"عاش خاين لبلده.. ومات بطل معاه ذهبية، لكن خسر بطاقة التموين، ولقاء تلفزيوني مع منى الشاذلي، سيدة البكائيات"، تعليقات ساخرة كثيرة أطلقها المصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد فوز الرباع القطري ذي الأصول المصرية فارس حسونة، بالميدالية الذهبية في منافسات رفع الأثقال للرجال وزن 96 كيلوغراماً ضمن منافسات أولمبياد طوكيو 2020. حقق حسونة أول ميدالية ذهبية في تاريخ مشاركات قطر في الألعاب الأولمبية.
متى تنجح مصر في صناعة البطل الأولمبي، من أجل تشريف مصر في المحافل الدولية، بما يتناسب مع طموحات المصريين وقدراتهم الوفيرة؟ تساؤلات بديهية طرحها الكثيرون بعد الظهور الباهت- رغم بعض الإنجازات الفردية- للبعثة الأوليمبية كالعادة، ولكن السؤال الأهم: هل نجحت مصر في صناعة الإنسان، أو حتى حاولت؟
"إحنا الحرب حطبها ونارها.. وإحنا الجيش اللي يحررها.. وإحنا الشهدا ف كل مدارها".
مصر ليست وطناً نعيش فيه.. ولكن مصر زي ما أنت شايف كده
يحتاج الإنسان مثل باقي الكائنات على الكوكب، للقليل من الاحتياجات كما تحدث عنها ماسلو في هرمه الخالد مثل خوفو وخفرع ومنقرع. يعتقد ماسلو أن الإنسان يحتاج للغذاء، وهذا صحيح، ففي مصر فقط تحتاج رغيفاً من الخبز وقرص طعمية محشية كبير الحجم، لتصنع ساندوتش أصيلاً لا تضاهيه شطائر كنتاكي وبرجر كينج، وبتكلفة أقل مما تتوقع، قرص الطعمية لا يتعدى 50 قرشاً، ورغيف خبز مدعم بـ5 قروش فقط.
عفواً عفواً، حدث خطأ، كان الرغيف بـ5 قروش قبل أن ينتبه له السيسي، وقبل أن يوقع بيده على شروط صندوق النقد الدولي في نوفمبر عام 2016 من أجل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، لإنشاء قناة السويس الجديدة، ولكن بشروط صندوق النقد، التي تتضمن تحرير سعر صرف الجنيه "التعويم"، ورفع الدعم بصورة تدريجية، حتى الوصول لرفعه تماماً، إضافة لتقليص عدد العاملين بالجهاز الإداري المصري.
"هما الأُمَرا والسلاطين.. هما المال والحكم معاهم.. واحنا الفقرا المحكومين"
عبدالفتاح السيسي.. السيجارة لا تزال في يدي
السيسي يرى أنه "من غير المعقول أن يكون ثمن عشرين رغيف خبز مساويا لثمن سيجارة واحدة". مؤكداً أنه "حان الوقت لرفع سعر رغيف الخبز". بينما في العام 2016، عقب موافقة صندوق النقد على إقراض مصر، كان يؤكد أن "رغيف الخبز يكلف 60 قرشاً، لكنه لم يُمس ولن يُمس".
لم يُمس إلا بنسبة 300% ليصل سعر الرغيف ثلث المدعم إلى 20 قرشاً، بدلا من 5 قروش، حسب إعلان اتحاد غرف تجارة مصر، والذي بالتأكيد لم يستجب لتصريحات السيسي حول زيادة سعر الرغيف، بل تلك القرارات من بنات أفكارهم، ونتاج عملهم الدؤوب، من أجل إسعاد 70 مليون مصري، هم عدد المستحقين للخبز المدعم والمسجلين على بطاقات التموين.
"هما بياكلوا حمام وفراخ.. واحنا الفول دوّخنا وداخ"
الحق في السكن.. حاول مرة أخرى
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعترف في مادته الخامسة والعشرين بحق الإنسان في السكن كجزء من الحق في مستوى معيشة لائق أو كافٍ، ولكن السكن سقط من طموحات المصريين مثل حقوق كثيرة، لا يسمع عنها المصريون سوى في نشرات الأخبار، ومؤتمرات السيسي شبه الشهرية، التي يتفاخر خلالها بقدرته الفذة على حل مشاكل مصر المزمنة، ويحكي عن مشاريعه العملاقة وعاصمته الإدارية الجديدة.
يعاني المصريون دائماً وأبداً من أزمة السكن، نظراً للظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعيشها شرائح كبيرة من الشعب المصري، فربما تجد أحدهم يواجه الحياة طيلة عمره من أجل انتزاع وحدة سكنية مساحتها 70 متراً في منطقة شعبية بنهاية عمره، يتركها للورثة لربما تفيدهم في مجابهة ظروف مصر الاقتصادية.
قبل أعوام قدر البنك الدولي حاجة المصريين للوحدات السكنية بـ3 ملايين وحدة، فقط من أجل تغطية العجز الحاصل، إضافةً للحاجة إلى 500 ألف وحدة سنوية من أجل حالات الزواج، كما توجد فجوة هائلة بين طبقات المجتمع المصري.
فبينما يسكن المصريون كل مكان، بداية من المبانى السكنية الآيلة للسقوط، ونهاية بالمقابر، مروراً بكل مساحة خالية يمكن أن تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، تتنعم فئة صغيرة بخيرات مصر في مساحات خاصة بهم، وليس بعيداً عنهم رأس النظام عبدالفتاح السيسي، الذي يكفيك مشاهدة مقطع مصور قصير للمقاول الفنان محمد علي، لتعرف حجم الأموال التي يضخّها على قصوره الرئاسية.
"هما بيلبسوا آخر موضة.. واحنا بنسكن سبعة ف أوضه"
صناعة الإنسان قبل صناعة البطل
الشعب المصري يعيش في عصر السيسي منذ العام 2013، في براثن القمع والاستبداد، فلا حرية ولا كرامة، بعد تجربة حرية قصيرة بين عامي 2011 و2013، فالسجون ممتلئة بكل أطياف المصريين، والإعلام يسبّح بحمد النظام، وكل السلطات بيد رجل واحد، فأصبحت مصر دولة الصوت الواحد والرجل الأوحد، الذي يمتلك كل الحلول وحده، ولا يحتاج دراسات جدوى، أو آراء خبراء ومختصين، من أجل التصرف بموارد مصر الوفيرة.
مصر التي لا تستطيع أن توفر لأبنائها الحقوق الأساسية للحياة، فلا خبز مدعم ولا سكن آدمي ولا حرية، بكل تأكيد لن تقدر على صناعة بطل أولمبي يرفع علمها أمام العالم، فالعلم ذاته منكس في شوارع المحروسة، وسيظل مسؤولو الرياضة المصرية يخدعوننا بعدد ميداليات أولمبية لا تكفي لإسكات طفل، بينما هي من نتاج أصحابها وقدراتهم الخاصة، وسعيهم لصنع تاريخ حقيقي بأقل الإمكانيات.
"عيش.. حرية.. كرامة اجتماعية"
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.