المواطن المصري يدفع تكلفة عشوائية القرارات الاقتصادية

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/16 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/16 الساعة 13:26 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العاصمة الإدارية - رويترز

يشير قانون الموازنة العامة للدولة المصرية الصادر عام 1973 في مادته الثالثة إلى شمول الموازنة العامة للدولة، جميع الاستخدامات والموارد لأوجه نشاط الدولة التي يقوم بها كل من الجهاز الإداري ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة وأية أجهزة أو وحدات عامة أخرى. 

كما نص قرار رئيس الجمهورية بشأن إعداد الخطة العامة للدولة والذي صدر عام 1960 في مادته الخامسة، أنه على الوزارات والمصالح والمؤسسات العامة إعداد مشروع الخطة العامة والخطط السنوية؛ وذلك فيما يدخل في اختصاصها وإجراء الدراسات وتقديم البيانات والإحصاءات التي تلزم لإعداد الخطة العامة للدولة والخطط السنوية، خاصة أوجه استخدام الموارد في الإنتاج والاستثمار والاستهلاك والتصدير والاستيراد. 

لكن تلك النصوص القانونية تم التغاضي عنها بمرحلة ما بعد وصول الجيش للسلطة في يوليو/تموز 2013، وأصبح ما يعن على خاطر الجنرال مشروعاً يجب تنفيذه، بل الإسراع في تنفيذه على حساب باقي تنفيذ المشروعات، دون الحاجة لإجراء دراسة جدوى أو التشاور مع الفنيين والمتخصصين في مجال المشروع أو حتى سماع وجهة نظر المستفيدين منه، أو تقييمه بعد فترة من إنشائه، لتخلو موازنة الدولة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية من تلك المشروعات، والأمثلة عديدة في هذا الصدد. 

مشروع أرابتك لإنشاء مليون وحدة سكنية

أعلن الجنرال خلال توليه وزارة الدفاع عام 2014 عن الاتفاق مع شركة أرابتك العقارية الإماراتية، لإنشاء مليون وحدة سكنية بتكلفة 40 مليار دولار في 13 موقعاً بأنحاء البلاد؛ على أن تتولى الشركة التمويل ويتولى الجيش توفير أراضي البناء. 

وأعلن متخصصون وقتها عن تحديهم لإمكانية تنفيذ المشروع خلال الفترة الزمنية المعلنة وقتها، لأن الطاقة المتاحة بالبلاد من المعدات الهندسية ومواد البناء والعمالة لا تكفي لإتمام المشروع، وبعدها اعتذرت الشركة الإماراتية عن عدم تنفيذ المشروع لتعثر مالي حل بها، ولم يعتذر أحد من المسؤولين للمصريين. 

توسعة للقناة لم تطلبها شركات الملاحة

قال رئيس هيئة القناة السابق إيهاب مميش إنه تحدث مع الجنرال تليفونياً عن المشروع مساء أحد الأيام، ليجد اتصالاً منه صباح اليوم التالي بأن ينفذ المشروع، دون أي دراسة أو حوار مع المتخصصين، كما أصر على تنفيذه المشروع خلال عام واحد رغم أنه لا يوجد زحام للسفن العابرة، بل إن القناة قبل التفريعة كانت تستوعب مرور 78 سفينة يومياً، بينما متوسط عدد السفن المارة 46 سفينة. 

ورغم تراجع حركة التجارة الدولية بعد شهور قليلة من بدء العمل بالتوسعة، وهي التي يعتمد عليها عدد السفن العابرة للقناة فقد أصر الجنرال على التنفيذ خلال عام، الأمر الذي استدعى جلب معدات تكريك من العديد من الشركات الدولية وبتكلفة أعلى؛ مما زاد من الضغط على الدولار وأدى لظهور سوق سوداء به كما أعلن محافظ البنك المركزي وقتها هشام رامز؛ الأمر الذي أدى لقبول روشتة صندوق النقد الدولي بتحرير سعر الصرف؛ وهو ما زاد من أسعار السلع على المواطنين. 

ومع الافتتاح دعا الجنرال الملوك والرؤساء لحضور حفل الافتتاح ومنح العاملين بالبلاد إجازة رسمية، رغم إعلان منظمة الملاحة الدولية وقتها أنها لم تطلب تلك التوسعة ولا تحتاج لها. ومع انخفاض إيرادات القناة بعد التفريعة بسبب تراجع حركة التجارة الدولية حينذاك، والتي أسمتها السلطات "قناة السويس الجديدة" فقد أعلن الجنرال أن الهدف منها كان رفع الروح المعنوية!

شبكة قطارات كهربية عام 2013 

فى سبتمبر/أيلول 2013 تم الإعلان عن تنفيذ شبكة خطوط قطارات كهربية منها قطار فائق السرعة بين الإسكندرية وأسوان بسرعة 350 كيلومتراً بالساعة على جسر علوي معزول لا يتوقف سوى في خمس مدن، وأسفله قطار آخر كهربائي بسرعة 180 كيلو متر/الساعة يتوقف في عواصم المحافظات المار بها، إلى جانب قطار فائق السرعة بين مدينتي الأقصر والغردقة، ولم يتم شيء من ذلك.

المدينة العالمية للتجارة والتسويق

فى أكتوبر/تشرين الأول 2014 أعلن خالد حنفي وزير التموين وقتها عن موافقة الجنرال الذي كان قد تولى منصب الرئاسة، عن إنشاء مدينة عالمية للتجارة والتسويق بخليج السويس تتكلف المرحلة الأولى منها 40 مليار جنيه، وتوفر نصف مليون فرصة عمل بتلك المرحلة، لكنه لم يتم شيء. 

المركز اللوجستي العالمي للحبوب والغلال

في أكتوبر/تشرين الأول 2014 أعلن إبراهيم محلب، رئيس الوزراء وقتها، عن إعطاء الرئيس إشارة تنفيذ المركز اللوجستي للحبوب والغلال بطاقة تخزينية 7 ملايين طن، وبتداول سنوي للغلال 65 مليون طن بتكلفة 15 مليار جنيه على مساحة 4 ملايين متر مربع بدمياط، ورغم ما قاله المتخصصون وقتها من أن مصر دولة مستوردة للحبوب فكيف تكون مركزاً لتصديرها، فقد استمرت التصريحات الرسمية عن المشروع والتي انتهت إلى لا شيء. 

هضبة الجلالة

رغم ما تعج به مصر من عشوائيات ومشكلة إسكان فقد بدأ العمل في يونيو/حزيران 2014 لإنشاء مدينة على هضبة الجلالة على خليج السويس،  بمساحة 17 ألف فدان بها تلفريك ومدينة ألعاب مائية ومارينا لليخوت. 

استصلاح مليون ونصف المليون فدان

أعلن الجنرال في يوليو/تموز 2014 عن مشروع لاستصلاح مليون فدان، وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام أعلن عادل البلتاجي، وزير الزراعة وقتها، أن المشروع سينتهي خلال عام واحد، وأن المليون فدان تمثل مرحلة من 4 ملايين فدان، وهو ما كرره رئيس الوزراء إبراهيم محلب والجنرال نفسه. ورغم اعتراض المتخصصين على أن المشروع يعتمد في ريّه على المياه الجوفية وهي قابلة للنضوب، ووجود المياه الجوفية على أعماق كبيرة مما يزيد من تكلفة حفر الآبار، وكذلك مكان المشروع بالجنوب مرتفع الحرارة، واعتذار القطاع الخاص عن عدم المشاركة بالمشروع، فقد رفعت التصريحات الرسمية مساحة المشروع إلى مليون ونصف المليون فدان. 

ورغم إسناد المشروع لشركة الريف المصري بعد ذلك فقد أشارت بيانات جهاز الإحصاء الرسمي، إلى أن المساحة المستصلحة بالمشروع حتى نهاية شهر يونيو/حزيران 2019، قد بلغت أقل من 225 ألف فدان بالإضافة إلى حوالي 106 آلاف فدان مستصلحة وضع يد، أي أنه تم استصلاحها قبل الإعلان عن المشروع من قبل واضعي اليد، لتصل المساحة الإجمالية إلى 331 ألف فدان فقط، ورغم هذا الإخفاق تحدث الجنرال مؤخراً عن مشروع الدلتا الزراعية الجديدة رغم مشاكل الري المتعلقة بمشروع سد النهضة.

