علاقة غامضة بين الحكومة والبنوك.. هذه هي مشكلة الاقتصاد المصري

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/02 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/02 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
البنك المركزي المصري

تميزت المصارف المصرية بعدة سمات أبرزها صغر الحجم مقارنة بالمصارف الدولية وحتى العربية، واستحواذ المصارف الحكومية على النصيب الأكبر من الأنشطة المصرفية رغم بلوغ عددها سبعة مصارف من إجمالي 38 مصرفاً، بداية من تلقي الودائع إلى منح القروض، وانخفاض معدل نشاط القروض مقارنة بحجم الودائع، وتفضيل العديد من المصارف اقتناء أوراق الدين الحكومي من أذون وسندات خزانة مضمونة العائد بدلاً من النشاط الإقراضي الذي يساهم في إنتاج السلع والخدمات والتشغيل، وحتى مع ممارسة النشاط الإقراضي فإنه يتم تفضيل إقراض الجهات الحكومية بغض النظر عن وجود دراسات جدوى لمشروعاتها من عدمه.

تراجع أرباح المصارف المصرية بنسبة 29%

بنهاية أبريل/نيسان الماضي، وهي آخر بيانات متاحة حتى الآن، بلغت أصول المصارف المصرية 7.624 تريليون جنيه مصري، إلا أنه مع تحويل الرقم إلى الدولار تصبح القيمة حوالي 485 مليار دولار، وهي قيمة أصول تقل عن أصول كثير من البنوك الدولية، كما تجعل مصر بالمركز الخامس عربياً من حيث قيمة الأصول المصرفية، وهكذا بلغت ودائع المصارف المصرية 352 مليار دولار، والقروض بها 173 مليار دولار وحقوق الملكية 34 مليار دولار فقط.

الملمح الثاني هو استئثار المصارف المملوكة للحكومة بالنصيب الأكبر من النشاط المصرفي، حيث استحوذ البنك الأهلي المصري، أكبر المصارف المصرية، على نسبة 32% من مجمل أصول المصارف ونسبة 35.5% من الودائع المصرفية و33% من القروض و26% من حقوق الملكية لكل المصارف.

فإذا أضيف له بنك مصر، صاحب المركز الثاني من حيث حجم الأصول، يصبح نصيب البنكين معاً 51.5% من مجمل الأصول وحوالي 56% من إجمالى الودائع، و51% من مجمل القروض و45% من مجمل حقوق الملكية.

نصيب كبير للبنوك الحكومية

ونظراً لامتلاك الحكومة خمسة بنوك أخرى هي: القاهرة والعقاري العربي والزراعي والتنمية الصناعية والمصرف المتحد، فإنه بإضافة تلك المصارف يزيد نصيب المصارف الحكومية من السوق المصرفية.

وكان صندوق النقد الدولي قد اتفق مع الحكومة المصرية على السير في خصخصة البنوك الحكومية في الاتفاق الذي تم عام 1991، لكن الحكومة لم تقم سوى بخصخصة بنك الإسكندرية، رابع البنوك الحكومية من حيث قيمة الأصول عند بيعه لبنك إيطالي، لكنها على الجانب الآخر قامت بدمج بعض البنوك في البنوك العامة، مثل دمج بنكي التجاريون والمهندس في البنك الأهلي، وبنك مصر إكستيريور ببنك مصر، كما قام البنك المركزي بدمج ثلاثة بنوك هي: المصرف الإسلامي الدولي وبنك النيل والمصرف المتحد في بنك واحد يمتلك أكثر من 99% من أسهمه.

ملمح آخر للبنوك المصرية وهو توسعها في شراء أدوات الدين الحكومي من أذون وسندات خزانة، وهو ما يأتي على حساب نشاط القروض رغم كون غالبيتها بنوكاً تجارية، حيث يشير التوزيع النسبي لأصول المصارف المصرية بنهاية العام الماضي، إلى استحواذ اقتناء أدوات الدين الحكومي المحلي على نسبة 37.6% من مجمل الأصول، في حين كان نصيب القروض 35.5%، مما جعل الشركات الخاصة، خاصةً المتوسطة والصغيرة، تشكو من صعوبة الحصول على القروض.

وإذا كانت أدوات الدين الحكومي قد نالت نسبة 37.6% من الأصول، فقد أضيف لها استحواذ قروض الحكومة على نسبة 11.6% من إجمالي أصول البنوك، مما يعني استحواذ نصيب الحكومة على نسبة 49.2% من أصول المصارف المصرية.

68% من الائتمان المحلي للحكومة

ويشير مؤشر آخر خاص بالائتمان المصرفي بنهاية العام الماضي، إلى استحواذ الحكومة على نسبة 65.3% من إجمالي الائتمان المصرفي، بالإضافة إلى نسبة 3.1% حصلت عليها شركات قطاع الأعمال العام المملوكة للحكومة، أي أن الحكومة قد حصلت على نسبة 68.4% من الائتمان المصرفي، لتتبقى نسبة 31.6% والتي توزعت ما بين القطاع الخاص بنسبة 21.4%، والقطاع العائلي بنسبة 10.2%.

وهو ما يشير إلى تسخير الحكومة البنوك لمصلحتها، وتمويل بعض مشروعاتها التي تفتقد إلى وجود دراسات جدوى، حيث لا يستطيع رئيس البنك الحكومي المعين من قبل رئيس الحكومة أن يرفض طلباً لتمويل مشروع حكومي، كما أن الجمعيات العامة لتلك البنوك الحكومية يتم تعيين أفرادها من قبل الحكومة أيضاً، ولا يوجد أي ممثل للقطاع الخاص لأنها مملوكة بالكامل للحكومة.

وفي المقابل، تتساهل الحكومة والبنك المركزي مع البنوك العامة في الإفصاح عن أدائها المالي، أو في تقييم جودة هذا الأداء، حيث تتفوق البنوك الخاصة في مؤشرات الربحية على البنوك العامة المتخمة بالعمالة والبيروقراطية، وتكتفي بعض البنوك الحكومية بنشر الميزانية السنوية فقط مثل البنك الأهلي وبنك مصر، ومؤخراً قاما بنشر قوائم نصف سنوية للمرة الأولى، بينما لا يقوم البنك العقاري العربي وكذلك البنك الزراعي والمصرف المتحد بنشر أية بيانات مالية منذ سنوات طويلة.

ومع تداعيات كورونا، زادت البنوك المصرية من مخصصات القروض لمواجهة احتمالات تعثر الشركات المقترضة، كما عدّلت الحكومة من طريقة حساب الضريبة على أرباح أدوات الدين الحكومي بما يجعلها تدفع نفقات أعلى، وإلزام البنوك بالمساهمة التكافلية لمشروع التأمين الصحي الشامل، واقتطاع نسبة 1% من الأرباح لصندوق تطوير القطاع المصرفي، كما خفّض البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 4% خلال العام الماضي.

تراجع أرباح 19 مصرفاً

وأسفرت نتائج عام 2020 عن بلوغ أرباح البنوك المصرية 58.9 مليار جنيه، مقابل 83.2 مليار جنيه في عام 2019 بنسبة تراجع 29%، ولم يتم إعلان القوائم المالية سوى لنحو 24 مصرفاً من بين 38 مصرفاً يشرف البنك المركزي عليها، وعادة لا تقوم فروع البنوك الأجنبية العاملة بمصر بنشر بياناتها المالية مثل البنك العربي وسيتي بنك والأهلي اليوناني وأبو ظبي الأول والمشرق.

ومن بين المصارف التي أعلنت قوائمها المالية عن العام الماضي تراجعت الأرباح في 19 مصرفاً بينما زادت في خمسة بنوك، وكانت أعلى نسبة تراجع للأرباح بالبنك العربى الأفريقى بنسبة 57%، وبنك كريدى أجريكول 42% وبنك الإمارات دبي 36% والكويت الوطني 33%، والتجاري وفا 30% والإسكندرية 26% والقاهرة 20% وفيصل الإسلامي 19% وبلوم 14.5%.

وشملت قائمة المصارف التي انخفضت أرباحها التجاري الدولي وقطر الوطني والأهلي المصري، وإتش إس بي سي مصر وعودة والمصري الخليجي وأبو ظبي الإسلامي والتعمير والإسكان والأهلي المتحد.

وعلى الجانب الآخر، كانت البنوك التى زادت أرباحها: بنك الشركة المصرفية العربية سايب بنمو 84% والأهلي الكويتي 24% والبركة 18% وأبو ظبي التجاري 14% وقناة السويس بنمو 11%.  

وفي ضوء استمرار تداعيات فيروس كورونا على النشاط الاقتصادي، يتوقع الخبراء استمرار الأداء الضعيف للبنوك المصرية خلال العام الحالي، وتحسنه بالعام المقبل، خاصة مع تراجع القوى الشرائية وهو ما ينعكس على تراجع قروض التجزئة المصرفية.

أما على مستوى الشركات ورغم خفض الفائدة بنسبة 4% فلم يساهم ذلك في دفع الشركات للإقبال على الاقتراض لوجود عوامل عديدة معاكسة، منها استمرار الركود بالأسواق مما يعني صعوبة المبيعات، كذلك استمرار ارتفاع معدل فائدة القروض حتى بعد الخفض، حيث يبلغ سعر الإقراض لليلة من قبل البنك المركزى للبنوك 9.25%، وتزيد البنوك عليه تكاليف إضافية وعمولات قبل منحها للعملاء.

بينما تقل معدلات فائدة القروض كثيراً عن ذلك بالبلدان التي تنافس منتجاتها المنتجات المصرية بالأسواق الدولية، ويضاف لذلك الظروف المحلية المتمثلة في القبض على عدد من رجال الأعمال بتهم غير مقنعة للسوق، مما دفع العديد من الشركات لقصر الاقتراض على رأس المال العامل لتشغيل دورة النشاط من تكاليف مواد خام وتشغيل وعمالة فقط، أما الاقتراض لعمل توسعات أو القيام باستثمارات جديدة فما زال غير موجود.

معدل فائدة مرتفع

وما زالت مصر تحتفظ بمعدل فائدة من أعلى المعدلات بالعالم، لكن مسؤولي البنك المركزي يبررون ذلك بأنهم يستهدفون من تلك الفوائد المرتفعة إغراء الأجانب لشراء أدوات الدين الحكومي من أذون وسندات خزانة، للحصول على سيولة دولارية تساهم في سد الفجوة الدولارية المستمرة نتيجة العجز المزمن بالميزان التجاري وبميزان المعاملات الجارية.

ورغم تراجع معدل التضخم واتساع هامش الفائدة الحقيقي فما زال البنك المركزي متمسكاً بسعر الفائدة المرتفع منذ عدة شهور، خشية تكرار ما حدث خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان عام 2020 من خروج الأجانب من جانب كبير من حيازاتهم لأدوات الدين المصري مما أربك حسابات العملات الأجنبية بالبنوك وبالبنك المركزي وأدى لانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي.

وسعى البنك المركزي لطريقة بديلة من خلال الخروج بمبادرات تمويل متخصصة لشركات القطاع الخاص بسعر فائدة أقل من سعر السوق، منها مبادرة للصناعة وأخرى للزارعة وثالثة للمقاولات ومؤخراً مبادرة للتمويل العقاري بسعر فائدة أقل من السوق، إلا أن المبادرات تكون عادة مصحوبة بعدد من الشروط للاستفادة بها مما يقلل من اتساع نطاق انتشارها.

ولهذا ما زالت نسبة القروض إلى الودائع 49% بنهاية أبريل/نيسان الماضي، وهو معدل متدنٍ بالقياس للمعدلات الدولية، كما أنه كان مثار تحفظ من قبل مؤسسات التصنيف الدولية رغم قرار البنك المركزي بداية العام الحالي بعدم توزيع البنوك أية أرباح لمساهميها عن أرباحها خلال العام الماضي، أو من أرباحها المحتجزة لتقوية مراكزها المالية، لمواجهة احتمالات تعثر المشروعات المقترضة بسبب ظروف السوق الناجمة عن تداعيات كورونا والركود.

إلا أن البعض يرى أن هناك ضغوطاً حكومية على البنوك خاصة المملوكة لها لشراء أدوات الدين الحكومي من أذون وسندات خزانة لسداد عجز الموازنة المزمن والمتزايد، وللوفاء بالمتطلبات الجارية من أجور للعاملين بالحكومة ودعم للسلع التموينية وبعض الخدمات، وهو ما يعني تمويل البنوك لأمور لا تساهم في التنمية، إلا أنها في نفس الوقت تحقق لها أرباحاً بلا مجهود نظراً لخلو أدوات الدين الحكومي من المخاطر.

نسب نمو خادعة

وتلجأ البنوك المصرية لإعلان نسب نمو مرتفعة سواء للودائع والقروض وغيرها، حيث بلغت نسبة نمو الودائع خلال العام الماضى 22.7%، لكن تلك النسبة للنمو تحمل في طياتها قيمة الفوائد على أرصدة الودائع القديمة، والتي بلغت نسبتها 10.3% بنهاية عام 2019، وباستبعاد تأثير تلك الفائدة تقل نسبة نمو الودائع.

ويتكرر ذلك مع ذكر نسبة نمو القروض 31% خلال العام الماضي، لكنها أيضا تحمل في طياتها قيمة الفوائد عن الأرصدة القديمة للقروض والتى بلغت نسبتها 13.8% بنهاية عام 2019، وباستبعاد أثر تلك الفوائد تنخفض نسبة نمو القروض، كما أن البنوك لا تُفصح عن الجهات التي استفادت من تلك القروض.

حيث أشارت بيانات المركزي المصري إلى أن قيمة الزيادة بأرصدة القروض بنهاية عام 2020 شاملة القروض والفوائد بلغت حوالي 583 مليار جنيه، لكننا نجد أن الزيادة بقيمة القروض للحكومة قد بلغت 297 مليار جنيه، بينما بلغت قيمة الزيادة بالقروض لغير الحكومة 281 مليار جنيه.

وفي ضوء مطالبة قانون البنوك الجديد البنوك برفع رؤوس أموالها من نصف مليار جنيه قبل صدور القانون إلى 5 مليارات جنيه، فإنه يتوقع حدوث اندماج لبعض البنوك للوفاء بهذا المطلب، وفي هذا الإطار يقوم بنك الاستثمار هيرميس بالتجهيز للاستحواذ على بنك الاستثمار العربي.

 كما أعلن البنك الأهلي اليوناني عزمه للتخارج من مصر، وأدت الظروف التي يمر بها لبنان بعد حادث انفجار ميناء بيروت إلى عرض بنكَي لبنان والمهجر- بلوم- وعودة للبيع، حيث تقدم بنك أبو ظبي الأول لشراء بنك عودة مصر، وتقدم بنك المؤسسة العربية أ بي سي لشراء بنك بلوم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد