نعم اهتزت القاهرة مجدداً، للمرة العاشرة تشتعل باللون الأحمر لتعلن التأكيد للمرة الثانية على التوالي احتلال الشياطين الحمر أراضيها، بل وكل أراضي إفريقيا. فلا يوجد ما يعاد ذكره عن سطوة الأهلي على ممتلكاته في القارة السمراء فهذا النادي الذي تعد أكبر مشاكله الآن هو البدء في تصنيع دولاب بطولات جديد يتسع للقادم، ربما نتحدث ونجد نقطة مشتركة في أن الدوري المصري ليس على المستوى مما يمكّن الأهلي من الفوز به كل عام تقريباً، ولكن حتى بطولة إفريقيا؟ 10 بطولات وبفارق خمس بطولات عن أقرب منافسيه؟ هذا بالطبع ليس شيئاً يمكننا المرور عليه مرور الفرق الإفريقية على بطولة إفريقيا، بل يجب علينا الاستمتاع بما يفعله الشياطين الحمر بالقارة الـ"حمراء"، ودراسة تلك الظاهرة التي انبهر بها الجنرالات القدامى في بريطانيا والذين عرفوا أن الأفارقة ليس من السهل التحكم بهم والهيمنة عليهم بالطول والعرض بهذا الشكل. فكيف فعل الأحمر كل هذا؟ وكيف سطر تاريخاً يحكى في كل العالم بأن إفريقيا هي الأهلي؟
هنالك عدة أسباب قد تشرح لك ما يحدث في التاريخ في هذه اللحظات أو ربما تعطي لك مبرراً عن القارة الحمراء، بالتأكيد إذا تحدثنا عن أولى الأسباب فستكون مبادئ النادي الأهلي؛ تلك المبادئ التي كانت سبباً في سخرية البعض، ولكن هذا ما سنراه الآن؛ البعض لا يعرف طعم البطولات بينما جماهير الأحمر ملت من إفريقيا وتطالب بكأس العالم للأندية.
تلك المبادئ التي ساوت بين جميع من ارتدى القميص ثم بدأت في وضع كل شخص في مكانه الذي يستحقه بناءً على خبرته وسنه فأرضت الجميع. تلك المبادئ والروح التي افتقدها الأهلي في سنين ماضية فأفقدته البطولات، وعادت البطولات بعودة الروح التي نراها في أنه لم نعد نفرق بين اللاعب الأجنبي واللاعب المصري داخل ساحات الأحمر؛ علي معلول اللاعب التونسي على سبيل المثال إذا سمعته الآن تحسبه كان ناشئاً من ناشئي الأهلي؛ تلك المبادئ التي عندما عاد الأهلي لها بقيادة الأسطورة محمود الخطيب وحارب الجميع لترسيخها وطبقها بحسم وبقوة على كل من سولت نفسه مساومة النادي الأهلي، أعاد للفريق رونقه وروحه التي انقلبت جحيماً على المنافسين.
الدعم الإداري والجماهيري هي كلمة سر أيضاً فتخيل أنك لاعب في مباراة نهائية ثم تجد أسطورتك المفضلة والذي هو أيضا رئيس النادي يقف في ملعب التدريبات قبل وصولك لتحفيزك وطمأنَتك، ثم عندما تبدأ المباراة تجده واقفاً في المدرجات مثل الجماهير وتتذكر عندما أخبرك أنه يثق بك، بالطبع حينها ستفعل مثل محمد الشناوي عند استلام الكأس عندما رفع قميص رقم 10 قميص بيبو ليكتب أمجاداً فوق أمجاده كلاعب من أفضل اللاعبين -إن لم يكن الأفضل- في إفريقيا ومصر.
وقد تساعدك الظروف للفوز بالبطولة مرةً، وكم من فرق صغيرة فازت ببطولات جماعية كبيرة، ولكن ما يصعب حدوثه بالحظ أو بمساعدة الظروف هو الفوز بها مرتين متتاليتين، وبتلك الاستمرارية في الأداء، فتُخرج أصعب المنافسين دون أن تُهزم منهم، بل وتفوز بمباريات بصعوبة نصف النهائي وأمام منافسين بصعوبة الترجي فتجعل منافسيك يبررون قوتك بضعف منافسيك وبسيطرتك على المباراة أن "أخطاء الغير ساعدتك".
لكن السبب الحقيقي في فوزك بالفعل هو الاستمرارية والجوع للمزيد. فإذا تابعت لقاءات اللاعبين بعد الفوز بالبطولة وقارنتها بلقاءات جيل أبوتريكة مثلاً بعد الفوز بإفريقيا، ستجد نفس النبرة: "هنحتفل النهارده ومن بكرة هنركز عشان نكسب الدوري"؛ حيث إنه في هذا النادي لا مجال للاكتفاء، أنت هنا للفوز بكل مباراة حتى لو كانت أمام عمال النادي، وكأن الأهلي يحقن لاعبيه بدماء الفوز مع إمضاء العقد فيلطخ بها البطولات هنا وهناك، وإذا غادروا تسحب منهم تلك الدماء الحمراء فهي داخل القلعة فقط.
وحتى أن هذا لم يقتصر على اللاعبين فقط، ففي لقاء مع والدة النجم محمد مجدي قفشة طلب منها المذيع إرسال رسالة لابنها بعد الفوز بالعاشرة وأدائه الرائع في البطولة الثانية على التوالي فكانت الرسالة "الحادية عشرة يا أهلي"؛ ونحن نعرف أن الأم المصرية تعرف بأنها تريد رؤية ابنها دائماً الأفضل، تقارنك بابن خالتك وتقول لك ما زلت لم تصل بعد إلى النهاية، تنجح في الإعدادية فتقول لك عقبال الثانوية، وحتى بعد التخرج في الجامعة ستخبرك أنها تنتظر منك الماجستير. وهذا تماماً هو ما تفعله جماهير الأهلي في لاعبيها؛ فأكاد أجزم أنه في المباراة القادمة التي لا يكون الأهلي فيها في مستواه سترى الجماهير غاضبة تعاتبهم على الاستهتار، عكس بعض المنافسين إذا فاز بمباراة جعل لاعبيه ميسي وإذا خسر في التالية سبهم وألقاهم خارج النادي.
هذا الجيل من اللاعبين صنع شخصية له رغم أنه أقل الأجيال تلقياً للدعم وحتى أكثر المتفائلين ظن أن الفوز بالدوري مع بطولة لإفريقيا سيكون أكبر ما سيحققه هذا الجيل ولكن مما يبدو فالموسيماني هذا لا يشبع، وجوزيه يجلس في البرتغال يضع يده على قلبه خوفاً على إرثه وإنجازاته مع الأهلي؛ فهذا الجنوب إفريقي حرفياً جعل إفريقيا تنام مبكراً، ولم يرحم حتى أبناء بلده فأخرج كلا الفريقين الجنوب إفريقيين بفضيحتين دون تلقي أي هزيمة.
وكان الجميع يظنون أن تجربة موسيماني مع صن داونز لن تتناسب مع الأهلي، وحقيقةً هذا ما حدث، فتجربة موسيماني مع صن داونز في عشر سنوات فعل أكثر منها في أقل من عام مع الأهلي! حتى أن الأمر أصبح معتاداً، وأكاد أُجزم أن هذا البيتسو إذا استطاع الفوز بالدوري الصعب هذا العام، فقطعاً وحتماً ستكون سيطرة بالطول والعرض على إفريقيا، وحتى العالم في بطولة كأس العالم للأندية، القادمة، وببعض الإضافات على قائمة الأهلي الحالية لن يكون هناك فرح في القاهرة خارج الجزيرة.
هذا النادي حقق مجداً سيتحاكى به الكبير والصغير، سيحدثك جدك عن هيمنة الأهلي بينما تراها رأي العين، وستحكيها لأحفادك وعندها سيكون حصل على الثلاثين بطولة إفريقية أو ربما سيقيمون بطولة لباقي الفرق دون دخول الأهلي بها. هذا النادي الذي سيبحث العام القادم عن رقم قياسي جديد في الفوز بإفريقيا لثلاث مرات متتالية بينما باقي الفرق ترى الفوز بها مرةً يحتاج إلى معجزة.
هذا النادي الذي حَوّلَ جيلاً كان يراه البعض جالباً للعار، إلى جيل سيكتب الهزيمة على كل من يواجهه، حتى يجعلهم يرضخون ويكنون إلى حقيقة أن الأهلي هو ملك القارة الإفريقية دون منازع أو منافس، وأن هذه الملاعب ملك له مهما كانت في أي بلد، فلا يعرف بلداً أو فريقاً، وإنما يعرف شيئاً يسمى الفوز، والفوز بدورِه لا يعرف صديقاً وفياً إلا الأهلي.
الحادية عشرة يا أهلي؟ الثانية عشرة.. الثالثة عشرة.. الرابعة عشرة.. الخامسة عشرة!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.