التفريعة عطلت مشروع الطرق 

فى 30 يونيو/حزيران 2014 أعلن الجنرال عن مشروع قومي للطرق وأطلقه عملياً في شهر أغسطس/آب من نفس العام، لإنشاء 13 طريقاً بأطوال 3300 كيلومتر، محدداً موعد إنجازه في ذات الشهر من العام التالي لإطلاق المشروع، أي خلال عام واحد، ومع عدم انتهاء المشروع بعد مرور العام برر وزير النقل حينذاك هاني ضاحي، بأنه لا توجد معدات فنية كافية للعمل حيث اتجهت غالبية المعدات لإنجاز مشروع تفريعة قناة السويس؛ مما دفع الجنرال لإقالة الوزير.

ووعد الوزير الجديد سعد الجيوشي بإتمام العمل بالمشروع  في أغسطس/آب 2016، ثم تم مدّ الفترة إلى منتصف عام 2017 ثم مدّها إلى عام 2020، وما زال المشروع قائماً مع تعليل المسؤولين للتأخير بتعثر إجراءات نزع الملكية من الأهالي ببعض المناطق، ونقص مادة البيتومين اللازمة للرصف وتأخر تسلم مواقع العمل وتأخر إسناد المشروعات إلى الشركات المنفذة. 

العاصمة الإدارية الجديدة 

فى مارس/آذار 2015 وخلال المؤتمر الاقتصادي في مدينة شرم الشيخ فوجئ المصريون بالإعلان عن إنشاء عاصمة إدارية جديدة بالتعاون مع شركة إعمار الإماراتية تتكلف المرحلة الأولى بها 45 مليار دولار، وقيام شركة تم تأسيسها بالتعاون بين إعمار ومستثمرين عرب بالتمويل، وقيام الحكومة المصرية بتقديم الأرض عدا المباني الحكومية التي تتولى الحكومة المصرية تمويلها. 

وبعد انسحاب الشركة الإماراتية من المشروع أصر النظام المصري على تنفيذ المشروع الذي لا يمثل أية أولوية، وظهور العديد من مظاهر البذخ خلال تنفيذه مثل إنشاء أكبر مسجد وأكبر كاتدرائية وأعلى برج في إفريقيا، بالإضافة إلى مقار جديدة لكل الوزارات المصرية وللبرلمان ولمجلس الشيوخ ولرئاسة الجمهورية وغيرها من مظاهر الترف.

مطار لمدينة لا يسكنها أحد 

تم الافتتاح التجريبي لمطار العاصمة الإدارية في يوليو/تموز 2019 لمدينة لم يسكنها أحد حتى كتابة هذه السطور، ولم تتم معرفة الموعد النهائي لافتتاحها في ضوء الشكوى من تأخر شركات المقاولات في التنفيذ والتى أعلن رئيس الوزراء عنها مؤخراً. سبق الشكاوى افتتاح مطار آخر على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي بمسمى مطار "سفنكس" في يناير/كانون الثاني 2019، وكذلك مطار "البردويل" الدولي بشمال سيناء رغم تعطل مطار العريش وتهجير كثير من سكان شمال سيناء خاصة في مدينة رفح. 

مدينة دمياط للأثاث

دون حوار مع أهالي دمياط أو العاملين بصناعة الأثاث بها، أعلن الجنرال عن إقامة مدينة للأثاث بدمياط، وبالفعل قام إبراهيم محلب، رئيس الوزراء حينذاك، بوضع حجر الأساس لها في مايو/أيار 2015 برفقة وزير التنمية المحلية وقتها عادل لبيب، لكن الجنرال تغاضى عن ذلك وقام بوضع حجر الأساس مرة أخرى في مايو/أيار 2017. ورغم تشغيل المدينة فإنها لم تساهم في حل مشكلة الكساد بسوق الأثاث أو خدمة صغار الصناع، والذي نجم عنه احتلال محافظة دمياط المركز الأول في نسبة البطالة بين محافظات مصر عام 2020 حسب جهاز الإحصاء الرسمي. 

المثلث الذهبي للتعدين

تكررت الوعود بتنفيذ مشروع المثلث الذهبي للتعدين ما بين مناطق سفاجا والقصير وقنا، وهو المشروع  الذي كان المهندس هشام قنديل، رئيس الوزراء بعهد الرئيس محمد مرسي، قد شكل لجنة وزارية برئاسة وزير الصناعة لتنفيذه في بداية أبريل/نيسان 2013. حيث أعلن وزير الصناعة طاهر قابيل في يونيو/حزيران 2016 عن انتهاء شركة "دي بولونيا" الإيطالية من إعداد المخطط النهائي للمشروع، والذي سيضم إلى جانب التعدين مشروعات زراعية وسياحية وتجارية، حسب تصريحه.

