الكثير من العلاقات الزوجية تنهار بسبب العيوب، فتجد الشكوى أن ما ظهر من عيوبه يؤلم لدرجة لا تحتمل الاستمرار، وتجد تناول طرفي العلاقة للعيوب غير المستساغة إما بالنقد، أو الشجار واللوم والنكد والعقاب الصامت والعدواني كالهجر وترك الواجبات… إلخ، وإما بالاحتقان والصمت وتصور أن الكبت هو التغافل، مع أن خلق التغافل لا يقوم إلا على قلب صافٍ مدرك لطبيعة من أمامه فيغض الطرف تواضعاً ورأفة، وليس امتعاضاً واستياءً، وهذه النوعيات من المعاملات تكبر العيوب وتزيدها ضراوة.
أؤمن أن لكل صفة سلبية، وجهاً آخر إيجابياً نستطيع استدعاءه بحسن الظن والمعاملة الطيبة؛ فلكل إنسان شريك حياة يتناسب مع صفاته ويتكاملان سوياً بالمودة والرحمة. فالأمر يستدعي حسن الاستثمار في العلاقة الزوجية منذ أولى لحظاتها. ضبط النية في أول العلاقة على أن شريك حياتي مني وأنا منه؛ فلا تقف له على أخطائه أو تضخمها، ولا تقف له على عيوبه وتنتقدها وتسلط عليها الضوء فتطغى على باقي صفاته الطيبة، فتحوله بنظراتك الناقدة والمتصيدة لأسوأ صورة من نفسه.
التخلص من النظرة الملائكية هو سبيل الزواج الناجح، وحسن فهم طبيعة الإنسان الضعيفة سبيل كل غفران وتجاوز. نحن دوماً نبحث عن سبب الخطأ لنعفو، والحقيقة أن جزءاً من تركيبة الإنسان أن فضوله يدفعه للتجربة، نسيانه يدفعه لتخطي الحدود دون اهتمام بالعواقب، وشهواته تدفعه للزلل دون وجه حق. وحين يستشعر الإنسان أنه قد زل، يحتاج لأمل في رجوعه للصواب، يحتاج ليتذكر أن به من الصفات الجيدة التي تعده بصلاحه، فالزلل يؤلمه ويشعره أنه سيئ للغاية، ونحن نحتاج أن نؤمن بخيرية ذواتنا لنستطيع التغلب على فجورها وتقويمها.
من أصعب ما يكون في شريك حياتك المطلع على نقاط ضعفك قبل قوتك من شدة قربه وحميمية العلاقة، أن يكون هو العين التي تكبّر عيوبك وتكرّهك في ذاتك وتجعلك تشعر بالخزي والعار فقط لأنك أنت.
ولم يكن واجب الزوجين لبعضهما إلا شد العضد وحسن الصحبة وتجديد الإيمان بالنفس وفي الله وفي الطريق، بأن يكونا السكن في زمن الزلزلة، والرحمة في غلبة الطبع والفجور، والمودة التي تصبر على نوائب الدهر.
"كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
كانت هذه كلمات السيدة خديجة تثبت قلب الرسول، صلى الله عليه وسلم، لما حدثها بشأن المَلك الذي نزل عليه بغار حراء، حين قال لها معبراً عن خشيته: "لقد خشيتُ على نفسي".
انظر كيف جبرت حينها الحالة الشعورية الخائفة لديه، لم تمتص خوفه فتخاف وتتزلزل معه، ولم تمتعض لرؤيته يخاف فتقول له أنت الرجل الذي أحتمي به كيف لك أن تخاف، ولكنها ثبتته وذكرته بمواطن قوته فكانت له نعم الزوجة التي تعين على نوائب الحياة.
الإنسان إنسان لأنه ينسى، يحتاج أن يتذكر، فحين ينسى وتغلبه طباعه، ويتذكر مواطن جماله، يستطيع أن يكمل دون أن يتوحد مع سوء الطبع، فيكون هناك دافع قوي يزيد من قدرته على إظهار ميزاته والحد من ظهور العيب.
"رائعون هم أولئك الذين يتقبلون غلبة طبعك؛ فلا يسلطون الضوء على ما تعجز عن القيام به ولا يشعرونك بتأنيب ضمير تجاه ما لا تحسنه، رائعون هم أولئك الذين يقبلونك "كما أنت"، كم أنتم رائعون يا من تجبرون نقصنا في هدوء دون "منّ" ولا "أذى"" – طارق عبدالفتاح.
طبيعة الحياة الزوجية في وصفها القرآني "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"، حين تتفكر في وظيفة اللباس للإنسان تجد القرآن قد شرحها بأنه يواري السوءة؛ يخفي القبيح ويظهر الجميل، يتزين به المرء ويدفأ، ويقي نفسه من عوامل الجو، ويرتاح فيه، وقريب منه حد الالتصاق. فطبيعة العلاقة الزوجية ليست إلا إظهار للجمال، إخفاء للعيوب، دفء، قرب، وقاية، وحماية.
صدقاً لم تكن العيوب أبداً السبب الحقيقي لانهيار العلاقات الزوجية، ولكن كان ضيق الأفق والتصورات الملائكية وعدم فهم طبيعة النفس والانشغال بعيوب الآخر أكثر من العيوب الذاتية هي سبب انتكاسة العلاقات.
فإن قلت لا أستطيع تحمل العيوب، دعني أقُل لك: وهل أنت خالٍ منها؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.