بعد إعفاء وزير الخارجية الإسباني.. هل يُنهي التعديل الحكومي الأزمة بين مدريد والرباط

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/15 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/15 الساعة 17:15 بتوقيت غرينتش

كما كان متوقعاً في مقال سابق، فقد حرّكت إسبانيا ورقةً مهمةً لحلحلة الوضع وإصلاح علاقتها الدبلوماسية، بعد أن دخلت موجة توتر غير مسبوقة بسبب سماحها بدخول زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي إلى أراضيها بهوية وجواز سفر مزورين قصد العلاج.

 إسبانيا التي عجزت وزيرة خارجيتها السابقة أرانشا غونزاليس لايا في إدارة ملف العلاقات الإسبانية المغربية، وبعد أن توقفت كل قنوات التواصل لتدبير هذه المشكلة، لجأ رئيس وزرائها بيدرو سانشيز إلى تعديلات على حكومته، كان أول عنوان فيها هو إخراج وزيرة الخارجية من التشكيلة الحكومية، وبعث رسالة هدنة إلى المغرب.

من حيث التركيبة الحكومية، لا شيء يشير إلى تغيير جوهري يمس السياسة الداخلية، فالتحالف القائم بين الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني وحزب بوديموس لا يزال قائماً، بل إن هذا الحزب اليساري المتشدد لا يزال يحتفظ بخمس حقائب وزارية مهمة، والحقائب التي مسها التغيير تعود للحزب الاشتراكي.

رئيس الوزراء الإسباني لم يُشر عند إعلانه عن حكومته الجديدة إلى العلاقة مع المغرب، بل اكتفى بالحديث عن أولوية "التعافي الاقتصادي وتأمين الوظائف لمواجهة التداعيات المؤلمة للأزمة الوبائية، واكتفى بالتركيز على البعد الشكلي في تركيبة الحكومة، وكونها تعكس تناوب الأجيال، وتعكس أيضاً انخفاض متوسط الأعمار إلى 50 عاماً بدل 55 في الفريق السابق، وتعزز حضور المرأة التي ستحظى بـ63% من أصل 22 مقعداً حكومياً بدلاً من 54.

لكن وزير الخارجية الجديد، السفير الإسباني السابق لدى باريس، خوسيه مانويل ألباريس، أصرّ على أن يكون أول تصريح له في صلب معالجة الأزمة بين إسبانيا والمغرب، إذ أكد أن المغرب يعتبر أكبر صديق لإسبانيا، بما يؤكد أن هذا التعديل في الجوهر محكوم بالغربة في الخروج من الأزمة التي تعرفها العلاقات المغربية الإسبانية، فإسبانيا تدرك أن كلفة التوتر، وهو لم يصل بعد إلى المراحل المتقدمة، هي كبيرة جداً، وأنها لا تتحمل أن يستمر هذا التوتر ويأخذ أبعاداً معقدة جداً، فذلك حتماً سيُدخلها في تحديات خطيرة قد تؤثر على أمنها ووضعها كشريط تجاري مهم للمغرب.

البروفايل الذي يملكه السفير الإسباني السابق في باريس، يؤكد هذا المعطى، فالسيد خوسيه مانويل ألباريس يعرف المغرب بشكل جيد، وهو يحظى باحترام الرباط وتقديرها، فضلاً عن كونه شغل منصب سفير في فرنسا، الدولة الصديقة للمغرب.

لكن هل تكفي هذه الخطوة لإنهاء التوتر، وهل تعتبر كافية بالنسبة إلى المغرب لطيّ الملف، وغضّ الطرف عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته إسبانيا بحق المغرب، ومس جوهر الشراكة المغربية الإسبانية؟

عملياً، إسبانيا، ومنذ مدة، كانت تبحث عن خيارات للحوار مع المغرب، بل كانت أيضاً تبحث عن وسائط لإنهاء الأزمة، سواء عبر الولايات المتحدة الأمريكية أو عبر فرنسا، لكن المقاربة التي اعتمدتها في ذلك كانت تقوم على فكرة الحوار دون معالجة المشكل في جذوره، أي مشكلة انهيار الثقة بين الشريكين ومقتضياتها. ولذلك لم تنجح كل المحاولات التي قامت بها بهذا الصدد، لأنها لم تقيّم بشكل جيد الموقف المغربي.

