تكليف ميقاتي والعودة لأحلام باسيل المستحيلة

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/29 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/29 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش
iStock

ما بعد تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة "المهمات العاجلة"، يدخل المسؤولون عن هذا المسار في اختبار إثبات جديّتهم في كسر حلقات التعطيل وسلوك مسار التسهيل والتأليف، ويملأون هذا الفراغ الآسر للدولة المتآكلة منذ نحو سنة.

فيما الرهان الآن هو في الانتقال إلى مسار تشكيل حكومة وفق مبادرتي باريس والرئيس نبيه بري، وهنا ووفق العارفين، فإنه يتكون موقفان يمكن التنبؤ بهما:

يعتقد مؤيدو الموقف الأول أن الظروف الإقليمية والدولية والمحلية لم تتغير، وبالتالي لا قدرة على تشكيل حكومة لا مع نجيب ميقاتي ولا مع غيره.

فيما مناصرو الموقف الثاني يرون أن هناك مجموعة عوامل تساعد على اجتياز اختبار التشكيل، حيث إن عون وباسيل تمكنا من إقصاء سعد الحريري من المعادلة الحكومية، واستعدادهما للتعاون مع ميقاتي، وفق شروطهما. 

أما العامل الثاني فيرتبط باحتمال خروج ميقاتي عن اتفاقه مع رؤساء الحكومة السابقين وبيانهم الذي أعلنوا فيه عن دعمهم إياه. ويعني تكبيله بشروط سياسية كانت ثابتة مع الحريري من قبل.

تعتبر مصادر متابعة لتسمية نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة أن اختياره لتولّي مهام تشكيل الحكومة جاء بتوافق داخلي معطوف عليه بدفع فرنسي كبير من خلف الكواليس، وتحديداً من صديقه برنار ايمييه وبتأييد أمريكي كامل عمل عليه أحد أصدقاء ميقاتي التاريخيين، وهو المدير الحالي لوكالة المخابرات الأميركية ويليام بيرنز، وبموافقة روسية سمعها ميقاتي من ميخائيل بوغدانوف في آخر اتصال جرى بينهما منذ أيام، لذا فإن ميقاتي عاد إلى بيروت السبت وأبلغ المحيطين به ورؤساء الحكومات السابقين أنه مدجج بدعم خارجي ودولي كبير يمكن الاعتماد عليه لتشكيل حكومة.

وحول سؤال الدعم السعودي له، أجاب ميقاتي بأنّ المملكة لن تعلن تأييدها لتسميته، لكنها لن تعارضه أو تمانع في ذلك. وهذا ما بدا في الموقف المبكر لحليف السعودية، أي حزب القوات اللبنانية، الذي أعلن موقفه بعدم تسمية أحد. وهذا موقف متقدّم لناحية عدم تسمية شخصية أخرى كما كان يحصل سابقاً مع تسمية نواف سلام، يضاف إلى أن ميقاتي لا يزال على تواصل مع السفير السعودي وليد البخاري ولم ينقطعا عن التواصل.

حزب الله وباسيل.. أحلام اليقظة

اختار حزب الله تسمية ميقاتي، فهو لا يريد مكاسرة السنة ولا استفزاز عاطفتهم، وجبران باسيل هو من يقوم بهذا الدور، والحزب إياه ليس بحاجة لشد عصب جمهوره بالهجوم على السنة، والأهم أن حليفه التاريخي نبيه بري حريص على ميقاتي ويفضله، والحزب إياه لبى قبيل الاستشارات بيوم واحد دعوة بري للقاء ميقاتي في عين التينة، وسمع الحزب من الأخير أنه حريص على تسمية حزب الله له في الاستشارات، وهذا ما كان لميقاتي.

وربطاً بما قاله المحلل السياسي جوني منير من أن موافقة حزب الله على خيار ميقاتي ولّدت اعتراضاً لدى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. فالأخير كان يراهن على تسمية رئيس للحكومة يدور بالكامل في فلكه السياسي، ليذهبا سوياً إلى حكومة يُطلق عليها حكومة الاختصاصيين المحايدين، فيما هي فعلياً حكومة يحظى فيها باسيل ومعه الحزب إياه ضمناً بقرارها. فهي الحكومة التي ستشرف على الاستحقاقات المنتظرة مثل الانتخابات النيابية، وخصوصاً الاستحقاق الرئاسي الذي قد يقع في محظور الفراغ.

لتتسلّم هذه الحكومة دفة الحكم ويصبح تأثيرها أساسياً في تحديد اسم الرئيس. والحزب  بدا أكثر واقعية أمام حجم الزلزال الاقتصادي والمالي والحياتي الذي يسحق الناس ويدفع بهم إلى الفوضى في الشارع. هو يدرك أنّ الناس بحاجة إلى "تنفيسة" تسمح بترتيب بعض الأمور على عجل، خصوصاً أنّ الشارع بات مفتوحاً بالكامل، إضافة، وفق منير، إلى محطات سترفع من لهيب الشارع، مثل ذكرى انفجار الرابع من أغسطس/آب.

 وقد لا تكون الأسباب تنحصر في الشق الداخلي فقط. فليس تفصيلاً أن يعمد وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إلى عقد اجتماع طارئ فور وصوله إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الأمم المتحدة مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، خُصّص في جزء أساسي منه للتطورات اللبنانية، حيث تمّ الاتفاق على إرسال رسالة شفهية باسم كل واحد منهما عبر سفيرتيهما في لبنان، إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قبل ساعات من دفع الحريري للاعتذار.

الهدف الفعلي من الرسالتين كان للتحذير من مغبة عدم ولادة حكومة لبنانية. وليس تفصيلاً أيضاً أن تتحضّر الدول الأوروبية الأساسية للبدء في تطبيق سياسة العقوبات بحق شخصيات لبنانية.

عشاء بنكهة حلم الداخلية

قبيل عودته لبيروت حطت رحال ميقاتي في باريس ليل الجمعة، حيث التقى برنار ايمييه رئيس جهاز المخابرات الخارجية، وباتريك دوريل رئيس خلية لبنان، حيث نُصح من الرجلين بعدم تكرار خطأ الحريري بعدم لقاء جبران باسيل، وأن عليه الاتفاق مع رئيس التيار الوطني الحرّ، ولكن عندما وجه ميقاتي سؤاله للفرنسيين بأنه بحال لم يصل إلى توافق مع باسيل ماذا سيفعل؟ حينها كان الجواب بأن باريس ستضغط على باسيل، وبحال لم يوافق جبران على تشكيلته، ولو لم تكن النتيجة غير محسومة، فيعني ذلك أن باريس تدخل مع ميقاتي في مغامرة جديدة غير مضمونة النتائج.

وفور عودة الرجل، أبلغ ميقاتي زملاءه في نادي رؤساء الحكومات أنه ينوي لقاء باسيل، لم يكن الحريري معجباً بهذا الخيار، لكن الأخير تداول مع باقي الحاضرين احتمال فشل المساعي، والذي سيظهر عجز زعماء السنّة وضعفهم، خصوصاً أنهم يعتبرون أنفسهم الأقوى سنياً والباقين ملحقين، ونصحهم في حال فشل ميقاتي بتشكيل حكومة، فالذهاب بالاستثمار بالمظلومية والتركيز على أن عون هو الذي يعرقل ويتحمل المسؤولية واستخدام هذا الخطاب في الانتخابات.

وبحسب المصادر، فإنه بعد لقاء رؤساء الحكومات السابقين، أي مساء السبت، لبّى جبران باسيل دعوة نجيب ميقاتي على العشاء بعد اتصال الأخير بسليم جريصاتي لترتيب العشاء، حيث جرت استفاضة في النقاش حول المرحلة التي ستلي التكليف، وهنا طلب باسيل من ميقاتي أنه يجب أن يتفهم موقف التيار الوطني الحرّ بعدم تسميته، بسبب وجود خلافات كبيرة قضائية، وأخرى تتعلق بشبهات فساد. ولذلك، لا يمكن للتيار أن يسميه. أما النقطة الثانية التي ركز عليها باسيل، فهي أنه لا يمكن تسميته وترك القوات اللبنانية تزايد على التيار حال حصلت التسمية، خصوصاً أن هناك معركة انتخابية كبيرة ستكون بينهما في الشارع المسيحي، حينها أجاب ميقاتي بأنه يتفهم ذلك، وأنه مستعد للتعاون، والنقاش الأساسي سيبدأ بعد التكليف.

وهنا يعتبر البعض أن ورقة جبران باسيل الوحيدة التي لا تزال بين يديه هي توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم تشكيل الحكومة أو رفضه، وهو ما يعني أنّ هذا التوقيع لن يحصل إلّا إذا وافق باسيل.

لذا فإن باسيل لا يزال يقارع بقوة كبيرة مع محيطين برئيس الجمهورية لضرورة أن تكون الحكومة القادمة نقطة قوة له ولفريقه، حيث سيطرح على ميقاتي بشرطين لن يزيح عنهما مهما كانت الأثمان، وهما الثلث المعطّل، وأن تسند لفريقه وزارة الداخلية.

 الثلث المعطّل هو ضمان عدم اتخاذ الحكومة قرارات دون العودة له ولمصالح تياره في ملفات المشاريع والتلزيمات وغيرها. ووزارة الداخلية التي تمسك بالواقع الأمني بالبلاد، وستشرف على الانتخابات النيابية، والأهم حين سيصبح وزير الداخلية في مرحلة الفراغ الرئاسي الحاكم الفعلي للبلد، وحيث تخضع له كافة المؤسسات الأمنية والعسكرية العاملة داخل الحدود، لكن ميقاتي الذي يعتبر نفسه أكثر تشدداً بحقوق السنة من الحريري لن يغامر بمستقبله السياسي بالتنازل لباسيل المعاقب أمريكياً والمنبوذ دولياً، لذا فإن مهلة الشهر التي أعلنها ميقاتي عبر أوساطه قد لا تتجاوز الأسبوعين في حال لمس أياد خفية خلف عون تريد التخطيط لمرحلة ما بعد انتهاء العهد لتثبيت باسيل أو إعادة تعويمه.

4 أغسطس/آب الذكرى السنوية الأولى لنكبة المرفأ ليست ببعيدة، وقد تشهد يوماً مشهوداً في الشارع لأهالي الضحايا ومجموعات الإنتفاضة وأحزاب المعارضة، وقد تشهد أيضاً لحظة اعتذار نجيب ميقاتي والذهاب لحكومة الارتطام التي ستجبر، وفق باسيل، القوى الدولية على إعادة النظر بالنظام السياسي تحت عنوان أن المسيحيين بخطر، ووفق شعار شعبوي يجري ترويجه في أوساط شعبية التيار "أكلونا المحمودات".. للبحث بقية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد