خوان غامبر.. السويسري الذي أسس نادي برشلونة وانتحر حزناً على فراقه

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/15 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/24 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
خوان غامبر مؤسس نادي برشلونة وسط عدد من لاعبي الفريق/ أرشيفية- مواقع التواصل

تُقام قبل بداية كل موسم رياضي جديد مباراة ودية استعراضية في كرة القدم تسمى "كأس غامبر" تجمع بين نادي برشلونة الإسباني وفريق آخر، حيث يركز الكثير من محبي الرياضة العالمية على الجانب الفني للمواجهة دون البحث عن سبب تلك التسمية، وعن الشخصية التي تحمل هذا الاسم "غامبر" الذي يبدو غريباً عن اللغتين الإسبانية والكاتالونية.

قد يرد عليّ البعض بأنني مخطئ وأنّ عشاق نادي برشلونة ومتابعي الكرة العالمية بشكلٍ عام يعلمون جيداً أنّ "خوان غامبر" هو مؤسس النادي الكاتالوني، فأرد عليهم: عندكم الحق ولكن يوجد الكثير والكثير جداً ممن لا يعرف ذلك ولا يعرف أنه سويسري وليس إسبانياً وأنه مات منتحراً حزناً على فراق "البرسا"، ولذلك فإني أستعرض لهؤلاء القصة المثيرة لحياة الرجل.

عاش يتيم الأم منذ سن الثامنة

وُلد خوان غامبر يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1877 في بلدة "وينترثور" السويسرية الواقعة بمقاطعة زيوريخ والتي يتحدث سكانها اللغة الألمانية، واسمه الحقيقي هو "هانس ماكس غامبر" وقد حمل اسم "خوان" بعدما سنوات من عيشه بمدينة برشلونة.

توفيت والدة خوان غامبر وهو في السنة الثامنة من عمره، فقرر والده أوغستيس هجرة بلدته الصغيرة والذهاب للعيش بمدينة زيوريخ التي تبعد عن وينترثور بـ25 كلم، آخذاً معه هانس وأبناءه الأربعة الآخرين.

وظهر ولع خوان غامبر بالرياضة منذ صغره، فكان بارعاً في ركوب الدراجات الهوائية، مثلما كان موهوباً أيضاً في ممارسة كرة القدم، حيث نشط كلاعب مهاجم في صفوف نادي بازل، قبل أن ينضم لنادي "إيكسيلسيور زيوريخ" من 1894 إلى 1896.

وظهرت قوة شخصية غامبر وطموحه الكبير خلال فترة فتوته، إذ إنه بعد خلاف مع مسؤولي نادي "إيكسيلسيور" قرر مغادرة الفريق وتأسيس، رفقة رجال آخرين، نادٍ جديد، وهو لم يتجاوز بعد سن 19 عاماً، وبالضبط يوم 1 آب/أغسطس 1896، واسم النادي هو "إف سي زيوريخ"، الذي أصبح نادياً محترفاً منذ سنة 1901 ولا يزال ينافس في الدوري السويسري الممتاز إلى الآن.

لم يستمر غامبر كثيراً في اللعب في صفوف نادي زيوريخ، حيث دفعه حب المغامرة والترحال للانتقال للعمل بمدينة ليون الفرنسية، في عام 1879، لكنه لم يتوقف عن ممارسة الرياضة في أوقات فراغه، حيث مارس رياضة الريغبي ضمن نادي يونيون أتلتيك ثم كرة القدم مع نادي ليون.

زيارة عائلية إلى برشلونة غيّرت مجرى حياته

وفي مطلع سنة 1899، وقع حدثٌ سيكون المنعرج الحاسم في حياة غامبر، حيث قام بزيارة عمه بمدينة برشلونة الإسبانية، وأعجب كثيراً بجمال المدينة الساحلية وطقسها الدافئ ما شجعه على تمديد إقامته بها خاصة مع تواجد عمه الذي شجعه كثيراً على خوض التجربة الجديدة.

