سأرحل مستبقياً حبكم
ولكن إلى أين ذا المرحلُ
دعوا الدمع عن مقلتي ينقُلُ
حديثَ الهوى فهوى المرسَلُ
هكذا وَدع ليو أو وُدِّع بعد مؤتمر في الكامب نو ليعلن عن الفصل الذي انتظره الجميع، ليعلن انتهاء الرواية الجميلة بنهاية حزينة، ليذكِّرنا دائماً بأنه كلما أصابك فرح فانتظر الفصل الحزين، وما لفرح إلا وله نهاية على قدره؛ فكلما زاد ارتفاعك إلى السماء انتظر سقوطاً بقدره على الأرض.
ليو الذي نظر الأعمى إلى قدمه وأطربت متعته من به صممُ قرر أن يصنع يوماً سيظل يذكر في التاريخ للأبد، ليقال هذا يوم انتهت رحلة كرة القدم في برشلونة، في هذا اليوم غادرت الكرة أول مرة مكانها في شعار الفريق الكتالوني لتبحث عن مكان آخر، في شهر أغسطس/آب سيتذكر جميع سكان كتالونيا بارتوميو في قصيدة سب جماعية، سيمنع تسمية اسم جوزيب في الإقليم مجدداً، فمن يعرف ماذا يمكن أن يضيع هذا الصغير عندما يكبر؟
سيغلق كاتب التاريخ الصفحات؛ هذا ما كان يخشاه البرشلونيون بعدما علَّمهم ليو أن صفحات التاريخ لا تغلق طالما كان في الملعب، وأن المباريات لا تنتهي والكرة ما زالت بين أقدامه، ولكن من يصنع لك بعد اليوم تاريخاً يا برشلونة؟ أضعتِ تشافي هيرنانديز قلنا أكثر من مجرد نادٍ، ذهب الرسام إنييستا قلنا كرة القدم تستمر، هرب نيمار فمزِّقت قمصانه وقيل صغير وذهب، ولكن عندما تغادرك كرة القدم هل يمكنك الصمود؟ هل كانت الأحوال الاقتصادية سبباً كافياً لتلقي بالكرة نفسها؟ هل لدى الإدارة من خطط تعوض بها ما لا يعوض؟
من يسجل بعده؟ ومن يصنع؟ من يمتع ويراوغ ويحرز البطولات؟ من سيكون لديه من روحه وقتاليته في الركض من المرمى للمرمى؟ من سيحمل الفريق حتى عامه الرابع والثلاثين ولا يجاريه الشباب؟ من الذي سيستخدمه النادي في جذب الدعاية بعد اليوم؟ بالطبع لن يكون بوسكيتس مثلاً. مَن الذي ستقنع به اللاعبين أن يأتوا رغم سوء أحوال النادي فقط ليقول لعبت بجوار ميسي يوماً ما؟
تلك الأسئلة لا توجد لها إجابة وإن وُجدت إجابة واحدة بالنفي فهي ما ترعب كل الكتالونيين قبل رؤية الإجابة بعينهم في القريب العاجل.
ففي أسوأ الظروف كان يظهر هذا القصير ليهون عليهم، كان يشبه الأبطال الخارقين، يظهر من العدم ويتحمل الأذى دون الآخرين.
في هذا اليوم رغم أنه ليس بيوم تعليق حذائه واعتزاله، فإن قصة الحب بين البرسا وليو بعد الفصل الأخير أحزنت الجميع باختلاف انتماءاتهم، ربما أصبحت الأمور أيسر على فرق الدوري الإسباني ولكن لو يستطيعون جمع الأموال لبرشلونة ليجددوا عقد ميسي لفعلوا.
هو الوحيد الذي كنت تستمتع بالخسارة منه، حتى الحراس يفتخرون بدخول أهداف في مرماهم بقدمه، ربما سيكون هناك بعض السعادة الداخلية لدى البعض، ولكن هناك رعب لكن منافسيه المستقبليين عندما تنتشر بعض الأخبار عن محطته القادمة؛ فهل سيذهب ليقف أمام إيفل كما وقف هتلر، أم سيذهب ليكمل الغزو النورماندي لمدينة مانشستر؟ كل هذا يقف العالم أجمع لينتظره، وكما تحدث الجميع عن برشلونة ما بعد ميسي وكيف ستتأثر، سيتحدث وسينتظر الجميع ميسي ما بعد برشلونة، ما الذي يحمله المستقبل له؟ هل تكون بداية النهاية أيضاً؟ هل فعلاً "من خرج من داره قل مقداره"؟ هل سيكون ميسي مضغوطاً بالإثبات للجميع أنه قادر على النجاح خارج البرسا وخارج الدوري الإسباني؟
أم هل سينفجر في دوري الأبطال ويأكل الأخضر واليابس عندما يلعب مع فريق يحمل أسماء تساعده على هذا؟ هل يكشف عن الوجه الذي كاد ضعف أسماء برشلونة يمحوه؟ هل تعود تلك النسخة التي كانت تقضي على المدافعين قبل بداية المباراة؟
"وقولَها ودموع العين واكفةٌ: هذا الفراق الذي كنا نحاذره"
مؤتمر ميسي اليوم أثبت أنه كان ولآخر لحظة وبشكل مختلف عن العام الماضي راغباً في البقاء حتى الثواني الأخيرة، كان حسم أمره بالبقاء حتى النهاية، ولكن مثلما رغب في الذهاب وعارضته الظروف اليوم، كانت رغبته في البقاء فأكدت على عنادها له كالعادة.
فوقف باكياً في البداية لإحساسه بالعجز، وهو الذي كان من الصعب أن يعجزه شيء في الملعب، تحدثَ عن أنه لا يستطيع الكلام وأن خروجه هذا صعب عليه كما هو صعب على محبيه، ولكن يا صديقي الوداع سنة الحياة.
ربما نحن ما زلنا محظوظين أنه ليس الوداع الأخير، وما زال هنالك فصل في الحكاية بألوان مختلفة وأهداف مختلفة دعونا نستمتع بها لأنها حتماً ستكون قصة مختلفة وممتعة رغم غرابتها ورغم قسوتها والألم الذي بُنيت عليه، ولكن الناجح من يبني فوق الألم لا من يصرخ أسفله.
سيبدأ مشجعو برشلونة الآن في تذكر ما قالوه، كمثل الأم التي تودع ابنها المسافر بسبب ضيق العيش، حدث هذا الأمر بعد هزائم البرسا العام الماضي وتعدد الكوارث، اخرج يا ليو والعب كرة دون ضغوط، اخرج وتمتع واترك الألم لنا، فكَم من الوقت كنت صامداً، ولكن حان الوقت رغم قسوته على قلوبنا.
اذهب يا صديقي والعب الكرة مع من يستحق أن تجاوره بعدما شاهدت في آخر أيامك معنا من لا يستحق حتى مبادلة قميصك، اذهب واحصل على البطولات، ولكن لأول مرة لن نتمنى لك التوفيق فيها إن نافستنا، سنتمنى لك الإبداع والتوفيق في الأهداف، ولأول مرة سنتمنى لك الخسارة لا الفوز فيما ستنافسنا فيه. لن يستطيع أحد أن يعوض رحيلك مهما حصل، ولن نستطيع أن نودعك إلى الأبد، فنحن مؤمنون بأنك يوماً ما ستعود.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.