في أحد كتب الأديب الراقي وقلم الرحمة دكتور عبد الوهاب مطاوع حكي عن شاب في ريعان الشباب، شديد الوسامة وحلو الطلة. كان شاباً "معجباني" كما يقولون، اعتاد نظرات الحب والهيام من فتيات الجيران وجميلات النادي، لم يكن ليلقي بالاً للحسناوات هنا وهناك، بل كان يعاملهن بتعفف أقرب للكبر والغرور. ظل الحال على ذلك المنوال حتى وجد ضالته في فتاة لم تُعِره الانتباه والاهتمام الذي اعتاده، ولم تبادله الإعجاب كالأخريات.
أثارت فضوله، فضوله تحول لإعجاب ومن ثم إلى شوق وحب، ثم إلى مطاردة وملاحقة، ولم يدر بنفسه وبما يفعل حتى أفاق على ملاحظات أخيه الأصغر وأسرته على سلوكه وسؤالهم عن تلك الفتاة الخارقة التي وقع في غرامها ويطلبون إليه أن يصف جمالها لهم. آلمه أن يصف لهم أنها فتاة عادية، عاديتها أقرب للدمامة والقبح منها للجمال والحُسن، هي فتاة عادية، فقط غير مهتمة.
لما لم يجد الفتى بُداً من ملاحقتها، قرر أن يسلك المسار الطبيعي الشرعي وأن يتقدم لخطبتها، ظناً منه أن هذا هو الطريق الأوحد ليحصل عليها، وللعجب أنها رفضته، والأعجب أنه داوم على التقدم لها مرات ومرات دون يأس، زهدها فيه زاده محبة فيها، فرفضته مرة تلو الأخرى دون شفقة!
ولأنها تعلم أنها دميمة وليأسها من الخُطاب، أيقنت أنه لن يدق بابها أحد غير صديقنا الوسيم، فقبلته على مضض، وبشروط مجحفة، وقالت له صراحة: "إنت شكلك وسيم وشكلك هتقرفني خيانة وعلاقات نسائية. إنت مفيش واحدة عاقلة ترضى بيك!".
جملتها هذه ذكرتني بالممثل القدير كمال الشناوي لما سألوه عن سبب عدم زواجه قال: "الجميلات لا يرضين بي، والدميمات لا أرضى بهن".
هيه! فلنعد لقصة صديقنا صاحب القصة الأصلي، والذي رغم تعجبه من تلك العلاقة التي يجثم شبح الفشل على جوانحها قبل أن تبدأ، وافق حباً واندفاعاً أملاً في التغيير بعد الزواج.
وبالفعل تغيرت الزوجة، لكن ليس التغيير في صالح علاقتهما بكل أسف، فجمود مشاعر زوجته تجاهه لم تفلح كل الأساليب لعلاجه فازداد الصدع، بل وزد على ذلك استياء الزوجة من شعورها الدائم ممن حولها بأنها لا تستحق شخصاً مثل زوجها، فزادها كراهة فوق كراهيتها له.
وبعد أن رزقاً سوياً بحفنة من الأطفال، قررا الانفصال لعدم توافق الرؤى وضمور الانسجام.
كتب الشاب صاحب القصة للدكتور عبدالوهاب مطاوع يخبره عن ألمه من تلك التجربة، والتي قضت على ثقته بنفسه تماماً، وأعادت ترتيب حياته ليكن في الصفوف الخلفية وقد رضي بوظيفة بدوام جزئي يرعى أطفاله لأن أمهم لا تريد أي أثر لحياتها السابقة معه في حياتها الجديدة. كتب إليه ينعى حظه أن الفتاة الوحيدة التي منحها حبه وقلبه واختارها لتكون شريكته لا تكنّ له حتى قدر أُنملة محبة. بعث إلى الكاتب يعلن ندمه على غطرسته في الماضي وبطره على من أحببنه، ولا يُخفِ ظنونه بأنه ربما ما يعاني منه الآن هو ذنب القلوب الكسيرة التي أحبته، وربما كانت هذه بتلك.
فعلق الكاتب الكبير على المنشور بحكاية عن ملكة، كان لها ولد وحيد، كانت تدعو له دعوة عَجِب منها الناس، كانت تدعو الله أن يجعل وليدها ملكاً من أصحاب الحظوظ، وأردف الكاتب تعليقه على الرسالة بحكاية مشابهة ولكنه ذكر أن من كتبتها إليه امرأة في غاية الجمال، كتبت إليه تندب سوء حظها رغم جمالها الأخاذ، وختمت رسالتها قائلة: "الجمال الحقيقي جمال الحظ".
برأيك، جمال العقول أبقى أم جمال الحظوظ؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.