بعد فشل كل الجهود السياسية والدبلوماسية بين أطراف النزاع "المنبع والمصب؛ مصر، والسودان، وإثيوبيا"، في تحقيق تقدم بخصوص أزمة "النيل"، لاسيما أن المشكلة وصلت إلى أعلى المستويات الدبلوماسية الدولية، عندما عرضت على مجلس الدولي، لكن هذا الأخير لم يفتِ بالجزم أو الحسم في القضية، بل كانت هناك حسابات وتدخلات من طرف الدول الكبرى، ليبقى الحال كما هو.
هذا التحول الدولي بطبيعة الحال لا يرضي أهل المصب "مصر والسودان"، والتي اتجهت إلى أسلوب آخر، ويمكن أن أن يكون هو الأخير في الحملة الدبلوماسية، وذلك بالتوجه إلى الاتحاد الأوروبي وروسيا لإيجاد مخرج لهذه النازلة قبل أن تصل إلى مفترق طرق، وبالتالي ندخل في أزمات جديدة لن تكون مفيدة لدول المنطقة، كون المنطقة لا تحتاج إلى ذلك كونها تعرف أزمات منذ زمن لم تحل بعد.
لكن على النقيض من ذلك فقرار الأمم المتحدة يشفي غليل الإثيوبيين ويعطيهم الحماس والاندفاع من أجل الاستمرار في بناء السد وإتمام مرحلته الأخيرة. من هنا نطرح السؤال: هل تتجه أزمة النيل إلى الحل الدبلوماسي والسياسي أم أن الحل القادم لهذه النازلة هو الحرب؟
أي الحلول أنسب؟
مما لاشك فيه أن الأزمات العربية و الإفريقية لا تنتهي، سوى منها البينية أو مع الدول الأخرى، وذلك لتشابك الجغرافيا والمصالح والأمن القومي، ومن هذه الأزمات نجد أزمة "حوض النيل" بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة ثانية.
هذه الأزمة المتصاعدة لم تكن وليدة اليوم بل كانت دائماً هناك أزمات بين دول حوض النيل، وقد كانت هناك عدة اتفاقيات ومعاهدات إبان الاستعمار وبعد الاستقلال بين هذه الدول لحل مشكلة الماء وتوزيع حصص ماء النيل.
لكن اليوم حوض النيل يشهد صراعاً آخر، وذلك راجع إلى إنشاء سد النهضة الإثيوبي، هذه الأخيرة قد اعتمدت خططاً واستراتيجيات، ليكون هذا السد نقطة وركيزة أساسية لبناء إثيوبيا وتمكينها من قدرات طاقية هامة، لكن هل تفلح إثيوبيا في ذلك؟
إذا نظرنا إلى اتجاهات هذا السؤال وأبعاده، نجد أن إثيوبيا قد خلقت داخل حوض النيل أزمة ليست فقط مائية لدول المصب، بل هي تشكل تهديداً للأمن القومي لهذه الدول، وخاصة جمهورية مصر، التي يعتبر حوض النيل بالنسبة لها عامل الاستقرار الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي، وإذا لم تتمكن من تسوية الخلاف واستمرار الحال كما هو عليه، في القاهرة في ظرفية لا تحسد عليها، لاسيما أنها لم تنتهِ بعد من تأثيرات الثورات الشعبية وهي لا تزال تعيش إرهاصاتها.
إلى جانب ذلك، نجد المتضرر الآخر وهو دولة السودان، والتي هي الثانية تعيش أزمة سياسية خلفتها الإطاحة بالبشير والأزمات الداخلية المستمرة، وهي ليست وليدة اليوم، بل تراكمات منذ نشأة الدولة السودانية، وحتى بعد استقلال وانفصال جنوب السودان عنها. لذلك، تأثير سد النهضة هو نقطة أخرى تهدد الأمن القومي السوداني وتزيد من الفقر والتهميش وحتى الانفصال لمناطق أخرى.
هنا بات على هاتين الدولتين الاتحاد لمواجهة هذه الأزمة المائية، وهذا تم بالفعل من خلال محادثات ثلاثية بين مصر، والسودان، وإثيوبيا.
لكن لم يقع أي تقدم وانتهت بأن هذه الأخيرة حولت "سد النهضة" إلى أزمة حقيقية عندما قامت بملء المرحلة الأولى، وتستعد الآن إلى ملء المرحلة الثانية من السد، هذا التقدم أعطى الانطباع بأن الإثيوبيين لن يتوقفوا عن المسار الذي رسموه حول السد منذ الفكرة حتى الانتهاء منه، لذلك النازلة أصبحت تشهد زخماً عالمياً بوضعها داخل أروقة الأمم المتحدة للبث فيها وإعطاء قرار يحد ويوقف الأزمة.
لكن لذلك قد تم، لكنه لم يكن في صالح مصر والسودان، وهنا يمكن القول إن دولاً كبرى كانت لها اليد الطويلة في منع قرار ينصف دول المصب، وهذا ما يعطى ويؤكد أن إثيوبيا لديها ضوء أخضر مقدم من قبل دول كبرى للاستمرار في بناء السد، وإتمام كل مرتكزاته، وخير دليل هي الاتفاقيات العسكرية التي وقعت عليها مع دول عظمى، وآخرها مع روسيا الاتحادية.
ما هو الحل إذن؟
يمكن القول إن جل المراحل الدبلوماسية والسياسية قد انتهت بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة، فيما يخص حلاً سلمياً يحقق طموحات الإثيوبيين ويحفظ الأمن القومي للمصريين والسودانيين. وبالتالي نحن في مفترق طرق، وهذا المفترق إذا لم يتوقف عن نقطة توافق، لا محالة سوف يؤدي إلى حرب داخل دول حوض النيل.
من هنا بات على مصر أن تعي جيداً كيف يمكن لها أن تتعامل مع هذه الأزمة، لاسيما أنها هي النواة والقلب النابض داخل حوض النيل، وجميع القرارات الحاسمة يمكن أن تصدر عنها، وذلك راجع إلى القوة و الإمكانات التي تتوفر عليها مقارنة مع بلدان الحوض، وهنا أيضاً على مصر أن تحاول أن تتعاون مع بلدان عربية لمساعدتها ودعمها مالياً وسياسياً وحتى عسكرياً، ولا تكتفي بأن تتجه غرباً أو شرقاً لأن بعض الدول الكبرى هي من افتعلت ومولت بالأموال والتكنولوجيا إثيوبيا لتشعل الأزمة، وتخلق بذلك، داخل القرن الإفريقي، وشمال إفريقيا أزمات ونزاعات جديدة، لتساعدها على التحكم في ثروات إفريقيا ككل.
في الختام، هذه الأزمة "المائية" تعطينا الانطباع، وتؤكد أن الأزمات والحروب المستقبلية سوف تكون على (الماء) بعد ما كانت على "البترول والغاز"، وذلك لأسباب متعددة من أهمها ظاهرة "الاحتباس الحراري"، وكذا ظهور مناطق ودول ستعاني في السنوات القادمة من نقص وشح في كمية هذه "المادة" التي هي أساس استمرار الحياة البشرية.
لذلك يطرح السؤال على الدول العربية وأنظمتها لماذا لا تكون لديها مقاربة عربية – عربية مشتركة لحماية أمنها المائي والقومي من السرقة والخطط المعادية؟!
فهناك دول عربية بدأت بالفعل تعاني أزمة جفاف وعطش ونذكر هنا: العراق، والأردن، والجزائر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.