وكان هانس غامبر شاباً مرحاً واجتماعياً ما ساعده على التأقلم سريعاً مع بيئته الجديدة فربط صداقات كثيرة مع الجالية الأجنبية لمدينة برشلونة بالإضافة للسكان الأصليين، ولم يتأخر في تأسيس فريق لكرة القدم ليمارس رفقته رياضته المفضلة في هيكل منظم وبشكل منتظم، ولم يكن هذا الفريق سوى نادي برشلونة الذي سيصبح، بعد نحو قرن من الزمن، أحد عمالقة الكرة العالمية وأحد أكثر الأندية الرياضية جماهيرية في العالم.

وبدأ تأسيس نادي برشلونة بنشر غامبر لإعلان بجريدة "لوس ديبورتيس" الرياضية، يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 1899، يبحث فيه عن لاعبي كرة قدم، ثم باجتماع يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، شارك فيه رفقة هانس غامبر، 11 رجلاً آخرين، أعلنوا على إثره التأسيس الرسمي لنادي برشلونة لكرة القدم، وتم اختيار أكبرهم سناً السويسري من أصل إنجليزي "والتر ويلد" رئيساً للنادي وقائداً للفريق، كما تم اختيار اللونين الأحمر والأزرق لقميص الفريق، أي نفس لوني قميص نادي بازل، الفريق المفضل لهانس (خوان) غامبر.

ومن بين الـ12 عضواً مؤسساً لنادي برشلونة، كان نصف العدد من إسبانيا والنصف الآخر من الجالية الأجنبية.

والإسبان، أو بالتدقيق الكاتالان، هم كل من لويز أوزو بارتوميو، إنريك ديكال، بيري كابوت، كارليس بويول وجوزيب يوبيت، أما الأجانب فهم السويسريان هانس غامبر ووالتر ويلد وأوتو كينزل، والألماني أوتو ماير، والشقيقان الإنجليزيان جان وويليام برسونس.

أسس نادي برشلونة ولم يرأسه!

لاحظ معي جيداً الشخصية المميزة لخوان غامبر، وتواضعه الكبير واحترامه لرأي الأغلبية وتقديره للشخص الأكبر منه سناً، فعلى الرغم من أنه كان المؤسس الفعلي لنادي برشلونة،  وكان رئيساً للجمعية العمومية التأسيسية فإنه اكتفى بمنصب الناطق الرسمي باسم النادي، والنشاط كلاعب عادي ضمن الفريق، تاركاً الرئاسة لمواطنه والتر ويلد الذي كان يبلغ من العمر 27 سنة عند تاريخ تأسيس النادي، والذي بقي في منصبه إلى 24 أبريل/نيسان 1901، حيث اضطر للاستقالة بسبب ارتباطات مهنية أجبرته على العودة إلى موطنه الأصلي إنجلترا.

لعب خوان غامبر في صفوف نادي برشلونة 4 سنوات، أي إلى عام 1903، حيث شارك في حوالي 50 مباراة رسمية، سجل خلالها 121 هدفاً، وتُوّج معه في سنة 1901 بلقب "كوبا مكايا"، وهي المسابقة التي تحولت فيما بعد إلى دوري كتالونيا، كما قاد فريقه لتنشيط أول نهائي لمسابقة كأس إسبانيا لكرة القدم، في عام 1902، الذي خسره النادي الكتالوني أمام نادي فيسكايا، وهو الاسم القديم لنادي أتلتيك بلباو، وذلك بعدما تجاوز برشلونة في الدور نصف النهائي عقبة ريال مدريد بنتيجة ثلاثة أهداف لواحد، في أول كلاسيكو في التاريخ، وسجل خلالها غامبر هدفاً واحداً.

اعتزل خوان غامبر اللعب في سن مبكرة (26 عاماً) بقصد التفرغ لمهنته التي برع فيها وهي الاستيراد والتصدير، لكن دون أن يمنعه ذلك من مواصلة الاعتناء بفريقه برشلونة والاستثمار فيه، وقد اضطر لترأس النادي بنفسه يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 1908 بقصد تفادي حل النادي واندثاره، وقد شغل منصب الرئاسة في 5 عهدات وبصفة متقطعة، حتى 17 ديسمبر/كانون الأول 1925.

