أحلامي.. سمك، لبن، تمر هندي

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/13 الساعة 14:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/13 الساعة 14:30 بتوقيت غرينتش
iStock

لا أحلم إلا نادراً، وإن حلمت لا أتذكر ما حلمت به إلا شذراً، هذه نعمة كبيرة، أو هكذا أظن، لكن اليوم حلمت لفترة أحسبها طويلة وتذكرت مقتطفات عدة من أحلامي، لكنني لم أستطع تفسير شيء منها لأنها أحلام مبعثرة لا يوجد بين أي منها رابط جامع، وهي بالتعبير المصري الدارج "سمك، لبن، تمر هندي"، فلماذا تأتي أحلامي هكذا؟

طمعت ذات مرة في الحصول على إجابة من مجموعة من أصدقائي حول سبب أحلامي المضطربة، فتفاجأت بإجابات تستنكر عليّ السؤال، لأن هذا الاضطراب هو السمة المميزة لأحلام جلهم، إن لم يكن جميعهم. وجاء رد صديق لي بالإجابة البسيطة قائلاً، أو بالأحرى متسائلاً ومستنكراً: "هو إيه في حياتنا مش ملخبط عشان أحلامنا تبقى مظبوطة؟!"، إجابة بسيطة ظاهرياً، عميقة أشد العمق في باطنها.

وبالتفكير ولو لوقت قصير في المقولة السابقة يتبيّن أنها في غاية الدقة، إذ إن الحياة المضطربة لأغلب المصريين لن تؤدي بهم لأحلام سعيدة، وما الأحلام إلا انعكاس لنمط حياة الإنسان وخبراته وسلوكياته وطبيعة من يتعامل معهم، والأنظمة التي يعيش في كنفها، أو بالأحرى تحت سطوتها. فكيف يرى إنسان حلماً مبهجاً وقد نام بعد صراع مرير مع الأفكار التي تجبره على تفكير طويل في كيفية الإنفاق على ضروريات الحياة، من راتبه الذي يتطاير مع انقضاء الأسبوع الأول من الشهر، أو الحصول على ترقيته المستحقة دون أن يتقدم بهدية ثمينة لمن بيده قرار الترقية، والشعور بغصة في حلق ضميره إن استطاع تدبير الهدية وكانت في ضميره بقية من العمر.

ولو انتقل الإنسان بتفكيره في الشأن العام فسيزداد اضطراباً وتشوشاً. فكيف لعاقل أن يفكر في تطوير التعليم بتطوير وسائل التدريس (بالانتقال من الكتاب إلى التابلت)، دونما أدنى تفكير في تغيير وتطوير محتوى ما يُدرَّس، أو تطوير وتأهيل المدرس ليقوم بالتطوير المنشود وهو على بينة؟ وكيف لعاقل أن يفكر في قطار يتكلف 360 مليار جنيه وأغلب مدارس المحروسة تفتقد للمبة تعمل دون توقف، أو مروحة (ولا أقول جهاز تكييف) تلطف من حرارة الجو التي تُلهب رؤوس الطلاب والمدرسين على السواء، وأغلب مستشفيات المحروسة تفتقد لأبجديات المستشفى من أجهزة طبية تعمل بكفاءة، وطاقم طبي مدرَّب، ونظام سلس لحفظ وترتيب ملفات المرضى؟

أما الشأن المجتمعي فلا يقل فداحة وتفاهة، فما بال أقوام يقترضون من البنوك بفوائد باهظة لإقامة حفل زواج في فندق يقدمون فيه ما لذ وطاب لضيوف لا هَمَّ لهم إلا انتقاد فستان العروس، والقدح في أسرة العريس، وهم يتراقصون على أنغام أغنيةٍ حموبيكيّةٍ أو شاكوشيةٍ؟ ولماذا تتحول مواسم العبادة في رمضان وغيره لمواسم بذخ وتخمة؟ ولماذا تتحول النساء تدريجياً لأشباه رجال في الملبس والصوت وطريقة التعبير والتعامل؟ مَن الذي أقنع الأنثى المصرية بأنها لتتفوق على الرجل يجب أن تكون "أرجل" منه؟ 

هذه الأمثلة (وهي غيض من فيض) التي تذهب عقول المصريين وتكاد تدفعهم دفعاً للجنون في يقظتهم هي عينها التي تتسبب في أحلامهم الـ"سمك، لبن، تمر هندي". وإذا كان أكل أي من هذه الأكلات معاً قد يتسبب في اضطراب معوي أو كلوي، فإن نمط الحياة بهذه الطريقة، والعيش في كنف مجتمع صارت القيم فيه نادرة أو مغلوطة أو مشكوك فيها، في ظل حكومات تفرض أنظمة صارمة دون إشراك المختصين في الرأي، وتطبق أنظمة مجتمعية وقوانين على الكل، قبل اختبار نفعها أو ضررها، أقول: إن العيش هكذا حتماً سيتسبب في حياة وأحلام "سمك، لبن، تمر هندي".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعودي صادق
كاتب ومترجم مصري
كاتب ومترجم مصري
تحميل المزيد