كما صدر قرار جمهوري في بداية النصف الثاني من 2017 باعتبار المشروع منطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة على مساحة 9.4 مليون متر مربع، لكن المشروع لم يرَ النور بعد بل لم يتم البدء به.

خسائر هيئة المعارض والمؤتمرات

رغم وجود أرض المعارض بمدينة نصر بالقاهرة ووجود مركز المؤتمرات بمدينة نصر أيضاً، إلا أن الجيش أصر على إنشاء مركز للمؤتمرات الدولية بمنطقة القاهرة الجديدة. وانتقلت إليه كل الفعاليات الرسمية من المعارض والمؤتمرات وغالبية الفعاليات الخاصة، الأمر الذي أدى إلى زيادة خسائر هيئة المعارض والمؤتمرات التابعة للدولة، وكذلك الفنادق التي كانت المعارض تمثل أحد مواردها.

المشروع القومى للغذاء 

رغم الوعد بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك وخفض أسعارها، بعد افتتاح مشروع المزارع السمكية في الإسماعيلية في ديسمبر/كانون أول 2016، والمزرعة السمكية ببركة غليون بكفر الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ومزرعة شرق بورسعيد، فقد زادت أسعار الأسماك ولم يتحقق الاكتفاء الذاتي منها. 

المقر الصيفي للوزارة بالعلمين

في عودة لتقليد وزارات ما قبل عام 1952 قام النظام المصري بإنشاء مقر صيفي للوزارة بمدينة العلمين بالساحل الشمالي، بدعوى إمكانية عقد اجتماعات الوزارة به صيفاً وهو ما حدث بالفعل مؤخراً. 

مشروعات شركة سيمنس لإنتاج الكهرباء 

مع استمرار مشكلة انقطاع التيار الكهربي في بداية حقبة الجنرال اندفع الأخير لتنفيذ العديد من مشروعات الإنتاج، من خلال تركيب وحدات جاهزة وصيانة المحطات القديمة والتوسع بالطاقة الجديدة والمتجددة وحملة لترشيد الاستهلاك وتوزيع إجباري للمبات الموفرة للمتعاملين مع شركات توزيع الكهرباء. ومنذ بداية يونيو/حزيران 2015 لم يتم تخفيف الأحمال على الشبكة العامة للكهرباء وحتى الآن لوجود إنتاج يكفي الاستهلاك في أعلى أوقات ذروة الاستهلاك الصيفية. إلا أن السلطات استمرت في المزيد من مشروعات إنتاج الكهرباء من خلال الاقتراض، رغم تسبب الزيادة المستمرة لأسعار شرائح الاستهلاك للكهرباء في انخفاض مجمل الاستهلاك من الكهرباء سواء للمنازل أو للمحلات التجارية أو حتى المراكز الصناعية. 

الأمر الذي أدى إلى إنتاج طاقة كهربائية فائضة منذ عام 2016، ومع ذلك قام الجنرال بتكليف شركة سيمنس الألمانية بالأمر المباشر ودون إجراء مناقصة دولية، بتنفيذ ثلاث محطات لإنتاج الكهرباء بطاقة 14.4 جيجا وات، رغم أن الفائض يزيد عن 25 جيجا وات، ولم يتم التمكن إلا من تصدير قدر ضئيل منه إلى الأردن وليبيا ومؤخراً إلى السودان، إلى جانب أن الانتهاء من محطات الإنتاج لم يواكبه توسع لطاقة شبكة نقل الكهرباء، مما أدى للاقتراض لتوسيع شبكة النقل خلال ثلاث سنوات أي أنه لا يمكن الاستفادة من الفائض خلالها. 

مما تسبب في زيادة قيمة فوائد الديون المطلوب سدادها من قبل الشركة القابضة للكهرباء، وتحمل الشركات المنتجة تكلفة إنتاج لا تتم الاستفادة به؛ مما اضطرها لخفض الإنتاج وعمل بعضها لمدة أسبوعين بالتناوب مع غيرها، مع تحمل تكلفة الأجور كاملة، الأمر الذي تطلب الاستمرار في زيادة أسعار شرائح الاستهلاك المنزلي للكهرباء رغم خلو الموازنة المصرية من أي دعم لها منذ ثلاث سنوات مالية، ليدفع المواطن البسيط تكلفة العشوائية في إنتاج الكهرباء.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد