مخاوف من عودة الثورات وإقرار بفشل الدول العربية.. الشرق الأوسط في عيون إسرائيل

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/17 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/17 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
احتجاجات غاضبة في لبنان بعد اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة/الأناضول

الأحداث الدرامية التي يشهدها لبنان مؤخراً، والمتمثلة في انهيار اقتصادي غير مسبوق من مظاهره انهيار سعر العملة المحلية، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة يومياً، واختفاء الأدوية، وانتشار المشاجرات في محال بيع الأغذية بالتزامن مع انسداد سياسي مستمر منذ استقالة الحكومة عقب انفجار مرفأ بيروت، هي أمور تستحضر للأذهان المخاوف من انهيار الدولة اللبنانية. وهي مخاوف لا تقتصر على لبنان، إنما لها نظائر في السودان، الذي يعيش أزمات متفاقمة في دارفور وجنوب كردفان وشرق البلاد. كذلك يعيش العراق حالة من الكر والفر بين المتظاهرين في العديد من المحافظات وبعض الميليشيات ذات الولاءات الإقليمية. كما توجد صراعات معلنة بين رئيس الوزراء الكاظمي وبعض أجهزة الدولة من جهة، وبعض الميليشيات المنخرطة في الحشد الشعبي من جهة أخرى. في حين فشل مؤتمر جنيف بين الفرقاء الليبيين المنعقد برعاية دولية في الاتفاق على ترتيبات إجراء الانتخابات المفترضة في ديسمبر/كانون الأول القادم، ومازالت الخلافات محتدمة بين حكومة الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور والمجلس الانتقالي في جنوب اليمن، بينما تستمر الحرب في مأرب بين الحوثيين وخصومهم. في حين تواجه مصر أزمة وجودية ترتبط بسد النهضة الإثيوبي.

المخاوف من عودة الثورات وفشل الدول العربية

الأمثلة السابقة تشير إلى حجم المخاطر والتحديات التي تمر بها الدول العربية، وتعيد للذهن الأجواء التي رافقت ثورات الربيع العربي ومازال صداها يتردد في دوائر أجهزة الاستخبارات ومراكز البحوث الإسرائيلية. الأكاديمي إيال باسكوفيتش المحلل السابق في الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي ومستشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال الفترة من 2006 إلى 2008، سبق أن أقر في دراسة نشرها بأن ثورة يناير في مصر قد باغتت من يزعمون أنهم يفهمون الشارع المصري، مثل الصحفيين والخبراء الأكاديميين وأجهزة الاستخبارات الغربية، خاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل. 

كذلك انشغل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) بدراسة ظاهرة فشل الدول العربية وتفككها، وذلك عبر مشروع بحثي طويل الأمد بدأ فور اندلاع ثورات الربيع العربي، وانتهى في نوفمبر/تشرين الأول 2015، ونشر مخرجاته عام 2017 في كتاب صدر باللغة الإنجليزية بعنوان "العالم العربي على طريق فشل الدولة". وأكد الكتاب على أن أبحاث الاستخبارات ركزت سابقاً في المقام الأول على النخب العسكرية والسياسية، وتجاهلت المجتمع المدني. وذلك في ظل الافتراض الشائع بأن الأنظمة الديكتاتورية العربية آمنة في ظل سيطرتها الكاملة على السكان غير المنظمين والخاضعين للاستبداد. ومن ثم أوصى الكتاب بضرورة فهم التيارات الأعمق في المجتمعات العربية، فضلاً عن مراقبة وتحليل الخطابات المختلفة وبالأخص على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، ورصد مؤشرات الاقتصاد والديموغرافيا من خلال جمع مجموعة واسعة من البيانات مثل: معدل البطالة، وهيكل التوظيف (تقسيم العمالة بين الزراعة والتصنيع والخدمات)، ومعدل النمو السكاني، ومعدل وفيات الأطفال، ومعدل الأمية والتعليم العالي، ومستوى الانقسامات العرقية والوطنية والدينية.

وقد عرف الكتاب المذكور الدولة الفاشلة بأنها دولة تتسم بامتلاك حكومة مركزية ضعيفة غير قادرة على الحكم، وشرعيتها محدودة أو غير موجودة، ولا تتمتع باحتكار وسائل إنفاذ القانون. ونص الكتاب على أن لكل دولة فاشلة ثلاث خصائص بارزة هي: ضعف الحكم وانعدام الشرعية، والفقر المدقع، والصراع الداخلي المطول بين مكوناتها. كما جادل الكتاب بأنه في البلدان الشمولية يمكن للحكومة أن تحكم دون موافقة الجمهور عبر الإكراه والقمع والاستبداد، لكن نمط الحكم الديكتاتوري يؤدي لاحقاً إلى انتشار مشاعر الإحباط والعزلة التي تُترجم إلى احتجاجات ومعارضة وعنف بين القطاعات التي تشعر بأنها مستبعدة من مراكز القوة والنفوذ. وفي ظل تلك الأجواء تتسم الدول الفاشلة بالشلل في صنع القرار، وتفكك التماسك الاجتماعي، وتصبح غير ذات صلة اجتماعياً واقتصادياً في نظر المواطنين الذين لم يعودوا يتوقعون تلقي الخدمات الأساسية من الدولة، وفي المشهد الأخير ينهار كل من الحكم والبنية التحتية المدنية في وقت واحد.

خلص الكتاب الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) إلى أن ثورات الربيع العربي قوضت المنطق الجيوسياسي للعالم العربي، الذي يقوم على تنظيم الدول وفقاً لنموذج الدولة القومية الإقليمية التي تتألف من حكومة مركزية رسمية وحدود واضحة. حيث لم تعد العديد من هذه الدول، مثل اليمن وليبيا وسوريا، موجودة في شكل دول متماسكة تحكمها حكومة مركزية قادرة على فرض سلطتها على معظم أراضيها، إنما أصبحت ساحات للصراعات الدموية. ويضيف أن ضعف الحكومات المركزية بتلك الدول أدى إلى توسع نفوذ الأطراف غير الخاضعة لسيطرة الدولة مثل التنظيمات والميليشيات، بشكل قوض منهجياً هياكل الدولة. 

لماذا فشلت العديد من الدول العربية؟

يعزو الكتاب التطورات الدراماتيكية بالدول العربية إلى أن الأنظمة الحاكمة بتلك الدول حكمت بيد من حديد، لكنها افتقدت إلى الشرعية في نظر المواطنين فضلاً عن عدم التوافق بين حدود الدول العربية التي حددتها سابقاً القوى الاستعمارية والهويات الدينية والعرقية المحلية، ويشدد على أن مصادر الشرعية وآليات السيطرة التي تطورت على مر السنين في الدول العربية لم تعد كافية لمقاومة الاحتجاجات الجماهيرية. ويذهب إلى أن أغلب الدول العربية تقريباً غير مستقرة بسبب المستويات المرتفعة لعدم المساواة الاجتماعية والعيوب الهيكلية في أنظمتها وصراعاتها الداخلية، بل ويرجح أن حتى الأنظمة الملكية العربية لن تتمكن من الحفاظ على الوضع الراهن على المدى الطويل. وسيتعين عليها في مرحلة ما الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية عبر تنفيذ إصلاحات حقيقية. 

وأكد مؤلفا الكتاب على أن الأزمات التي تبدأ في الدول الفاشلة لها نوع من التأثير الفيروسي على محيطها، فثورات الربيع العربي امتدت من دولة إلى أخرى حتى شملت أجزاء كبيرة من العالم العربي، وهو ما يشبه ما حدث في دول أوروبا الشرقية التي تخلصت من سيطرة موسكو بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. 

توصيات سلبية

قدم مؤلفا الكتاب المذكور توصيات لصناع القرار الإسرائيليين بالاستفادة من الحالة الراهنة للدول العربية، عبر المراهنة على أن تجزئة بعض الدول الفاشلة إلى دول أصغر سيتيح فرصاً أكبر لتوسيع النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، ودعوا إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول: شيعية وسنية وكردية، وتقسيم سوريا إلى دول علوية وسنية وكردية. كما أوصوا بتعزيز العلاقات مع الأقليات التي قد تحصل يوماً ما على الاستقلال أو الحكم الذاتي مثل الأكراد في سوريا والعراق، والدروز في سوريا.

وفي المحصلة فإن المختصين والمراقبين يدركون أن قطار التغيير في العالم العربي انطلق، ويحاولون توظيفه لصالح بلادهم، لكن دور الشعوب توظيفه بما يخدم مصالحها ومصالح الأمة العربية والإسلامية، بل ومصالح المستضعفين من البشر عموماً مع الانتباه لما يحاك من مؤامرات، ومكائد تهدف لإبعاد الثمار عن أيدي الشعوب الحرة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد