تتوالى الكثير من الأخبار اليومية في الآونة الأخيرة حول الكثير من المشكلات الزوجية والتي باتت تفضي للقتل في بعض الحالات، مما أصاب الكثيرين في المجتمع بالصدمة، وخاصة المقبلين على الزواج منهم، وجعل كثيراً منهم يشعر بالخوف والرهبة من الإقدام على الزواج بعد كل تلك الحوادث التي بات يرقبها ويشاهد نتائجها التعيسة والمفجعة على الرغم من البدايات المشرقة المملوءة بالحب والسعادة كما يتمنى كل زوجين تماماً، فيا ترى ما هي أبرز الأسباب التي تؤدي لتلك المشكلات الزوجية، وكيف تؤثر على الشباب المقبل على الزواج من الناحية النفسية؟
أبرز الأسباب المؤدية إلى الخلافات الزوجية:
1- انعدام الاستقلالية والخصوصية قد يفضي إلى المنية
يعتبر السبب الأبرز في كثير من المشاكل الزوجية التي تحدث هو انعدام الاستقلالية والخصوصية بين الزوجين، فنجد الكثير من تدخلات الأهل والأصدقاء والجيران والمعارف والكل يعتبر نفسه الناصح الأمين وكلٌّ يُسقط تجربته على غيره مع الكثير من الترقب والمتابعة لكل حركة وسكنة لهم باعتبارهم الأكثر خبرة ودراية وحرصاً على مصلحتهم وحياتهم واستقرارها، غير أن التجربة الواقعية أثبتت الفشل الذريع لكل تلك التدخلات، بل إنها في الغالب تكون السبب الأبرز في نشوب الخلافات بين الزوجين، ومع إضافة الكثير من البهارات والملح على الكلام والنصائح يكون الزوجان قد وصلا إلى أتم حالات الشحن النفسي الكافي لإشعال الحريق بينهما، والذى قد يفضي إلى الطلاق في أحسن أحواله، ومؤخراً صار يفضي إلى القتل.
2- تربص الأخطاء بين الزوجين
لا يخفى على مجتمعات اليوم الحال الذي آل إليه معظم المتزوجين من تربص لأخطاء بعضهم البعض والتأثر بنصائح الأصدقاء والمجموعات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي بات عرفها الإفساد بين الزوجين والتشجيع على الطلاق، فصار كل منهما ينتظر أصغر خطأ للآخر فيعتبره أكبر المشكلات وتقوم الدنيا ولا تقعد بينهما ويقف كل منهما نداً ومقابلاً للآخر ويصير التراشق بالكلمات سيد الموقف، وهكذا إلى ما لا نهاية حتى فقد الزواج غايته ومحتواه الجميل وصار البقاء بينهما مستحيلاً.
3- مرآة الحب عمياء
يركز الشباب أثناء فترة الخطوبة في كثير من الأحيان على المشاعر والسلوكيات الظاهرة التي يبديها كل منهما للآخر، وكل منهما يحاول إظهار أفضل ما لديه، "كل خاطب كاذب"، وتأخذهما المشاعر في صولات وجولات عميقة تنسيهما التبصر بالعيوب ومعرفة هل يمكننا تقبلها والتعامل معها أم لا، وربما يكون الهدف هو مجرد الحصول على جائزة الأوسكار بمجرد الزواج حتى تصير مثل ابنة عمتها وخالتها، وحتى لا يكون هو الفرد الوحيد بين أصدقائه غيرَ متزوج، وصار التركيز على إثبات حالة اجتماعية للناس أكثر من الاهتمام بتلك الحالة ومتطلباتها لإنشاء بيت سوي وصحي وعلى أساس قويم.
4- المقارنة والمثالية
يعتبر هذا السبب أيضاً من أبرز أسباب نشوب الخلافات الزوجية، الكثير من المقارنة مع الآخرين سواء في الحالة الاجتماعية أو السلوكيات أو الحياة نفسها، وطبعاً الدين غير مدرج على قائمة المقارنة، فأهم شيء نسعى وراءه حالياً هو الدنيا بمتعها ولا شيء غيرها، وبالطبع قوالب المثالية للمقارنة جاهزة فنجد الكثير من عبارة "المفروض كذا.. والطبيعي كذا.."، ولا نعلم من وضع هذين القالبين للوصول إليهما ليكون كل ما دونهما باطلاً، وتبدأ المقارنة منذ بداية الخطبة والشبكة وأثاث البيت، ويزداد الأمر سوءاً بعد الزواج لتصبح على نطاق أوسع وأدق وأكثر تعمقاً وتفصيلاً، وبالتالي يضيق الخناق وتستحيل الحياة بينهما.
