى للعام المالي 2019/2020، وبالتالي فإن أرقام الدعم الخاصة بالعامين الماليين التاليين لذلك وهما 2020/2021 وعام 2021/2022 الحالي،  يمكن ألا تتحقق عند صدور البيانات الختامية للموازنة والتي عادة ما تصدر بعد انتهاء العام المالي بحوالي ستة أشهر.

وأكبر دليل على ذلك ما حدث خلال العام المالي 2019/2020 حيث ظل مسؤولو الحكومة سواء رئيس الحكومة أو وزير المالية أو وزيرة التخطيط أو غيرهم من وزراء المجموعة الاقتصادية، يتداولون رقم الدعم بالموازنة البالغ 330 مليار جنيه طوال العام المالي،  لكنه مع صدور البيانات الختامية لتلك الموازنة تبين انخفاض مخصصات الدعم بنسبة 30.5% عما تم تداوله من أرقام، ليصل الرقم الحقيقي إلى 229 مليار جنيه فقط. 

فوائد الدين ضعف رقم الدعم 

والغريب أن الحكومة التي تسعى لخفض الدعم الغذائي المتضمن سلع البطاقات التموينية ودعم الخبز معاً والذي يعد سنداً أساسياً للفقراء، وسبباً للسلام الاجتماعي والاستقرار الأمني مع سد الشعور بالجوع لدى ملايين الفقراء، ولا يمثل سوى نسبة تدور حول 6% من مصروفات الموازنة خلال السنوات المالية العشر الأخيرة، فإنها لا تهتم بنفس القدر بما تلتهمه فوائد الديون الحكومية من مصروفات الموازنة.

وهي الفوائد التي تزايد نصيبها النسبي من المصروفات من 25% بالعام المالي 2012/2013، قبل استيلاء الجيش على الحكم إلى حوالي 40% بالعام المالي الحالي، بسبب اندفاع النظام الحاكم في الاقتراض الداخلي والخارجي، وهي مبالغ ضخمة لا يستفيد منها أحد من المواطنين، بعكس أية بنود صرف أخرى بالموازنة والتي تصب في مصلحة المواطنين.

 مثل الأجور التي تتجه لجيوب العاملين بالحكومة، أو شراء السلع والخدمات التي توفر المستلزمات الطبية بالمستشفيات وبغيرها من الجهات الحكومية، والدعم الغذائي الذي يستفيد منه حوالي 72 مليون مواطن في حالة دعم الغذاء، و68 مليون مواطن في حالة دعم سلع البطاقات التموينية.

وهكذا نجد أن قيمة الدعم الغذائي البالغة 87 مليار جنيه بموازنة العام المالي الحالي والتي يستفيد منها عشرات الملايين من المصريين، وتسعى الحكومة لخفضها خلال الفترة القادمة، تتضاءل قيمتها أمام مخصصات فوائد الدين بالموازنة البالغة 580 مليار جنيه بموازنة العام المالي الحالى وهذا بالطبع بخلاف قيمة أقساط القروض بموازنة نفس العام المالي والبالغة 593 مليار جنيه، ليبلغ مجمل تكلفة الدين بالموازنة من فوائد وأقساط 1 تريليون و173 مليار جنيه. 

وإذا كانت الحكومة عاجزة عن مواجهة مشكلة فوائد الدين في ضوء استمرار توسعها بالاقتراض، حتى تسد أقساط القروض القديمة بعد أن سقطت في مصيدة القروض، فإن لديها مجالاً آخر وهو ترشيد مقررات الدعم الحالية بالموازنة، حيث لا يحصل الفقراء سوى على نسبة 33% من ذلك الدعم، موزعة ما بين نسبة 16% لدعم الخبز، و11% لدعم سلع البطاقات التموينية، و6% لمعاشات التضامن الاجتماعي وتكافل وكرامة المتجهة لشريحة الفقراء. 

حيث بلغت مخصصات دعم الخبز 50.6 مليار جنيه، ودعم سلع البطاقات التموينية 36.6 مليار جنيه ومعاشات الفقراء 19 مليار جنيه، من إجمالي رقم الدعم البالغ 321 مليار جنيه. 

وهو ما يعني على الجانب الآخر اتجاه نسبة 67% من الدعم بالموازنة لغير الفقراء، حيث يحصل المصدرون على نصيب من ذلك الدعم، وكذلك وزارة الإنتاج الحربي وأندية العاملين بوزارة المالية وكذلك نوادي الشرطة، وحتى دول حوض النيل، ومن خلال رصد توزيع مخصصات الدعم بالموازنة تبين حصول كل الوزارات على نصيب منها مع اختلاف القيمة فيما لكل منها.

لتتواجد ضمن قائمة الحاصلين على الدعم دار الأوبرا المصرية ومكتبة الإسكندرية وهيئة قصور الثقافة والمحكمة الدستورية العليا، والهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلى للإعلام والمجلس القومي للرياضة وهيئة الرقابة الإدارية وغيرها من الجهات الحكومية، بينما يظن كثيرون أن مخصصات الدعم تتجه إلى الفقراء كما يدعي مسؤولو الحكومة وإعلام الصوت الواحد بمصر. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد