رأينا جميعاً لقطة فوز الرباع القطري، مصري الأصل، فارس إبراهيم (فارس حسونة)، بالميدالية الذهبية في وزن 96 كلغ في مسابقة رفع الأثقال للرجال ضمن منافسات دورة الألعاب الأولمبية "أولمبياد 2020" المقامة في العاصمة اليابانية طوكيو.
كما رأينا الجدل المثار على مواقع التواصل الاجتماعي على إثر الخبر، ولكن تلك المرة تطرق الأمر لاتهامات بالخيانة العظمى لأشخاص بعينهم، والسبب كان "فارس حسونة". ما فعله حسونة هو إنجاز شخصي له وكذلك يحسب لقطر، ولكن لا يعنينا ذلك في شيء غير اجتهاده والاهتمام به.
وإنما أنا هنا للحديث عن انبعاثات هذا الحدث، إذ تعالت أصوات تتهم حسونة بالخيانة لأنه حصل على الجنسية القطرية وجلب لهم الذهب، وفي المقابل أصوات أخرى تقول إن الدولة هي التي خانته ولم تدعمه، وبالتالي ذهب إلى الخارج، وأصوات أخرى تقول وما المشكلة في أن يكون قطرياً؟ أنت الآن يا عزيزي في إحدى تلك الشرائح، إلا إذا كنت غير مهتم بالأمر. تلك المسألة جعلتني أفكر بشكل مختلف، وطرح عقلي تساؤلات مهمة: لماذا نحصل على جنسياتنا التي ولدنا عليها؟ أو بشكل أدقّ ما هي الدولة بالنسبة للفرد؟
الدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد، ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها، وينقسم العالم إلى مجموعة كبيرة من الدول، وإن اختلفت أشكالها وأنظمتها السياسية.
باختصار، الدولة لا تعني إلا "مجموعة من الأفراد" حرفياً، ومن منظور فردي قد ترى أن الدولة تعني فرداً واحداً ومجموعة كبيرة من البشر، ولكي يعيش هذا الفرد معهم عليه بعض المهام وله بعض الحقوق، الأمر يشبه التعاقد، وأنت وأنا والجميع يعلم أن أي خلل في التعاقد قد يفقد العقد قيمته، وهذا الأمر ينعكس على الدولة؛ فإذا فقدت الدولة ما تمنحه للأفراد أصبحت بلا فائدة، وربما يتركها الأفراد فراراً منها، باحثين عن أرض جديدة تعطيهم مثلما تسلبهم لتكون المعادلة متكافئة.
نحن نحب الوطن لأننا تربّينا على ذلك، ولكن ماذا إذا لم تجد ما تأكله هنا، هل ستبقى؟
ماذا إذا لم تجد من يدافع عنك أمام كل المصائب التي تواجهك، هل ستبقى؟
ماذا إذا لم تجد الاهتمام المناسب وقد وجدته في مكان آخر، هل ستبقى؟
يرحل الإنسان عادةً لينجو بنفسه أو بعمله أو بموهبته، وهذا هو بالضبط ما حدث؛ حيث لم يجد حسونة الاهتمام المناسب من الجهة المعنية بالأمر، ولكنه وجده في أرض أخرى؛ أي عقد هنا يلزمه بالبقاء؟
إن كان ثمة خائن هنا فهي الدولة في منظومتها التي أجبرت فرداً يحيا بين ربوعها منذ نعومة أظافره على الرحيل بعيداً، بحثاً عن عقد جديد يتناسب مع ما يقدمه من خدمات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.