وخلال فترات تولي غامبر رئاسة برشلونة، نال النادي 6 ألقاب لكأس إسبانيا و11 لقباً لدوري كتالونيا و4 ألقاب لكأس البيرينيه.

وصرف غامبر مليون بيزيطاس (العملة الإسبانية) لبناء ملعب "كامب دي ليس كورتس" الذي تم تدشينه في سنة 1922، ويتسع لـ30 ألف متفرج، حيث قرر رجل الأعمال السويسري فتح ملعب يناسب الجماهير الكبيرة لنادي برشلونة الذين ضاقت عليهم مدرجات الملعب الأول للنادي الكاتالوني "كامب ديل لا إندوستريا" الذي تم بناؤه في عام 1900  وتسع مدرجاته 4 آلاف متفرج فقط.

نُفي من إسبانيا لأسباب سياسية

بعد سنوات عديدة من السعادة والرفاهية، انقلبت الأمور رأساً على عقب في حياة خوان غامبير لأسباب سياسية لها علاقة بحبه الشغوف لـ"ابنه"؛ عفواً.. أقصد لناديه برشلونة، حيث تحولت حياة الرجل المرح والطموح والمكافح إلى حياة التشرد والحزن والاكتئاب انتهت بوفاته منتحراً.

فقد اضطر خوان غامبر لمغادرة إسبانيا في سنة 1925 بعدما اتهم من طرف النظام الديكتاتوري لحكومة بريمو دي ريفيرا بالنضال من أجل انفصال إقليم كاتالونيا، ثم سُمح له بالعودة إلى برشلونة بعد سنوات قليلة من النفي لكن دون السماح له بالتدخل في شؤون النادي ولا حتى الاقتراب من محيطه.

وكان هذا الأمر بمثابة منع الأب من رؤية ابنه الذي رباه واعتنى به منذ ميلاده حتى اشتداد عوده وأصبح رجلاً يحترمه ويهابه الرجال، فدخل غامبر في حزن شديد ودرجة كبيرة من الاكتئاب، انتهت بإفلاسه في عام 1929 ثم بانتحاره يوم 30 يوليو/تموز 1930 بمنزله في برشلونة ودفنه في اليوم التالي بمقبرة "مونتجويك" بحضور جماهير غفيرة.

فرانكو رفض إطلاق اسمه على ملعب "كامب نو"

واستمر خوان غامبر يتعرض للظلم حتى بعد وفاته، حيث رفض الديكتاتور فرانكو في عام 1955 طلب نادي برشلونة بتسمية ملعب "كامب نو" باسم "خوان غامبر"، إذ كان الملعب الشهير حينها في طور الإنجاز، وتم افتتاحه رسمياً في شهر سبتمبر/أيلول 1957.

وقد برر فرانكو رفضه بأن غامبر لم يكن مواطناً إسبانياً بل أجنبياً مات منتحراً، وهي الحجة التي يعتبرها المؤرخون واهية، وذلك بحكم أن غامبر كان يرى نفسه برشلونياً خالصاً، وقد غير اسمه من "هانس" إلى "خوان"، ويجيد التحدث باللغتين الكتالونية والكاستيلان (الإسبانية) وكان يُلقي خطاباته دائماً بالكاتالونية.

ولكن في حين كان غامبر وجد التجاهل من طرف النظام الإسباني في ذلك الوقت، فإنّ الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لنادي برشلونة، الذي قرر في عام 1966 إنشاء مسابقة رياضية تخلد اسمه وهي كأس "خوان غامبير"، تُقام في شهر آب/أغسطس من كل سنة، والتي كانت حتى عام 1996 تُلعب بمشاركة 4 أندية، ثم أصبحت تجمع بين فريق برشلونة ونادٍ آخر، بحضور أبناء وأحفاد مؤسس النادي الكتالوني العريق، كما منح النادي اسم "خوان غامبر" للمدينة الرياضية الشهيرة التي تم تدشينها في عام 2006 ويتدرب فيها نجوم "البرسا".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مراد حاج
صحفي وكاتب جزائري
صحفي وكاتب جزائري
تحميل المزيد