نيكولاس سباركس قال إنه أحب زوجته بشدة، كان يحبها وهي معه، لكن بعد أن انفصلا، بعد سنوات؛ اكتشف أنه يحبها أكثر حينما غابت عنه.
إن أسوأ شعور قد يعيشه الإنسان، أن يُفارق، أن يرحل، أن يترك البيت الذي تربَّى فيه، البيئة التي نشأ بها، الوطن الذي احتضنه وسار في شوارعه، والأشخاص الذين سكنوا قلبه، ثم مضطراً أو راغباً كان؛ فارقهم.
ليس الصعب في رحيل ميسي أنه رحل، فهو بالتأكيد سيعتزل، وعسى أن يكون قريباً، لكن الصعب أن ما تركه ميسي يجعل نسيانه مستحيلاً.
عند كل هجمة ستبحث عنه، ستنتظر أن ينقذنا، ستتمنى أن يأتي كورقة معاملات ناجحة من بنك الاحتياط، والأهم، أنك ستكتشف كم تحبه بعد هذا الطلاق، كما أحب نيكولاس زوجته، وعشقها أكثر بعد أن انفصلا.
لماذا وصلنا إلى هنا؟
من يتذكر ميسي؟ الذي لا يتحدث إلا نادراً للصحافة، دائماً مبتسم، يلعب الكرة كطفل صغير، إذا ضُرب ابتسم؛ لدرجة تشعرك أنه لا يحمل كراهية لأحد.
ميسي لم يكُن أبداً خائناً، قبل سنوات أخبر الجميع: إذا رحلت يوماً ما، سيكون ذلك بسبب طردهم لي، وليس برغبتي أبداً.
ولم يكن حتى عدوانياً، كان إذا ضُرب ابتسم، ثم نهض كأن شيئاً لم يكُن، لكن كل شيء بدأ من هناك، من الماراكانا، التراكمات خلقت ميسي جديداً، ميسي نفسه لا يعرفه.
في برشلونة، مع غوارديولا أكل ميسي الشهد، وبعد رحيله تغيَّر الأسلوب، هذا أفاد ميسي تكتيكياً، لكنه أفقد الفريق بريقه بالتدريج.
في الأرجنتين، وصل النهائيات، اقترب من منصات التتويج، لكنها انتهت جميعها بنفس السيناريو، كأس العالم مرة، ومن ثم الكوبا مرتين، بطريقة درامية مكررة، أمر عجيب ألا تبتسم لك الحياة مهما قدمت، لكن هذا حدث مع ميسي.
حينها، ماتت الأرجنتين من البكاء، ليس للخسارة فحسب؛ بل لأنهم حينها فقدوا ما هو أثمن من الكأس، خسروا ميسي، الذي اعتزم يائساً عدم تمثيلهم مرةً أخرى.
بعد أن اعتزل، طالبَته بالعودة، فعاد، وضاقت الأمور كثيراً، فتأهلت إلى المونديال من عنق زجاجة، وكان ميسي هو من سحبها من هذا العنق.
ثم ذهبت لروسيا، بشمس منطفئة، وجيش من الأضعف على مدار تاريخها، والتطلعات كانت عالية، تلامس السحاب، فكانوا يطمحون للظفر بالكأس، لكن الأرجنتين كانت مريبة، فترنَّحت، وسقطت بسهولة مطلقة.
وبين خسارتي الكوبا الأولى والثانية، في برشلونة، ودع تشافي وتسلم رايته، ليس مجازاً بل حقيقة، فتحول ميسي إلى تشافي وتطور كثيراً في هذه الجزئية، لأن كل الصفقات فاشلة مهما كان اسمها وقيمتها.
قدم موسماً خيالياً في 2017، لم يجنِ خلاله سوى كأس الملك، ولم يحقق ما كان يتمناه، ثم رحل أحد أضلاع المثلث الذي كان يعول عليه ميسي، نيمار، وبقي المثلث لا هو قائماً في الوقت المناسب، أو حاداً حينما تضيق الأمور، ولا حتى منفرجاً.
وجلبوا من يعوض نيمار، ففشل، وجلبوا من يعوض إنييستا، ففشل، ورحل إنييستا، فتسلم رايته ميسي، ليس مجازاً، بل حقيقة، لقد أصبح ميسي هو تشافي وإنييستا، علاوة على دوره كميسي.
وخسر دوري الأبطال مرتين بنفس الطريقة، دراما لأبعد الحدود، فهذه الأشياء تحدث مع ميسي، كما حدثت مع الأرجنتين، وفي كل المرات كان يقدم كل ما لديه، لكن المحصلة فشل.
لكن ما لم يحدث في الكامب نو منحته إياه الحياة في الماراكانا، وشعب برشلونة كان يقف خلفه، كحال شعب الأرجنتين، بل هم أكثر؛ لأنهم تمنوا ألا يروه حزيناً بعد الآن.
هل رحل ميسي عن برشلونة اليوم؟ لا، ميسي رحل منذ زمن، رحل في الأولمبيكو، في الأنفيلد، وربما دُفن في لشبونة.
أتى كغريب، ورحل كبطل، كرمز للمدينة والنادي، وقع عقده الأول على منديل، وغادر بسبب أفكار استثمارية، وانتهت أعظم قصة حب بطريقة لا تصح درامياً، ونهايتها كبيسة لكل مشاهد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.