5- محاكاة الدراما
الدراما ومتابعة اليوتيوبرز والبلوجرز يومياً هي أسياد الموقف هنا، الكثير من المتابعة تضفي الكثير من المقارنة والسخط على الحياة ومحاولة "محاكاة " تلك الحياة المثالية التي يرون فيها قمة السعادة، وبالتالي السعي للوصول لها والشعور مثلهم بتلك السعادة المزيفة، وامتلاك تلك الرفاهيات غير الممكنة مع واقع الحياة التي تطحن الجميع بين رحاها وثناياها، ويفاجأ الزوج بطلبات تأتي من المريخ لتحمله ما لا يطيق، وكذلك الزوجة تطالَب بأن تكون مثل الممثلة الفلانية التي تمتلك قواماً ساحراً، وعليها أن تكون كذلك أيضاً دون أن تطالب الزوج بقرش واحد، عليها أن تكون ساحرة بالفعل.
6- اعتبار جيل الزمن الجميل رجعية
بلا شك ليس كل الجيل الماضي من أسرنا غير جيدين، بالفعل هناك من تربى تربية رائعة ولديهم من الحكمة والعقل ما يكفي لإدارة العالم وليس بيتاً واحداً، وما أسعد من استمع لنصيحة وحكمة الكبار واستفاد من خبراتهم في الحياة والتي لا تقدر بثمن، ولكن انتشار الحياة السريعة والكثير من الخيارات التي كانت مهمتها الأساسية تيسير حياة الناس وتنوع البدائل وليس تعقيدها أكثر، جعل هناك فجوة زمنية بين الجيل الماضي والأجيال اللاحقة، وصارت النظرة السائدة للأجيال الجديدة أن السابقين ما هم إلا كبار هرموا وتفكيرهم رجعي لا يتناسب مع تسارع وحداثة عصرهم، وبالتالي استمع للنصيحة ولا تعمل بها؛ هذا إن استمعوا، وبلا شك الحياة تحتاج إلى الموازنة دون إفراط أو تفريط.
أثر المشكلات الزوجية نفسياً على المقبلين على الزواج:
يشعر الكثير من المقبلين على الزواج بالخوف والفزع من التجربة وبعدم قدرتهم على النجاح في اختيار شريك الحياة المناسب أو في القدرة على النجاح في الزواج، إضافةً إلى الإفراط في الدقة أو المثالية والشروط الموضوعة لاختيار الطرف الآخر.
فقد يصابون برهاب الزواج وهو شعور بالخوف من الزواج، وتفضيل العزوبية عليه. يلجأ المصابون به إلى تجنب فكرة الزواج باستمرار، لتفادي الأفكار السلبية والصور المرسومة مسبقاً عنه، والتي تثير الخوف في الشخص نفسه، ولا سيطرة له عليها.
يعتبر مصطلح فوبيا الزواج غريباً بعض الشيء على المجتمع العربي، ولكن الدراسات تشير إلى أن الرهاب أو الخوف من الزواج ومن الإقدام على هذه التجربة منتشر بين الشباب من الجنسين، وهذه الفوبيا يمكن اعتبارها حالة مرضية إذا منعت الشخص من تكملة حياته مع شريك يحبه، وهي حالة نفسية ينتج عنها خوف شديد وقلق من اتخاذ قرار مصيري، قد يشكل نقطة تحول في حياة الإنسان، ويكون ذلك خارجاً عن سيطرة الشخص، وغير مستند إلى أسباب منطقية، وفيه يتجنب الشخص العلاقات الاجتماعية، نتيجة عدم تقديره لذاته حيث يخشى النقد، وهذا في حد ذاته يعتبر خللاً ووسواساً نفسياً لا بد من علاجه.
وذلك يحدث لأسباب عديدة منها:
1 – الخوف من تحمل مسؤولية الزواج، وتربية الأطفال وإدارة البيت، وغيرها من المسؤوليات.
2 – المرور بتجربة فاشلة، للشخص نفسه، أو لأحد من عائلته أو أصدقائه، وعدم الشعور بالأمان، والخوف من عدم الاستقرار والاستمرار في الزواج.
3- التردد، حيث يعاني الشخص المتردد عدم القدرة على حسم مسألة الزواج، وإكمال علاقته مع أحد يحبه حتى نهايتها.
4- انفصال الوالدين، أو قريبين في محيطك، واختبار تجربة الخلافات بين الأبوين في الصغر، يجعلان هذه التجربة عالقة في العقل الباطن، وتظهر على شكل رفض للزواج ككل في الكبر.
في الختام.. الاختلاف سنة الحياة، وعلينا أن نضع في عين الاعتبار أن التمسك بالقيم والمبادئ مهم لحياة سليمة لنا ولغيرنا، أصلح ذاتك وتلقَّ دعماً نفسياً وتربوياً يؤهلك للاختيار السليم والزواج القويم وتنشئة جيل سوي صحي تساعده على أن يحب الحياة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لا تُسقط تجارب الآخرين على حياتك، لكلٍّ منا حياته وتجربته، ولا تخشَ الخطأ، ولكن تجنب الاستمرار فيه، قم وتعلم من تجربتك وتمسك بالحياة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، واعلم أن من وجد الجمال بداخله رأى كل ما حوله جميلاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.