الصورة.. مرآة الواقع أم عود كبريت؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/21 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/21 الساعة 08:42 بتوقيت غرينتش

الإعلام رسالة وأمانة ومسؤولية، وأحد أهم أركان هذا العالم الكبير هي الصورة، بكافة أشكالها وتصنيفاتها الصحفية وغير الصحفية، وما دمنا نعيش في عصر العولمة فقد أسهمت ثورة وسائل الاتصال الحديثة في جعل كل إنسان صحفياً ومصوّراً فيكتب ويلتقط ما يشاء ويُرسل كل ذلك إلى أقصى مكان في المعمورة وبكبسة زر واحدة.

يقول أرسطو: لا تفكر الروح أبداً من دون الصور. وبالتأكيد، لا يخفى على أي شخص ما للصورة من أهمية وخطورة في تحقيق أهداف وغايات شخصية أو سياسية أو غير ذلك، والكثير من الصور المطبوعة والرقمية والفيديوهات القصيرة كانت سبباً في إشعال فتيل حروب مباشرة وباردة وثورات بيضاء وغير بيضاء، فنحن في زمن الصورة التي بدونها لن نصدّق أو نتفاعل مع أي حدث أو نص غير مدعوم  بها وهو الدليل القاطع في الغالب ويتم إرفاقها لكل موضوع مطروح أو قضية رأي عام مُثارة.

وكما في كل وسائل وأدوات الإعلام ولاسيما الصحافة التي هي سيف ذو حدين، كذلك الصورة، فهي من جانب تبرز الإبداع ومجالاته وتكشف جرائم وتفضح مفسدين وتسهم في إيصال ونشر أي حدث إنساني إلى كل الناس وأيضاً يتشارك بها الكثير -فرحاً أو حزناً- مع من يريدون، إلّا أنّ شخصيات وأطرافاً عديدة قد استغلّت هذه الوسيلة أبشع استغلال فوظّفتها سياسيّاً ومادياً لمصالح لا تحسب لمشاعر الناس أي حساب.

آلاف الصور كانت ولا تزال عود كبريت للفتنة والسموم الطائفية والمذهبية والعرقية، والكثير منها أيضاً كانت سبباً في قذف وتشهير ولاسيما لفنانين ومشاهير تُسلّط عليهم دوماً الأضواء، فكانت مقدّمة لمشاحنات قضائيّة ونزاعات عائليّة وطلاقات ووصلت بعضها لدرجة إراقة الدماء.

إنّ الصورة كالمفتاح الذي يجب أن يُحسن الشخص استخدامه فيخاطب بها عقولاً منطقيّة لا ترضى إلّا بالدليل الملموس وتُقنع وتُحرّك بها أيضاً قلوباً تهتّز أوتارها عن طريقها فتُثير الشفقة والعطف أو حتّى الغضب، وقد تكون مرآةً للفن والإبداع والجمال وليست أداة للاستعراض فقط.

مع التأكيد على ضرورة ترجمة تلك الصوّر إن كانت تحتاج لذلك والحذر من التلوين والتجزئة والتأويل من غير دليل، فطريقة (نسخ- لصق) لن تؤتي أكلها دوماً، وشعار: لنا الحق في نشر ما نريد.. نرفضه جملة وتفصيلاً، فاللحريّة ضوابط  قررها الإسلام والعُرف والقانون، وأيضاً يجب أن تبقى بعض الصوّر مغطاة باسم المصلحة العامة.

وتأسيساً على ذلك كلّه يتّضح الفرق بين من ينشد ويُعزز الحقيقة ويستثمرها أو يستغلّ بعض المشاهد فيسيء استخدامها للحصول على سبق صحفي أو جيش من (اللايكات) والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي عالم الغاب المجنون نستحضر بعض الصور التي لاقت صدى عالمياً واسعاً، نتذكر تلك اللقطة التي تخلو من ذرّة إنسانيّة وهي  للطفل الإفريقي وأفعى كبيرة تهاجمه، والتي أثارت زوبعة من الانتقادات، فأين كان المصوّر حينها؟! ولمَ لم يترك الكاميرا لينقذ الضحيّة بدل تصوير ذلك المشهد المُثير على حدّ رأيه، كم من الصور اليوم تشابه تلك الحادثة القديمة؟

وفي ذات السياق صورة أخرى مرعبة ومخيفة تظهر طفلاً يأكله الصقر، لقد انتظر المصوّر حتى تموت الضحية أو (الصيد الثمين)، لأنه خاف أن تذهب عنه والتقط الصورة وحصل على جائزة عنها ونال على شهرة واسعة، لكنه تحوّل من مصوّر إلى قاتل في نظر البعض، وتذكر القصة أنّ المصوّر مات بعدها جرّاء عذاباته النفسية نفسه، لأنه لم يفعل شيئاً للطفل، وتمّ تصوير فيلم قصير لهذه القصة.

وغيرها الكثير من الصوّر والفيديوهات التي تُباع بالملايين لحوادث سير أو جرائم قتل وتعذيب، فضلاً عن صور أخرى لإثارة الرعب والخوف في النفوس وزعزعة الثقة بين الناس كما فعل ويفعل الإرهابيون في كل مكان فلم يرقّ لهم فؤاد أو يرف لهم جفن في ذلك، فكانوا ينشرون جرائمهم على قنوات البث الفضائي والإلكتروني فيعتبرون ذلك نقطة قوّة لإجبار الآخرين على الانسياق لهم بدل قتلهم وتعذيبهم. 

ولأنّ الصورة بألف كلمة، فالمصوّر ينقل للعالم عذابات الشعوب ومعاناتهم، كتلك الصورة للطفلة السوريّة النازحة التي استسلمت لـ(فوهة) الكاميرا، فنقل المصوّر مدى الخوف الذي عاشه أولئك الناس في رحلة الفرار من الموت، وغيرها الآلاف من الصور في العراق لتفجيرات إرهابية واغتيالات واضطهادات وصراعات لا تنتهي مع الظلم والفقر والمرض واليتم. 

لكل شيء ثقافة وكذلك النص وكذلك الصورة، فيتوجب علينا احترام آداب التعامل معها، فالصورة تتكلم، وهي لغة من نوع جديد، والصحفيون هم المسؤولون بشكل أساسي عن التعبير عنها وعن مراعاة الأبعاد الاجتماعية والثقافيّة لها، ونقل الواقع كما ينبغي عبرها، والتعاطي السليم مع مواثيق الشرف الصحفيّة والمصداقيّة والمهنيّة وقبل كل ذلك الأخلاق والإنسانيّة والابتعاد عن خانة: صحفيون بلا حدود.. صحفيون بلا إنسانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
رقية تاج
قاصّة وكاتبة مقالات
رقية محمد صادق تاج، عراقية وُلدت في دمشق سنة 1990، حاصلة على بكالوريوس إعلام، قسم الصحافة، جامعة بغداد. كاتبة مقالات وقاصّة، لها مجموعة قصصية قيد الطبع، وحالياً هي مديرة تحرير موقع "بشرى حياة".
تحميل المزيد