اليوم، وبعد إعفاء وزيرة أرانشا غونزاليس لايا وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة من منصبها، وتعيين خوسيه مانويل ألباريس الوزير الجديد المعروف بصداقته للمغرب، أو على الأقل الذي فهم بشكل جيد المصالح المغربية، يمكن القول إنها خطوة مهمة لإعادة التقييم من جديد.

 إسبانيا -بهذه الخطوة- تقدم مؤشراً على حسن نيتها دون أن تصل إلى ما يتطلع إليه المغرب، أي إدراك الخطأ الجسيم الذي ارتكبته تجاه مصالح المغرب الحيوية، والقيام بإجراءات عملية لإصلاح هذا الخطأ، وإعادة بناء الشراكة بين البلدين، على أساس من الثقة المتبادلة القائمة على احترام المصالح الحيوية للبلدين، والتعامل معها بمنطق المساواة والندية.

 لكن، مع ذلك تبقى هذه الخطوة مهمة، لاسيما أنها جاءت متزامنة مع تصريحات إيجابية جداً يعتبر فيها وزير الخارجية الجديد أن المغرب هو أكبر صديق لإسبانيا.

من جهة المغرب، مؤكد أن هذه الخطوة ستحظى بتثمين من قبله، وستؤكد له بأن سياسة التشدد التي انتهجها مع مدريد قد آتت أكلها، لكنه لن يجعل من ذلك أرضية للاستمرار في منطق الصرامة والتشدد.

سياسة المغرب الخارجية معروفة بالواقعية والعقلانية والبراغماتية، ولذلك، التقدير أن الموقف المغربي سيتغير قليلاً، لكن ليس إلى الدرجة التي يضيع فيها أوراق اعتماد قوية في التفاوض مع إسبانيا، فالمغرب سينظر إلى التعديل الحكومي في إسبانيا على أساس أنه خطوة مهمة اتجهت إلى إزاحة المصدر الذي أنشأ التوتر، أي وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليس لايا، المسؤولة عن تدبير الخطأ الجسيم الذي ارتكبته إسبانيا ضد المغرب.

التقدير أن قرار المغرب السابق بإغلاق باب الحوار مع إسبانيا، وتعليقه بشرط معالجة الخطأ الجسيم الذي ارتكبته ضد مصالحه الحيوية، هذا القرار سيتم مراجعته بنحو متدرج، وذلك في سياق دينامية التفاوض المتدرجة، التي تتوقف على الطريقة التي سيدير بها وزير الخارجية الإسباني الجديد الملف، والخطوات التي سيقدم عليها، والعرض الذي سيقدمه للمغرب.

واقعية المغرب وبراغماتية سياسته الخارجية ستدفع الرباط إلى انتظار العرض الإسباني والتفاعل معه بشكل متدرج جداً، مع خفض مستوى التوتر إلى أدنى مستوياته، ريثما تنضج الدينامية الدبلوماسية صيغة ما لإعادة ترسيم العلاقة بين البلدين.

في المدى القريب، ليس هناك ما يؤشر إلى عودة سريعة للعلاقات، فالمغرب سيتجه إلى منهج التباطؤ في استيعاب وفهم دلالة التعديل الحكومي، ولن يعتبره حلاً للمشكلة، لكنه في المقابل سيعتبره مؤشراً إيجابياً لإعادة الثقة، وسيتجه للضغط على إسبانيا، لإصلاح العلاقات وإعادة تقييم الشراكة الإسبانية المغربية، بإدخال معامل جديد في مفهومها ومقتضياتها، وهي أن تنأى إسبانيا بشكل كامل عن أي دور يعرقل مسعاه نحو كسب ملف الصحراء، لاسيما بعد الاعتراف الأمريكي بسيادته عليها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد