المجتمع العراقي للأسف، يُعاني من ضعف ثقافة الادخار، ولا يدَّخر أمواله بشكلٍ صائب، بسبب الثقافة الاقتصادية المحدودة التي يمتلكها. ذلك ناتج عن سياسة اقتصادية خاطئة، للحكومات المتعاقبة، طيلة الـ50 سنة التي مضت، ولا تزال لهذه اللحظة.. نفس النهج الريعي والتخبط الاقتصادي، وفكر خالٍ من الاقتصاد الحديث، المواكب للعولمة الاقتصادية؛ لذلك نتج مجتمع يفتقر إلى الثقافة الاقتصادية، ويفتقر إلى ثقافة الادخار.
المستثمرون الهواة وتصنيفاتهم
الثقافة الاقتصادية لدى المجتمع محدودة جداً، ولذلك سأُسلِّط الضوء في مقالتي، على سوق العقار، حيث يزداد عدد المستثمرين الهواة- تحديداً في سوق العقارات- يوماً بعد يوم، وللأسف هذا القطاع الحيوي، يُستثمر بشكلٍ غير منظم من قبل المستثمرين الهواة، لذلك مهم جداً أن نُطوِّر ثقافتنا الاقتصادية، ونواكب العولمة الاقتصادية.
بداية، نستطيع وصف المستثمرين الهواة في قطاع العقارات، بأنهم ينحدرون من ثلاث طبقات أو من ثلاثة أصناف: الصنف الأول(A) هم من شريحة ميسوري الحال في المجتمع أو ذوي الدخل فوق المتوسط، وكذلك من ضمنهم الطبقة العليا والمستثمر الهاوي من صنف (A)، يملك رأس مال مُعيَّناً، بعد ادخاره جزءاً من دخله لفترة معينة، أو نستطيع القول إنهم مجموعة مُعيَّنة من أشخاص يعملون في القطاع العام أو القطاع الخاص، وأصبحوا يمتلكون رأس مال معيَّناً، بعد ادخارهم جزءاً من دخلهم لفترة مُعيَّنة، ونستطيع اعتبارهم من الطبقة فوق المتوسطة في المجتمع إذا صح التعبير، ومؤخراً دخل المستثمرون الهواة في سوق العقارات، عن طريق شراء الشقق أو العقارات، من أجل الاستثمار (الربح)، وليس لغرض السكن.
الصنف الثاني (B)، هم بعض تجار العقارات (أصحاب المكاتب العقارية)، يقومون بشراء الشقق أو العقارات من أصحاب المشاريع الاستثمارية السكنية، لغرض التجارة به (الربح فاحش)، والبعض من أصحاب المكاتب العقارية، يشترون شققاً كثيرة، متجاوزة 100 شقة في بعض الأحيان لمشروع سكني واحد فقط؛ مما يسبب ارتفاع الأسعار في فترة وجيزة، وكان من الأجدر أن يقوم تجار المكاتب العقارية بتشكيل تحالف فيما بينهم، تحت ظل إدارة شركة مساهمة، ويبدأوا بإنشاء مشاريع سكنية ومن ثم بيعها.
الصنف الثالث(C)، هم من بعض المسؤولين الفاسدين في الدولة، ويقومون بشراء العقارات بأسعار عالية من أجل غسل أموالهم المشبوهة، وبنفس الوقت، يسببون تضخماً كبيراً في سوق العقارات؛ لذلك يجب أن نطوِّر ونُنمي ثقافتنا الاقتصادية، ونستفيد من مُداخرتنا بشكلٍ صحيح وسليم، وإدارتها بأقلِّ نسبة خطورة ممكنة، كي لا ندخل في خانة الفقاعة الاقتصادية؛ التي تعتبرُ بمثابة انتحار لرأس المال، لأن خطورتها تكون عالية جداً.
المستثمرون الهواة سبب تضخم أسعار العقار
المستثمرون الهواة، هم المسببون الرئيسيون للتضخم في سوق العقارات، مشكلين فجوة كبيرة في أسعار العقارات، بحيث تجاوز سعر الأراضي في بعض مناطق العاصمة بغداد، الـ7 – 10 آلاف دولار للمتر الواحد. كذلك المشاريع السكنية الحديثة الإنشاء، مثلاً: السعر الرسمي للشقة السكنية الواحدة، التابعة لمشروع سكني حديث الإنشاء في العراق، يصل مثلاً إلى 70 ألف دولار، ولكن بعد فترة وجيزة، نشاهد السعر يرتفع إلى 100 ألف دولار دولار، وأحياناً يتجاوز 120 ألف دولار، وذلك بسبب الطلب المتزايد من قبل المستثمرين الصغار الهواة؛ مما يسبب قفزات غير طبيعية في أسعار العقارات، مؤدياً إلى ارتفاع الأسعار بشكلٍ جنوني.
الكثير من المستثمرين الهواة، يشترون عدَّة عقارات من الشركات القائمة، على مشاريع سكنية قيد الإنشاء، بانتظار إنهاء المشروع، ثم بيعها بأسعارٍ مضاعفة، ويزداد الطلب الوهمي على الوحدات السكنية، وبعض الأحيان المستثمر الهاوي، يكون ضحية هذه المضاربة، ويخسر رأس ماله.
خلال الآونة الأخيرة، دخل المستثمرون الهواة، في استثمار قطاع العقارات، وكذلك مؤخراً بدأت بعض الأموال المكتنزة في المنازل، والتي تُقدَّر بـ40 تريليون دينار عراقي، تتجه صوب الاستثمار في قطاع العقارات، مما تسبب بإثقال كاهل القطاع العقاري، وأثَّر عليه سلباً، وبسبب المستثمر الهاوي، أصبح الطلب متزايداً على قطع الأراضي، والمشاريع السكنية الحديثة الإنشاء، سواء كانت شققاً (بناء عمودي) أم منازل (بناء أفقي).
المستثمر الهاوي يشتري العقار أو الأرض لأجل الربح، وليس لغرض البناء والسكن، ونستطيع تسمية ذلك أيضاً "الطلب وهمي" على السكن، في سوق العقارات، وبذلك أصبحت أسعار العقارات مرتفعة جداً، ومبالغاً فيها، لأن الطلب أصبح أكثر من العرض، في سوق العقارات، ومن زاوية أخرى، أثَّر سلباً على المواطنين ذوي الدخل المحدود، الراغبين في شراء العقار الخاص بهم؛ مما أثقل كاهلهم، لعدم مقدرتهم على الشراء، والتخلص من أجرة السكن التي يعانون منها لسنواتٍ طوال، وبالمجمل هذا الاستثمار غير المنظم، أثَّر سلباً على الاقتصاد الكُلي للدولة، وكذلك يشكل ضغطاً على الحكومة في قطاع السكن، وتفاقماً في مشكلة أزمة السكن التي واجهتها الحكومة لسنوات ليست بقليلة وما زالت، مما تسبب في عرقلة عجلة التقدم والازدهار والنهضة العمرانية.
ولذلك نستطيع أن نقول إن المستثمر الهاوي يشكل عبئاً على الاقتصاد الوطني ومسبب رئيسي في التضخم ويشكل فقاعة اقتصادية؛ تنعكس ظلالها سلباً على الاقتصاد الوطني.
أسعار العقارات لا تتناسب مع القوة الشرائية للمواطن
الدليل على أن أسعار العقارات في العراق غير حقيقية، هي علاقتها الطردية مع القوّة الشرائية للفرد. نعرف جميعاً أن القُدرة الشرائية للمواطن العراقي ضعيفة جداً، مقارنة مثلاً بدول الخليج. وللتوضيح أكثر: تشتري شقة في إحدى الدول الخليجية، بسعر 400 ألف دولار، لكنك تشتري هذه الشقة وبنفس المواصفات والمساحة في العراق، بسعر 100 ألف دولار، لكن هذا السعر لا يُمثِّل القيمة الحقيقية عكس الدول الخليجية!
السبب بسيط: العقار الذي تشتريه بمبلغ 400 ألف دولار، في إحدى الدول الخليجية، عوائده من الإيجار، تبلغ سنوياً ما يُقارب الـ40 ألف دولار. يعني بغضون أقل من عشر سنوات ستسترجع رأس المال المستثمر.
ولكن في العراق، العقار الذي ستشتريه بمبلغ 100 ألف دولار، ستكون عوائده من الإيجار سنوياً، بحدود 4 آلاف دولار، مما يعني أنك تحتاج إلى 25 سنة، لكي تسترجع رأس مالك، أي إنَّ الدخل السنوي هو 4% تقريباً، إضافة إلى أن أسعار الإيجار في العراق، تعتبرُ مرتفعة جداً بالنسبة للمواطن العراقي، بسبب محدودية دخله.
هذا دليل قاطع على أن هناك تخبطاً كبيراً في قطاع العقارات العراقي، حيثُ وحسب المثال أعلاه؛ فإنَّك تحتاج إلى 15 سنة إضافية، لاسترداد رأس المال. أسعار العقارات في العراق لا تتماشى مع القدرة الشرائية لدخل الفرد، وهذا دليل على أن سعر العقار في العراق، يعتبر أغلى من دول الخليج. السؤال هنا: كيف يتحوَّل أو ينتقل المستثمر الهاوي في قطاع العقارات من (خانة الطلب) إلى (خانة العرض) في سوق العقارات؟
الإجابة هي تأسيس شركات مساهمة للقطاع العقاري (صناديق استثمارية)، وطرح أسهم هذه الشركات في سوق الأوراق المالية، ومن خلالها ستكون هناك بوابة لدخول المستثمرين الهواة إلى الشركات المساهمة عن طريق شراء أسهم الشركة؛ مما يؤدي إلى تعاظم رأس مال الشركة المساهمة لأضعافٍ مضاعفة، وأيضاً سيوفر سيولة كبيرة للشركات المساهمة، لبناء المزيد من المشاريع السكنية، والسرعة في إنجاز المشروع، وبوقت قياسي، وفي حال تم تطبيقه سيزداد هامش ربح الشركات المساهمة، وكذلك ستقل نسبة التضخم في سوق العقارات، وسيكون سبباً رئيسياً في استقرار السوق وبأسعار تنافسية، ويحرك عجلة السوق، ويقلب السوق على عقبه، محوِّلاً المستثمر الهاوي من "خانة الطلب" إلى "خانة العرض" في سوق العقارات، وكذلك سيقضي على "الطلب الوهمي". بالمجمل سيكون العرض أكثر من الطلب في سوق العقارات، وستقل أسعار العقارات بنسبة ما يُقارب الـ30 -40%، لذلك يعد تأسيس الشركات المساهمة، حلاً جوهرياً للنهوض بالقطاع العقاري، والحد من التضخم، وتنظيماً لسوق العقارات. وسأتحدث في مقالي القادم، بمزيدٍ من التفصيل عن الدور الإيجابي لدخول المستثمرين الهواة في شركات مساهمة، وتأثير ذلك على سوق العقارات العراقية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.