لم يعلِّق على فستاني الجديد؟ هذه مصيبة.
مما لاحظته في قرارات الانفصال في معظم العلاقات -وأقصد هنا مشاريع الارتباط المحترمة التي يجمع بين طرفيها ميل قلبي وتوافق عقلي واجتماعي أثناء الرؤية أو حتى بعد الخطوبة، وليست علاقات المراهقة غير الناضجة أو تلك العلاقات السيئة التي يتسلَّى أحد أطرافها بالآخر ويتخلى عنه بلا سبب- أن المشكلة الأكبر تتمثل في جانبين مهمين جدّاً، دقيقين جدّاً، وللأسف لا ينتبه لهما معظم الناس.
ارتخائية الرجل
من إشكاليات الاختلاف بين الجنسين جهل المرأة بطبيعة الرجل (الارتخائية)، تلك التي تدفعه لأن يؤثِر البساطة على التعقيد، ويميل بطبعه إلى الهدوء وراحة البال والبحث عن علاقة سلسة ومريحة بلا منغصات نفسية مرهقة، هو يريد أن يأكل وينام ويذهب إلى عمله، ثم يعود إلى البيت بعد يومٍ شاقٍّ ليجد بعض الراحة والأنس جوار زوجته وأولاده، فيشاركهم بعض الترفيه والمرح ويتفقد أمورهم الدينية والعلمية، ويقرأ كتابه ثم يخلد إلى النوم.
في غالب الأمر، تشغل مخاوف الرجل الحقيقية حيِّزاً واقعيّاً أكثر مما تشغله نفسيّاً (أي مشاعريّاً كما تفعل الأنثى)، لذا يرهقه التفكير في الظروف الاجتماعية المتقلبة وتعرقل سير العمل والتكسب المادي، ثم الخريطة الأسرية بشكل عام بعد الزواج أكثر مما قبله، مثل: الإنجاب والتربية وتعليم الأطفال والخطة الإنفاقية، وكلها أمور لا تمس شريكة حياته بشكل شخصي، إنما تمس علاقتهم الزوجية والأسرية بشكل عام.
هواجس الأنثى
نظراً لطبيعة الرجل الارتخائية التي أشرنا إليها، فإنه للأسف يحتاج إلى قدرٍ عالٍ من الصبر ليصل إلى كينونة الأنثى النفسية ريثما تجد معه السكينة، وهي مهمة شاقة تتطلب لياقةً نفسيةً عاليةً، وقدراً معقولاً من المرونة في التعامل الذكي مع تقلبات الأنثى وأفكارها الداخلية المتغلغلة جراء الكثير من التجارب السابقة أو القراءات التي تطلع عليها وتكتشف فيها ماهيتها وشخصيتها.
النساء اللاتي يسيطر على "أغلبهن" خليطٌ من الهواجس النفسية قبل الزواج أكثر مما بعده، وتغرق فيها الفتاة المثقفة الواعية أكثر من الأخرى البسيطة؛ وكأن الوعي الزائد هنا وبالٌ على صاحبته، فتصنع لا إراديّاَ شرنقةً حول ذاتها، وتضع ميكانيزمات دفاعية داخلية تقيها من شرور هذا المخلوق الغريب الذي يحاول التقرب منها واقتحام مساحتها. يزيد من حجم الشرنقة وقوتها الخذلان من التجارب السابقة أو الإساءات النفسية التي مرت بها الفتاة منذ طفولتها.
تلك الهواجس تبدو طبيعيةً في حجمها المناسب، من حق المرأة أن تشعر بها كونها الجانب الأضعف، لحمايتها من الحَصر الناتج عن مشاعر وأفكار غير مريحة أو التهديد بقرب خطر، بشرط أن تزول سريعاً بمجرد الاطمئنان مع الشخص.
أين تكمن المشكلة؟ عندما تنتقل من كونها هواجس إلى حقيقة ثابتة، فتصدقها في نفسها بشكلٍ غير واعٍ، وتصدرها تجاه الرجل حتى لو كان نبيلاً وشهماً وصالحاً بالشكل المرغوب فيه، ولا يعلم ذاك المسكين عنها شيئاً.
يفاجأ الشاب أنه واقف على أعتاب قلعةٍ من نارٍ، ذات أسوارٍ شاهقةٍ: سورٌ من الخذلان المتوقع، وسورٌ من القلق العاطفي، وسور من الغيرة المذمومة، وغيرها من الأسوار النفسية، التي تُحتِّم عليه الصبر لاجتيازها إن أراد الظفر بأميرته. فماذا لو فتَّحت الأميرة الأبواب قليلاً؟!
تصدع وانهيار
لا يوجد حل مباشر بضغطة زر للأسف للتخلص من كل هذا التوتر والقلق العاطفي، فلا الشباب يصبرون على النساء -وإن كان هذا من باب الحب والإخلاص وليس الواجب- فيحاولون تفكيك تلك العقد النفسية، ولا النساء يدعن لهم الفرصة أصلاً لتفكيكها، لذا تنتهي أغلب هذه العلاقات بالانفصال رغم حجم التوافقات النفسية والاجتماعية بين الطرفين.
ثم تكون النتيجة المأساوية أن أكثر الشباب ربما يبتعدون، كرهاً لا حبّاً، عن تلك العلاقة مهما كانت الهالة التي تغطي الفتاة، حتى ولو كانت تلك الفتاة الفاتنة شكلاً وعقلاً، والمنشودة ديناً وخلقاً من الجميع ويتحدث عنها الناس. تخيل أن يضطر الشريكان لإنهاء حالة الحب بينهما، وتلك الرغبة الصادقة في الارتباط تحت عجز التفاهم والوصول إلى حالة السكنية والراحة، لماذا؟ لأن الشاب ببساطة غير قادر على مجاراة وتحمل كل هذا الضغط النفسي بمجرد تقربه منها، هو يرى نفسه إنساناً طبيعياً، لم يفعل سوءاً، لم يفعل سوى سعيه ليظفر بمن أحب وإكمال حياته معها، هي تحديداً دون غيرها، لكنه لم يجهِّز نفسه لهذه المعارك النفسية التي لا يدَ له فيها من الأساس، ولأن الفتاة المسكينة تسيطر عليها أفكار داخلية سلبية أغرقتها ولا تستطيع التخفف منها سوى بمزيد من الصبر والترفق والحكمة والبصيرة.
كيف السبيل إلى التفاهم؟
السبيل الأمثل هنا أن يكتسب الرجال بعض المرونة في التعامل ومحاولة فهم الأنثى بمنظور أشمل وأعمق من الصورة النمطية المصدرة عنها، وأن يترفق بها ويطمئنها ويصل بها إلى حالة السكنية المرغوبة. وأما في جانب الأنثى، فالمهمة أصعب، لأنها تتطلب بعض الفهم لنفسها وطباعها وفقه التعامل معها قبل الآخر، وأن تتخلى رويداً عن مخاوفها المستقبلية تجاه الرجل، وتعطيه فرصة أكبر للتعبير عن حبه واهتمامه ورعايته لها، والأهم ألا تدع تجارب الآخرين المحيطين بها التي انتهت بالفشل وعدم الاكتمال، أن تؤثر نفسيّاً عليها بالسلب وتغرقها بسيناريوهات سيئة تجاه الشريك الآخر.
هكذا يكون الحل، وإلا سينكسر الحبُّ أخيراً تحت عجز التفاهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.