أسطورة سؤال التعبير

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/16 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/16 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
رويترز

بعدما يستلم طالب الثانوية العامة المحمل بكل الآمال والطموح، كرمضان صبحي بقميص بيراميدز، ورقة امتحان اللغة العربية، يجد سؤال التعبير الشهير في استقباله، قبل الدخول في متاهة البلاغة والنصوص، ووقوع مفاجآت صغيرة أو أكمنة موضوعة بعناية وسط سؤال النحو، فربما يعيش المتبقي من عمره، يتذكر إعراب مفعول به أو جمع كلمة وحي، التي أجابها وحاويح.

تقع عيناه على "اكتب في ما لا يقل عن 20 سطراً، في أحد الموضوعين التاليين"، جملة تليها رؤوس أقلام جديدة "نوفي" كمشروع توشكى، كيفية تطوير السياحة، ومكافحة الإرهاب المحتمل وغير المحتمل. 

النظام أعلاه صار جزءاً من الماضي، العهد البائد، قبل موسم امتحانات الثانوية الجاري، بعدما قررت وزارة التربية والتعليم إلغاء سؤال التعبير بداية من هذا العام، ضمن سلسلة من التعديلات الجديدة على نظام الثانوية العامة؛ لتفقد ورقة أسئلة امتحان اللغة العربية أحد أشهر أعمدتها الأساسية عبر التاريخ. 

وزير التربية والتعليم طارق شوقي، فسَّر ذلك التعديل بأن المركز القومي للامتحانات قرر إلغاء سؤال التعبير، كي يتلاءم مع الشكل الجديد للامتحان الذي يعتمد على أسئلة الاختيار من متعدد، موضحاً أن التعبير موجود داخل الامتحان بصورة ضمنية، حيث تقيس الأسئلة الجديدة نواتج تعلُّم مهارة التعبير.

العلامة الكاملة في سؤال التعبير.. أشياء لا تحدث في مصر

أساطير خادعة عديدة، توارثناها من الآباء والأجداد وحتماً سنورِّثها للأبناء، مع إضافة "التاتش" الخاص بنا. أساطير كـ"محدش بينام من غير عشا"، و"الطفل المصري أذكى طفل العالم" محفورة في وجدان الأمة، لكن تأتي أسطورة "محدش بيجيب الدرجة النهائية في التعبير"، محفورة في القلوب والشهادات.

أوائل الجمهورية سيحدثهم الوزير عبر الهاتف ليبارك لهم، ستنشر صورهم في جريدة الأهرام، سيتخطى مجموعهم حاجز الـ100%، لكن هيهات أن يحصلوا على الدرجة الكاملة في سؤال التعبير. ولا يعلم أحد، بمن في ذلك الوزير شوقي، سبباً لذلك.

ربما تحاول الجمهورية الجديدة أن تخبرنا بالمستقبل الذي ينتظرنا. فإن عبرت عن رأيك فمن المؤكد أنك ستخطئ، سواء كنت تعبر عنه في ورقة الامتحان أو على مواقع التواصل الاجتماعي، أو على المقهى. تخبرك وتعلّمك مصر أن "خليك في حالك"، فالصمت لك منجاة. 

يعمل إيه التعبير في وطن ضايع؟

قد تتبادر إلى ذهنك الآن تساؤلات مشروعة عن أهمية سؤال التعبير وفعل التعبير بشكل عام إن كانت له أهمية من الأساس. يفيد سؤال التعبير الحس الأدبي لدى الطلبة، ويوسّع لهم آفاق الخيال والإبداع، ويذكرهم بحقهم في التعبير عن أنفسهم ووجهة نظرهم في الحياة وما يدور فيها، وينمي مهارات الكتابة والنقد والوصف. 

ماريلين وايمر، الأستاذة الفخرية لطرق التدريس وأساليب التعلم بجامعة بنسلفانيا، توضح في كتابها "التدريس المتمركز حول المتعلم"، أهمية وجود نشاط دراسي يمنح الطلاب فرصة الكتابة عن العملية الدراسية اليومية لديهم؛ مما يساعد في تنمية مهارات عديدة ومنها الكتابة.

تقول الست ماريلين: "أنا من كبار مؤيدي فكرة سِجِلِّ سَيْرِ التَّعلُّم؛ حيث يمكن الاستعانة به لتحقيق مجموعة متنوعة من أهداف المادة الدراسية…، عندما يَكتب الطلاب عن المحتوى، فإنهم يَنخرطون في نشاط يساعدهم على تعلم المحتوى ويُحسِّن من مستوى مهارات الكتابة لديهم".

يتحدث المختصون عن كيفية تطوير التعليم، وأفضل الاستراتيجيات للحصول على تعليم جيد يفيد المجتمع ويلبي متطلبات سوق العمل، بينما في عام 2016 أطلق عبدالفتاح السيسي نظريته الخالدة "يعمل إيه التعليم في وطن ضايع". 

بعيداً عن سؤال التعبير.. ماذا عن حرية التعبير؟

تقر المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن التعبير حق من حقوق الإنسان، حيث نصت على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".

كثيرون من الكتاب والصحفيين يتحدثون عن ولعهم بسؤال التعبير في امتحانات اللغة العربية، وكيف أثر ذلك في تكون شخوصهم وكيف ساعدهم على الدخول في عالم الكتابة والخيال والإبداع، منذ نعومة أظافرهم وأقلامهم، لكن مع اختفاء سؤال التعبير، ماذا عن حرية التعبير؟

الآن في مصر التي يحكمها السيسي "يقبع أكثر من 70 صحفياً ومصوراً في سجون المحروسة، ويقضي بعضهم أحكاماً بالحبس تصل إلى المؤبد"، حسب المرصد العربي لحرية الإعلام، حيث تجاوز أغلبهم الفترات القصوى للحبس الاحتياطي التي ينص عليها القانون، بينما لم يتم إخلاء سبيلهم، بل تم "تدويرهم" في قضايا جديدة باتهامات جديدة.

في نهاية المقال، عزيزي القارئ: اكتب في ما لا يقل عن 20 سطراً عن حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية صديقك المعتقل.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال فتيان
مدون مصري
مدون مصري
تحميل المزيد